لم يكن غريباً ولا مفاجئاً ما أثاره صدور مختارات من الشعر في اليمن والسعودية من أصداء وانفعالات وردود أفعال اتسم بعضها بالتعجل واللاموضوعية، فهو شيء متوقع في مثل هذه الأعمال البيبلوغرافية التي على معدها أن يختار اختباراً ولا موقف حصرياً. وإذا كان إرضاء الناس غاية لا تدرك كما تقول الحكمة التاريخية فإن إرضاء بعض الشعراء من رابع المستحيلات، وهذا ما ظهر جلياً في الأيام القليلة الماضية بعد صدور"كتاب في جريدة"، الذي ضم نماذج مختارة لسبعة وثلاثين شاعراً من اليمن والسعودية. وهؤلاء الشعراء الذين حمل الكتاب عينات من أعمالهم الشعرية، هم من جيل السبعينات والثمانينات حصراً، وبحسب طلب المشرفين على إصدار الكتاب، وأن يكون مناصفة بين شعراء البلدين، حيث قررت الهيئة الاستشارية في آخر اجتماع لها أن يكون لشعراء الجزيرة والخليج كتابان فقط، أحدهما لليمن والسعودية، والآخر لأقطار الخليج: عمان، الإمارات، البحرين، قطر والكويت. وقد أوضحت الإشارات التي تقدمت الكتاب الالتزام التام بخطة الهيئة الاستشارية المشرفة على الإصدارات وتوجيهاتها، لذا حاول المعدان، وهما صديقي الشاعر سعد الحميدين وأنا، أن نتجنب اختيار أي شاعر من الخمسينات والستينات، أو أي شاعر من التسعينات، علماً أن الجيل الجديد، جيل التسعينات في أقطار الجزيرة والخليج سيحظون باهتمام خاص وبأكثر من"كتاب في جريدة"، نظراً لكثرة عدد شعراء هذا الجيل، ولما تتميز به تجربتهم الأجد، وإضافتهم الجادة والجريئة الى القصيدة العربية المعاصرة، وفي وعد وأمل من المشرفين على"كتاب في جريدة"بأن يخصصوا أعداداً لاحقة لشعراء التسعينات العرب. ومنذ صدور المختارات توالت ردود الأفعال وتباينت مما استوجب أن نسجل هذه الإشارات تعقيباً على بعض الملاحظات المتبرمة التي لم ينجُ منها أي كتاب مماثل، ولعل ما حصل في مختارات العراق من جدل ونقد أقرب الشواهد على ما نقول. لكننا ينبغي أن نفرق بين الملاحظات الجادة والموضوعية الصادرة من الشعراء المبدعين، وبين تلك التي يطلقها بعض الطفيليين والأدعياء، الذين لا يمتون الى الشعر ولا الى عالمه بصلة، والذين لن تحظى محاولاتهم مهما تكاثرت، ومهما ارتفعت أصواتهم، وبلغت أطباق الأرض أو عنان السماء بأدنى اهتمام. ويقيناً بأن عمل المختارات منذ عرفه العرب في بواكير حركة التأليف والكتابة سيظل عرضة للنقد والتجريح، لكن المختارات - كالترجمة تماماً - ستظل ضرورية وملحة على رغم طابع"الخيانة"التي تلصق بها. وتلزمني هنا الإشارة الى مسألة فنية غابت عن بال العدد المحدود من المتبرمين والضجرين، وهي التباين الواضح في أسلوب كتابة جيل التسعينات، وفي رؤاهم مما سيلحق بهم الضرر عند القراءة إذا ما تجاورت نماذجهم المختارة في مؤلف واحد مع تجارب أجيال سابقة مختلفة في الأسلوب والتقنيات الفنية وفي الرؤى والتصورات. وأرى من منظور القراءة والنقد أن انفرادهم في مختارات خاصة بهم سيكون أكثر إنصافاً لهم، وجلاء لتجاربهم ومزاياهم الفنية. فالأمر - إذاً - لا يتطلب من المتعجلين في غضبهم إلا شيئاً من الصبر والموضوعية التي يفرضها السياق الثقافي الذي يندرج فيه عملنا في هذه المختارات وقصدنا من ورائه.