بعد سجالات إعلامية بين حركتي "فتح" و"حماس" وتبادل للتهم واستمرار الحال الانقسامية في المجتمع الفلسطيني، بل في الجغرافيا الفلسطينية، بادر عدد من الأكاديميين والإعلاميين والمثقفين والسياسيين المستقلين الفلسطينيين الى الاجتماع مع قيادات الفصائل الفلسطينية الموجودة في العاصمة السورية بما فيها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وطرحوا فكرة عقد مؤتمر وطني عام في دمشق تتلخص أهدافه في: 1 - مناشدة الدول العربية الراغبة في حضور"مؤتمر الخريف"المزمع عقده في الولاياتالمتحدة الأميركية، بعدم منح إسرائيل تطبيعاً عربياً من خلال المشاركة في المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش. 2 - العمل على جسر الهوة بين"فتح"و"حماس"وإنهاء القطيعة بينهما وإيجاد الوسائل والأدوات اللازمة والمناسبة لتحقيق هذا الهدف، والعمل أيضاً على إنهاء حال التشرذم في المجتمع الفلسطيني وتوحيده على أسس ديموقراطية سليمة، وعلى قاعدة الاحتكام الى مؤسساته الشرعية في حل الخلافات وليس على قاعة الاقتتال، وبما يفضي الى مصالحة وطنية شاملة بين حركتي"فتح"وپ"حماس"والفصائل في شكل عام. 3 - وضع خطة عمل مشتركة بعيداً من المحاصصة الثنائية تشارك فيها جميع الفصائل، لمواجهة الاحتلال، والتشديد على حق العودة وحق المقاومة المشروع لهذا الاحتلال. 4 - تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، والبدء بالعمل على وضع الأسس الدستورية وفق النظام الأساسي للمنظمة، وتنفيذ اتفاق القاهرة لعام 2005 في هذا الخصوص. تلقفت الفصائل الفلسطينية هذه الفكرة وبادرت بالتحرك - مشكورة - لتحقيقها. غير أن المبادرة أثارت حفيظة حركة"فتح"والرئيس محمود عباس والفريق العامل معه، فبادر الأخ أحمد عبد الرحمن أحد مستشاري الرئيس وعضو المجلس الثوري لحركة"فتح"، بالهجوم على المؤتمر قبل تاريخ عقده بشهر، إذ يزمع عقده بين 7 و9 تشرين الثاني نوفمبر، ووصف القائمين عليه بالانفصاليين، ويا غيرة الله والدين، كيف يجرؤ هؤلاء الانفصاليون على تحدي الشرعية الفلسطينية والقرار الوطني الفلسطيني المستقل، خصوصاً أنهم يتحدثون من دمشق، وكأن دمشق أصبحت العدو الرئيس للشرعية التي يتحدث باسمها كل يوم هو والسيدان ياسر عبد ربه وصائب عريقات. وهنا لا بد من الإشارة بهدوء وروية الى الحقائق الآتية من دون الاستناد الى ما قال السيد أحمد عبدالرحمن أو غيره لئلا نزيد الهوة عمقاً في الشرخ الفلسطيني الكبير. علينا أن نرى الأمور كما أسلفنا بروية وحكمة بل من منظار الأخوة في حركة"فتح"، خصوصاً بعد الذي جرى لهم في غزة بأيدي حركة المقاومة الإسلامية"حماس". حال الثقة مفقودة بين حركتي"فتح"وپ"حماس". فأي خطوة تخطوها إحدى الحركتين وإن شاركتها فصائل أخرى، سيقابلها الطرف الآخر بالشك والريبة، خصوصاً أن فكرة المؤتمر جاءت من الفصائل المقيمة في دمشق بعدما أبلغ بها فاروق القدومي أبو لطف واستحسنها وقال انه سيدرس إمكان إرسال من يمثل فتح في اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي يرأسها الدكتور طلال ناجي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ? الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية ? القيادة العامة. والحقيقة الثانية في هذا الإطار هي الطرف الممول للمؤتمر وهو فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة الى كل من حركتي"الجهاد الإسلامي"وپ"حماس". وهنا شعرت حركة"فتح"بأنها طرف مدعو وليس داعياً، وهذا أمر غريب ومريب في رأي الحركة، إذ جرت العادة أن تكون هي الطرف الداعي والمبادر وليس غيرها، وهذا ما أكده ديبلوماسي فلسطيني ينتمي الى"فتح"، بل هو أحد مؤسسيها. أما الحقيقة الأخيرة