تتنوع الوظائف التي تقوم بها مدينة القدس، نظراً الى أنها تجمع بين الوظائف الإدارية والدينية والسياحية والتجارية في الوقت نفسه، واتُخذت المدينة المقدسة عاصمة سياسية وروحية منذ أقدم عهود التاريخ، ففي العهد العثماني كانت مركزاً لسنجق القدس، كما أتخذت عاصمة لفلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني على فلسطين ومركزاً لقضاء القدس، وبعد احتلال الجزء الغربي من القدس عام 1948 القدس الجديدة، تحاول االسلطات الاسرائيلية جعلها عاصمة لاسرائيل، وإثر احتلال الجيش الاسرائيلي للقسم الشرقي من المدينة المقدسة في الخامس من حزيران يونيو عام 1967، سعت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة عبر خطاب موحد لكل الاحزاب الاسرائيلية بتلاوينها المختلفة إلى فرض سياسات محددة لجعل القدس الموحدة تحت الاحتلال عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وذلك على رغم القرارات الدولية كافة التي تؤكد بطلان القوانين الاسرائيلية الجائرة حول ضم القدس والنشاط الاستيطاني الاسرائيلي فيها لفرض الامر الواقع الاسرائيلي في نهاية المطاف. ومن الوظائف الأخرى لمدينة القدس، الوظيفة الدينية، حيث مارست وظيفتها الدينية منذ نشأتها الاولى عندما قام اليبوسيون ببناء معابدهم لممارسة شعائرهم الدينية. وفي عام 335 ميلادي جاءت الى القدس الملكة هيلانة أم قسطنطين، وهو الإمبراطور الروماني، وقامت ببناء كنيسة القيامة التي يحج إليها المسيحيون من مشارق الأرض ومغاربها، وتمر بجبل الزيتون المواكب الدينية المسيحية اثناء احتفالات عيد الفصح المجيد التي تبدأ من قرية بيت فاجة وتنتهي في كنيسة القيامة مروراً بطريق الآلام. اما المسلمون فيرجع اهتمامهم بالصخرة المشرفة نظراً الى علاقتها الوثيقة بالإسراء والمعراج، فضلاً عن كون المسجد الاقصى القبلة الاولى في الاسلام. ولمدينة القدس دور وظيفي آخر يتمثل بالسياحة، حيث تعتبر مدينة القدس محط أنظار سكان العالم يؤمها السياح من مختلف جهات الارض لزيارة المقدسات، وتبعاً لذلك انتعشت صناعة السياحة منذ القدم، وكان دخل السياحة في القدس قبل عام 1967 يشكل نسبة ليست قليلة من الناتج المحلي لسكان مدينة القدس، ناهيك عن استحواذ القطاع المذكور لآلاف من العمال المقدسيين، ومع السيطرة الاسرائيلية على القدس، اصبحت السلطات الاسرائيلية تسيطر على قسم كبير من الدخل المحلي للمقدسيين العائد من قطاع السياحة. وتمتعت القدس بوظيفة صناعية وزراعية أيضاً، فتتركز في القدس صناعات خفيفة معظمها صناعات زراعية، كطحن الحبوب وعصر الزيتون وصناعة الصابون وتعليب الخضر، واستخراج زيت السمسم وصناعة خشب الزيتون والصدف، وتعد الصناعة الأخيرة من الصناعات السياحية الناجحة والتي تدر ربحاً ودخلاً على المقدسيين، وهناك صناعات عربية اخرى مثل صناعة الغزل والنسيج والقاشاني والخزف والشمع وقلع الحجارة والبلاط والقرميد والحلويات والمعجنات والاثاث واللدائن. اما النشاط الزراعي في مدينة القدس لا يزال بدوره مصدراً مهماً لدخل سكان بعض القرى التي ضمت داخل حدود القدس، وتعتمد الزراعة في القدس على الامطار لقلة موارد المياه في المنطقة، وباتت زراعة الاشجار المثمرة وخصوصاً الزيتون والعنب تنتشر بكثرة عوضاً عن الحبوب التي كانت المحصول الرئيس في الماضي ويباع معظم الانتاج الزراعي في اسواق مدينة القدس. وفي جانب النشاط التجاري للقدس، فقد اعطى موقع القدس الجغرافي المهم أهمية فائقة للنشاط التجاري في المدينة المقدسة عبر العصور التاريخية، وتبعاً لذلك باتت اسواق القدس تغص بالسلع التجارية المختلفة، ومما يسهل رواج النشاط التجاري في القدس سهولة اتصالها بالبحر الابيض المتوسط والاجزاء الداخلية لاقليمها المحيط بها، فضلاً عن اتصالها بالأردن وقربها من العراق وسورية ولبنان، ولا شك في ان النشاط التجاري للقدس ساهم كثيراً في رواج التجارة داخل المدينة ولا سيما في الاعياد الدينية والمناسبات الاخرى، ومن الطبيعي جداً ان تزداد وتيرة النشاط التجاري في القدس مع ارتفاع مجموع سكانها، حيث يرتفع عدد المؤسسات التجارية والمصارف والاسواق لتلبية حاجات السكان الاستهلاكية من السلع والبضائع. وللحد من الوظيفة المركبة للقدس، سعت السلطات الإسرائيلية منذ عام 1967 الى تعطيل النشاطات التجارية الفلسطينية في المدينة، والى محاولة المشاركة في رأسمال المشاريع الصناعية في المدينة لخدمة الاقتصاد الإسرائيلي، وقد واكبت ذلك عمليات طرد صامتة لآلاف العرب من المقدسيين من القدس تحت حجج الإقامة خارجها، او الحصول على جنسيات دول اخرى، او عدم المجيء اليها منذ ثلاث سنوات خلت. وفي هذا السياق يذكر ان الجيش الاسرائيلي نجح في طرد خمسة عشر الف عربي مقدسي في حرب حزيران عام 1967، في حين طردت العصابات الصهيونية الشتيرن والهاغانا وغيرها نحو مئة ألف عربي عام 1948 قبل مجزر دير ياسين وبعدها. ولمحاصرة المقدسيين وتطويق آمالهم، قامت السلطات الاسرائيلية بمصادرة مئات المحال التجارية العربية تحت حجج واهية، والهدف من ذلك تهويد اقتصاد المدينة جنباً الى جنب مع محاولات السلطات الاسرائيلية تهويد الاماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس. * باحث - مكتب الاحصاء الفلسطيني - دمشق