هناك قصة لا أعتقد بأن القراء العرب سمعوا بها، مع أن الصحف الغربية تناقلتها باهتمام، فقد زعم آلان ميلالي، رئيس شركة فورد، انه أنقذ حياة الرئيس جورج بوش عندما منعه من وصل خزان سيارة من نوع جديد لا يستعمل البنزين بشريط كهربائي لشحن الخزان المليء بالهيدروجين. يفترض أن الخزان كان سينفجر بالرئيس، إلا أن ميلالي اعتذر في النهاية واعترف بأنه اخترع القصة كلها من دون أن يتصور انها ستلقى هذا الاهتمام الإعلامي. هل اخترع رئيس فورد القصة فعلاً أو انه تراجع عنها بعد أن أدرك ان الأميركيين لن يغفروا له انقاذ حياة الرئيس بوش، وقد يتوقفون عن شراء سيارات فورد احتجاجاً. شر البلية ما يضحك، وادارة بوش بلاء مطبق، خصوصاً مع جهل الرئيس مدى جهله. ولا أملك إلا أن أقارنه هنا بالرئيس جيرالد فورد، فهو الوحيد الذي وصل الى الرئاسة من دون انتخاب لأن ريتشارد نيكسون عينه نائباً له بعد استقالة سبيرو أغنيو في فضيحة فساد، وأصبح رئيساً بعد استقالة نيكسون في فضيحة ووترغيت. فورد كان يعرف انه محدود القدرة لذلك اعترف يوماً بتقصيره وقال: أنا فورد ولست لنكولن، وهذه عبارة ذكية جداً، فسيارة فورد شعبية رخيصة، أما لنكولن ففخمة ضخمة مرتفعة السعر وتليق بحمل اسم أعظم رئيس أميركي. إذا كان جيرالد فورد مثل فورد فإن بوش الابن لادا مستعملة. وقدرته ما كانت لتثير اهتمام أحد لو أنه رئيس دولة من العالم الثالث يرتد جهله على دولته ولا يتجاوز حدودها. إلا أن جورج بوش رئيس العالم ويمارس جهله فينا ومع الأميركيين أنفسهم. هذا الجهل قتل حوالى 600 ألف عراقي وربما مليوناً، وشرّد أكثر من مليونين خارج بلادهم، وحوالى مليونين آخرين في الداخل، كما قتل 3400 جندي أميركي وبضع مئات من جنود التحالف والحراس من شركات الأمن الخاصة، ودمر مستقبل العراق، ونهب كنوزه التاريخية، أي كنوز العالم الذي انطلقت حضارته من بلاد الرافدين، وكلف نصف ترليون دولار حتى الآن، قد تصل الى ضعفي هذا الرقم اذا طال الاحتلال. ومع هذا كله عشرات ألوف الجرحى والمعاقين والمصابين بأمراض نفسية من الجنود الأميركيين. يستطيع القارئ أن يتجاوز الخسائر الأخرى ليركز معي ومع الرئيس بوش على الخسائر في الأرواح فهذه لا تعوض. الديموقراطيون يعارضون الحرب ويفضلون وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية، وهم يستغلون غالبيتهم في مجلس النواب للحدّ من الإنفاق العسكري في العراق كوسيلة لإرغام الإدارة على اعادة النظر في سياستها. كيف ردّ الرئيس على موقف الديموقراطيين؟ هو حذّرهم من أن وقف قانون الإنفاق الحربي"سيؤذي الجنود الأميركيين وأسرهم". الرئيس بوش أدلى بهذا التصريح في ما يعرف باسم"الغرفة الشرقية"في الأبيض وكان محاطاً بأسر الجنود وأطفالهم، وبين الأسر ممثلون لجنود قتلوا في العراق. لا يمكن أن يكون رئيس العالم مجنوناً، لذلك لا بد من أنني المجنون، فأنا لا أفهم كيف أن رجلاً أرسل شباب أميركا ليموتوا في بلد بعيد في حرب غير مبررة، يقف بين أسر الذين قتلوا، أي قتلهم، والذين قد يقتلون، ثم يتهم الديموقراطيين بإيذاء الجنود، مع أنهم يحاولون اعادتهم الى أميركا أي إبعادهم من طريق الأذى. الرئيس الذي يخشى إصابة جنوده بالأذى هو الذي كان وافق قبل أسبوع على تمديد خدمة الجنود في الميدان حتى 15 شهراً بزيادة ثلاثة أشهر عن خدمة السنة المعتادة، أي أن الجندي الذي ينجو بحياته خلال سنة، يجد أن عليه المغامرة بها ثلاثة أشهر أخرى، وكل هذا بعد أن خسرت الولاياتالمتحدة الحرب، وبقي أن تعترف بالخسارة وتنسحب حفظاً لأرواح الناس، أميركيين وعراقيين ومن كل بلد. بوش أدلى بتصريحه يوم الاثنين الماضي، واكتفي بأعداد"الحياة"قبل التصريح العبقري وبعده فهي تظهر أن 57 عراقياً قتلوا في اليوم السابق للتصريح، بينهم 34 في تفجير انتحاري قرب ضريح الإمام الحسين في كربلاء، و 21 قتيلاً وجثث خمسة سائقين ايرانيين يوم التصريح وتحطم طائرتي هليكوبتر في اليوم نفسه، و 28 قتيلاً عراقياً في اليوم التالي، وأربعة قتلى أميركيين ثم خمسة بعد ذلك، وفي كل يوم، وكان أكثر من مئتي ضحية في يوم واحد قبل يومين. هذا هو الأذى الحقيقي، ولا أفهم سكوت الصحافة الأميركية، وإنما أربط بين تصريح الرئيس وكلام مماثل قبل ذلك بأكثر من شهر لنائب الرئيس ديك تشيني فهو قال في خطابه البذيء في المؤتمر السنوي للوبي اليهودي، أو وكر الجواسيس ايباك، أن محاولة الكونغرس الحدّ من قدرة الرئيس على الإنفاق على العمليات العسكرية يؤذي الجنود. طبعاً الحد من الإنفاق يعني تقليص عدد الجنود وعودتهم، أي أنه يحمي حياتهم، أما ما يؤذي فهو ابقاء الجنود فترة خدمة أطول، وتعريض حياتهم لخطر الموت، وهدر أموال الضرائب الأميركية، وقتل مئات ألوف العراقيين. وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لا ترى في كل هذه الكارثة سبباً كافياً للمثول أمام الكونغرس، فهي أرسلت رسالة الى النائب هنري واكسمان، رئيس لجنة المراقبة والإصلاح الحكومي، رداً على طلبه استجوابها عن تلفيق مزاعم شراء العراق اليورانيوم من النيجر. إلا أنه رفض الاكتفاء برد مكتوب وأصرّ على الاستجواب العلني، ولا يزال الطرفان يخوضان لعبة شدّ حبل. زعيم عصابة الحرب، أو الشرير في هذه الرواية هو ديك تشيني، فهو الذي يلقن بوش ما يقول ويشدّ الخيوط من وراء ستار، لذلك نجد أن ما قال بوش قبل أيام هو كلام تشيني قبل شهر.