التي أثارت حفيظتهم فهي التصريحات المؤيدة للمؤتمر بحدة، على لسان أحد القادة الفلسطينيين المناهضين لقيادة"فتح"، التي أثارت حفيظة الرئيس محمود عباس أبو مازن ومجموعته، ما حدا بطلال ناجي الى إيضاح المسائل المثيرة للجدل حول المؤتمر، ورد بهدوء على الاتهامات المثارة، وأكد أن الدعوة وجهت الى جميع الفصائل من دون استثناء، وكان ذلك شرطاً أساسياً لموافقة سورية على عقد المؤتمر على أراضيها. كما أستطيع التأكيد في هذا الإطار أن الدعوة سلمت في دمشق رسمياً الى مسؤول حركة"فتح"في سورية الدكتور سمير الرفاعي، وأكد لي شخصياً أنه تسلمها وأرسلها بدوره الى السيد محمد غنيم أبو ماهر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مفوض التعبئة والتنظيم، المقيم في العاصمة التونسية. وأفاد السيد هاني الحسن أن الدعوة وصلت من محمد غنيم الى الرئيس محمود عباس الذي وزعها بدوره على اللجنة المركزية للحركة وطلب عقد اجتماعها لهذا الغرض. يمكن أن نتفهم رد فعل"فتح"وعدم مشاركتها في المؤتمر، ولكن ما يصعب تفهمه هو أنهم كالوا الاتهامات للمؤتمر قبل عقده، بل غمزوا من قناة الدولة المضيفة وفكرة المؤتمر لا تزال في المهد، وسعوا من خلال بيان اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة المنتهية ولايتها، الى تحريض الدولة المضيفة على عدم السماح بعقد المؤتمر. بناء على ما تقدم، لا بد من أن نوضح أن الفصائل وقعت في خطأ تكتيكي، إذ انها لم تترك الأمر في أيدي المستقلين، بل باشرت بنفسها برئاسة اللجنة التحضيرية مفترضة حسن نية الفصائل الأخرى، خصوصاً أن الذي ترأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر هو الأخ الدكتور طلال ناجي الذي يحظى بإجماع فلسطيني لعلاقاته المميزة مع جميع الفصائل، خصوصاً علاقته الودية مع الرئيس عباس على رغم الاختلاف السياسي بينهما. وأحد أسباب اختيار طلال ناجي لرئاسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر هو استبعاد كل من"حماس"وپ"فتح"عن رئاستها، بحيث لا يكون هناك أي سبب لإثارة النزاع بين الطرفين في هذا الخصوص، كما يوجد في اللجنة مستقلون. وأكدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر أنها ليست بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا لمجلسها الوطني أو محاولة للالتفاف عليهما وليست اصطفافاً الى جانب فصيل في مواجهة فصيل آخر. ولا شك في أن كلاً من"حماس"وپ"فتح"ستستمعان بهدوء الى الصوت الفلسطيني المستقل الذي صمت طويلاً، وعليهما أن تحترما هذا الصوت لا أن تهربا منه بعد أن وصلتا بالقضية العادلة الى حافة الهاوية، فالحركتان مسؤولتان عن التشرذم والاقتتال في صراع على سلطة لا سلطة لها، وستستمعان الى صوت يردد كلام السيد المسيح"من كان منكم بلا خطيئة فليرمنا بحجر". ليس من حق أحد من الفصائل أن يقرر وحده مصير شعب فلسطين وليس من حق أحد الهروب الى الأمام واحتكار قضية شعب بأكمله لأنه أطلق الرصاصة الأولى أو لأنه فاز في انتخابات لم يشارك فيها سوى أربعة ملايين فلسطيني من أصل شعب وصل تعداده الى أحد عشر مليوناً. استمرار القتال بين الفصائل في غزة، إغلاق المؤسسات الإنسانية في الضفة، إن دلا على شيء، فإنما على المجهول الذي وصلت اليه القضية والذي يفضح الممارسات غير الأخلاقية وغير الوطنية للقيادات في الضفة والقطاع، فهي التي تتحمل الوزر، وتلك الخطايا، وعليها أن تصغي الى صوت العقل كي نستطيع مواصلة النضال بأشكاله المشروعة، ولا يحق لأحد الهروب تحت أي ظرف أو سبب من مواجهة ما وصلنا اليه. وعلى مسؤولي المؤتمر إفساح المجال أمام الصوت الفلسطيني المستقل الذي سيكون صوت أكثرية شعب فلسطين التي كانت صامتة. * سفير فلسطيني سابق.