حين حققت فيلمها الوثائقي الأول "ثقافة الاستهلاك" عام 1984 كان الصوت النسوي والرؤيا النسوية الاساسيان للحداثة الثقافية في ايران في موضعهما"كما كتب الناقد حميد دباشي. وحين فاز فيلمها الروائي"نرجس"بجائزة الاخراج في مهرجان في طهران عام 1991 كانت أول"امرأة"تحصل على هذه الجائزة. رخشان بني اعتماد ترفض هذه التصنيفات"النسوية"، إنها انسانة ذات احساس مرهف وعميق يجعلها تهتم بواقع مجتمعها بعيداً من الشعارات والتسميات. تعري هموم هذا المجتمع بحساسية فريدة وتفضح البؤس والعلاقات الاجتماعية والواقع القاسي من تمدين سريع واستهلاك ودمار الاقتصاد الزراعي والهجرة الريفية وانتشار المخدرات والحرب. تدين المجتمع الأبوي وقسوة الحاضر الطاغية. مبدعة في رؤياها الواقعية التي تصبغ أعمالها الوثائقية والروائية على حد سواء. رخشان بني اعتماد من مواليد طهران 1954 درست الفنون الدرامية وحققت أفلاماً عدة وثائقية للتلفزيون وأنجزت فيلمها الروائي الأول عام 1987، وأتبعته بثمانية أحدثها"خونبازي" وما يزيد على ذلك من أفلام وثائقية. نالت جوائز عالمية، لكن كل ما يهم هذه الفنانة هو طرح قضايا مجتمعها وايصال أعمالها الى ناسه. استقبلتنا رخشان بني اعتماد في مكتبها في طهران في يوم عطلة خلت فيه الشوارع من زحمة السير. هل هناك ما يمكن أن نطلق عليه سينما نسوية في ايران؟ - لا أحب هذا التقسيم والقول إن ثمة سينما نسوية وسينما أخرى. المشاكل في العالم هي نفسها وتتعرض لها المرأة والرجل على حد سواء. قد تكون ثمة مواضيع تعالج في شكل مختلف من جانب المرأة؟ - لا، لا اعتبر أن كوني امرأة يفرض علي الاهتمام بمشاكل تتعرض لها النساء، إنما كوني امرأة يجعلني أتفهم هذا الكائن على نحو أفضل. ما هو مهم بالنسبة الي وما أفعله هو تحديد وضع الانسان في المجتمع وليس التركيز بشكل خاص على المرأة. أرفض هذه النظرة النسوية على المجتمع ولكن أيضاً الذكورية. كل انسان مكون من عناصر عدة ومنها ما له علاقة بجنسه والمجموع هو الذي يبني الانسان. نصيحة هل ثمة صعوبات تواجه المرأة كمخرجة؟ - بدأت في العمل السينمائي والتلفزيوني منذ ثلاثين سنة. في البداية كان الأمر غاية في الصعوبة سواء على صعيد المجتمع أو الوسط الفني ولا سيما في السينما. ولكن في السنوات الأخيرة فإن العمل التلفزيوني بات هو الأعقد. وفي شكل عام يتقبل الناس الأمر في شكل أفضل اليوم، ولذلك نرى النساء أكثر في هذين المجالين. ما أنصح به العاملات الشابات في مجتمعنا التقليدي أن يكن على درجة عالية من الاحتراف ليفرضن أنفسهن في المجتمع وفي الوسط المهني. حينما يكون المرء على درجة من المهنية والتمكن عالية ويعرف مهمته، لن يتساءل أحد إن كان امرأة أو رجلاً. ولهذا كنت باستمرار ضد قيام جمعية للنساء المخرجات. فأنا لا أحب الدعاية والشعارات والصراخ بأننا"نساء"مخرجات. وهنا استأذنت بني اعتماد واقفة وقالت مبتسمة لكن علي الآن أن ألعب دوري كامرأة وأم!". كانت تريد الاتصال بأحفادها للتأكد من استيقاظهم كي لا تفوتهم الطائرة المغادرة من الولاياتالمتحدة والمتجهة الى طهران. وهذه الجمعية هل هي موجودة حالياً في ايران؟ - كنت معارضة لقيامها. أنا على استعداد دائم لمساعدة الشابات المخرجات، لكني لا أميل الى التمييز النسائي في المجال المهني. هل توجد مثلاً جمعية للطبيبات؟ من ناحية أخرى أؤيد وجود جمعية تناضل من أجل حقوق النساء في شكل عام. كيف ترين الجيل النسائي السينمائي الجديد؟ وهل ثمة فروقات بين الجيلين؟ - ثمة فارق كبير... كنا أكثر مثالية. من دون أن يعني هذا إننا أفضل. كل منا لديه فكرته. يكمن التفاوت في النظرة التي يلقيها كل جيل على العالم. ما كنا نطلبه كان من أجل المجتمع، كنا ننسى الفرد فينا، والفردية هي ما نراه الآن. هذه الفردية هي جزء من المجتمع. إنهما طريقتان مختلفتان للقراءة، فأحدهما ينظر للنفس والآخر للمجتمع. تبدو صورة المرأة في السينما الايرانية دائماً ايجابية فهي جريئة، فعالة، نشطة، هل تظنين أنها تعكس الصورة الحقيقية للمرأة الايرانية ومكانتها في المجتمع؟ - المرأة الايرانية لم تحصل على حقوقها الطبيعية بعد، لكنها قوية ولا تتراجع وتحارب بشجاعة لنيل هذه الحقوق. اختلافنا عن بقية المجتمعات التقليدية يكمن في أننا مجتمع أبوي لكننا لسنا مجتمعاً ضد الأسرة فحتى حين كانت المرأة تمشي خطوات خلف زوجها، كانت لديها السلطة في المنزل. إنها صورة تعكس الواقع والحقيقة. لكن ما لا يعجبني في صورة المرأة في الأفلام هي تلك الملتزمة المناضلة أو التي تقود وتصرخ بالشعارات. إنها صورة مبالغ فيها للايرانية. فالمرأة هنا تعرف كيف تدير الامور من دون فرض، وتقول الشعارات من دون صراخ. أعتقد بأنه يوجد الكثير من البطلات غير المشهورات، وهن لسن مديرات ولا ناشطات، لكنهن قادرات على حماية العائلة والحفاظ عليها من الضغوط الخارجية. ما هي نظرتك الشخصية لأعمالك؟ - كما ذكرت سابقاً، جيلنا مثالي في نظرته. السينما ليست فناً فقط. إنها وسيلة لطرح المشاكل الموجودة في المجتمع. أظن انه من الصعب على أخريات الوصول الى الموقع الذي وصلت اليه، ولذلك علي ان استغله للكلام عن مجتمعي وليس للحديث عني شخصياً. ثمة اختلاف بين مجتمعنا والمجتمع الغربي، فمشكلة العدالة حلت في البلدان المتقدمة. لكن هنا لم نصل بعد، رجالاً ونساءً، الى ذلك. إن أي فنان غربي بمقدوره تناول مشاكله الخاصة، لكنني كفنانة هنا، علي الحديث على الأقل عن مشاكل طبقة من المجتمع. المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تتعلق بمعظم الناس أو عن مواضيع محرمة. محرّمات عن أي محرمات تودين الحديث؟ - شخصية الأم في فيلم"الأم جيلانة"أردت الحديث عنها كإنسانة أولاً وكأم ثانياً. ففي مجتمعنا المرأة هي أم في المقام الأول قبل أن تكون انساناً. وعلى نحو معكوس في"ذات الخمار الأزرق"كان هناك أب عاشق وكانت النظرة اليه كأب فقط ولم ينتبه أحد الى احتياجاته الأخرى. كان فيلمي الوحيد الذي حصل على صدى واسع هنا. كبار في السن طلبوا من عائلاتهم القدوم ورؤية الفيلم. فبعضهم أضاع الشريك ولكنه لا يجرؤ على الكلام عن بحثه عن آخر، الفيلم شجع كثراً على البوح وحتى الكشف عن علاقة سرية. أنت فنانة مهتمة بواقع المجتمع، بيد أن رؤيتك للأشياء قاتمة فهل تغالين في توكيد واقعية مجتمعك؟ - أتكلم كإنسانة واقعية لها همومها وهذه الهموم هي مشاكل مجتمعها. لست منظرة ولا أبقى حبيسة جدران مكتبي لأحكي عن مجتمعي. أنا أعرفه جيداً. أنا واقعية ولا أفضل إلقاء نظرة متشائمة على المجتمع، لكن وبما أنني شديدة الحساسية فأنا أرى الضعف فيه وهذا أمر لا يفوتني. ولكن هل أنت متشائمة؟ - لا، لا أستطيع قول ذلك. لا يمكن للإنسان أن يكون متشائماً فقط أو متفائلاً أو واقعياً. قد يكون متفائلاً ولكنه يلقي نظرة قد تكون واقعية ومتشائمة نعم، لكنها ليست يائسة.المتشائم لا يرى إلا الناحية السلبية، صحيح أنني أتحدث عن السلبيات والمشاكل، لكنني أبين أيضاً القوة التي تناضل بها شخصياتي ضد القهر والبؤس. ما يهمني هو رد الفعل تجاه الضغوط، إن النضال ضدها هو التفاؤل. شخصياتي ليست سلبية. أنا أنبذ السلبية. يعتبر النقاد فيلم"نرجس"ذروة إبداعك فأين تضعينه أنت في سياق أعمالك؟ وأيها الأقرب إليك؟ - كثيرون يعتبرون"نرجس"أهم أعمالي، بيد أنني أعتقد بأن نجاحه يأتي من زمن عرضه. فهو قد ظهر بعد الثورة في فترة لم يكن فيها الحديث عن الحب متداولاً، كما لم نكن نناقشه بهذه الطريقة. في كل عمل وضعت جزءاً مني، من هموم المرحلة التي كنت أعبرها. لا أعتبر نفسي مخرجة محترفة. في السينما يستطيع المحترف العمل على أي موضوع، وأنا لا أعمل إلا على الموضوع الذي يهمني ويعكس هموم معينة لي تقصد لمجتمعها في فترة معينة. "على أية حال، لمن تعرض هذه الأفلام؟"عنوان ثلاثية وثائقية لك، وبدورنا نسألك ما هو دور السينما الوثائقية؟ من يطلبها وأين تعرض؟ - إلى اليوم ما زلت أحب كثيراً هذه السينما ولا أفكر مطلقاً بالتخلي عنها. والأفلام الوثائقية الإيرانية هي ثروة نفيسة قد تعتبر يوماً ما وثيقة مهمة عن المجتمع الحالي. العمل على الوثائقي صعب ومعقد في إيران. فالأفلام المطلوبة من التلفزيون هي التي تتحدث عن مواضيع عادية مكررة. أما تلك التي تبين المشاكل الحقيقية للمجتمع وهي معظم هذه الأفلام، فهي لا تعرض إلا مرة واحدة وأمام جمهور محدود وخاص في صالة صغيرة في المنطقة التي صورت فيها. إنها لا تناسب معايير التلفزيون. والأمر نفسه بالنسبة للأفلام الأخرى ففيلمي"جيلانة"مثلاً لم يعرضه التلفزيون كاملاً وقص منه. من الملاحظ أن جميع أعمالك تعرض في إيران، فكيف تتجاوزك الرقابة؟ - همي أن تشاهد أعمالي من قبل الجمهور الإيراني ولذلك أحاول أن أجد الطريقة للتعبير عن نفسي بوسيلة يخرج معها الفيلم ويكون قابلاً للعرض. لقد عالج البعض المواضيع نفسها التي عملت عليها ولم يسمح لهم بعرض أفلامهم. أسعى دوماً لأنجح في عرض أفلامي هنا.