«الداخلية» تطلق خمس خدمات رقمية جديدة تعزز التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في مؤتمر أبشر 2025    الطفل يضع بصمته في كتاب جدة 2025    إعفاء متبادل من التأشيرات لحملة الجوازات الدبلوماسية بين السعودية والهند    وزير الصناعة: إلغاء المقابل المالي سيسهم في تعزيز تنافسية الصناعة السعودية عالميا    "البيئة" تحذّر من الاحتطاب الجائر وتؤكد: عقوبات رادعة لحماية الغطاء النباتي    أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لجوازات المنطقة    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية "تعافي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع برنامج المدن الصحية    إطلاق مبادرة "احترافية القرار" لتمكين طلاب المرحلة الثانوية من مهارات اتخاذ القرار    أمير حائل يستقبل قيادات شرطة المنطقة    لقاء ديوانية جمعية أكابر لكبار السن بمنطقة عسير لعام 2025م    الشؤون الإسلامية بالمدينة تشارك في البرنامج التوعوي "إنما يعمر مساجد الله من آمن" بمحافظة ينبع خلال شهر جمادى الآخرة    أمين التعاون الإسلامي: السلام العادل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال والاستيطان وتجسيد سيادة دولة فلسطين    القيادة تهنئ ملك مملكة بوتان بذكرى اليوم الوطني لبلاده    مسار رياضي لذوي الإعاقة بتعليم مكة    الشؤون الإسلامية بجازان تُنفّذ (555) جولة فنية في الجوامع والمساجد خلال شهر نوفمبر 2025م    15 يوما على تطبيق قرار إلزام شركات الطرود بعدم استلام الشحنات البريدية دون العنوان الوطني    جستر محايل تزور غرفة عمليات المدن الصحية بالمركز الشبابي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل وفد من أعضاء مجلس الشورى    أمير منطقة الجوف يرأس اجتماع المحافظين الأول للعام 1447ه    وزير الخارجية يستقبل رئيس مجلس أمناء وأعضاء مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية    المساحة الجيولوجية : الهزة الأرضية المسجلة اليوم بالمنطقة الشرقية لم تحدث خسائر    أمانة الشرقية ومركز البركة يوزعان 300 حقيبة شتوية على عمال النظافة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    نوح ومحمد أكثر الأسماء شعبية في كندا لعام 2024    صعود العقود الآجلة لخام النفط الأمريكي    مسجد عمر بن الخطاب.. معلم إسلامي تاريخي يروي بدايات العمارة الدينية    مظلات المسجد النبوي.. تُحف وإبداع معماري    فيصل بن مشعل يطلع على برامج الكلية التطبيقية بجامعة القصيم    شوطا «المنغولية» في أكبر تجمع للصقور بالعالم    «هيئة الحرمين» توفّر سوارًا تعريفيًا للأطفال    أمير نجران يُدشِّن مبادرة النقل الإسعافي للمرضى المحتاجين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يفتتح أحدث مركز للطب النووي والتصوير الجزيئي    تعليق الدراسة.. قرار تنظيمي تحكمه إجراءات ومعايير واضحة    رصد مخالفات بيع على الخارطة.. هيئة العقار: مباشرة الإجراءات النظامية بحق 25 مطوراً عقارياً    إطلاق برنامج «خبراء التطوير المهني» التعليمي    حققت 26 جائزة متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية.. السعودية الأولى عالمياً في مسابقة WAICY للذكاء الاصطناعي    أمينة العنزي: أول رائدة في مجال الصقارة بالحدود الشمالية    أبها يحافظ على الصدارة.. وسباق الهدافين يشتعل بين سيلا سو و نوانكو    الأخضر بطلاً لكأس الخليج تحت 23 عاماً    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة تنزانيا    فوز المملكة برئاسة اتحاد إذاعات الدول العربية    الإعلام تنظم جلسة «حديث إمباك» بصنع في السعودية    الرياض وجمال المطر    في دور ال 32 لكأس ملك إسبانيا.. قطبا العاصمة أمام تالافيرا وبالياريس    القيادة تعزي ملك المغرب في ضحايا الأمطار والفيضانات    الحياة الفطرية يطور الحوكمة ب« الثقوب الزرقاء»    جودة الحياة: تقدم جودة الحياة في مدن السعودية    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    بسبب قمع المعارضين.. كندا تفرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين    ترفض أي وجود لقوات غربية.. روسيا تسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا    «أمهات المختطفين»: عذبوا المحتجزين.. مطالبة باستبعاد مسؤولين حوثيين من مفاوضات مسقط    الصحة العالمية: ظهور سلالة فيروسية جديدة للإنفلونزا    5 أشياء في منزلك تزيد من خطر السرطان    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة    ترامب وقع أوامر تنفيذية في أقل من عام أكثر ممّا وقعه في ولايته الأولى    ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش الاسرائيلي بعد رحيل حالوتس ... صورة باهتة وخيارات قلقة !
نشر في الحياة يوم 31 - 01 - 2007

من غير المتوقع أن تصطدم كرة الثلج التي شكلتها استقالة رئيس الأركان الاسرائيلي دان حالوتس على خلفية نتائج حرب تموز يوليو الماضي ضد لبنان، وأداء المؤسسة العسكرية البائس خلالها، بجسم غريب يوقفها عند حد الاكتفاء بإطاحة رأس الهرم العسكري الذي تؤكد المعطيات المختلفة أن الاستياء الواسع في أوساط الضباط والجنود الذين شاركوا في الحرب الأخيرة على لبنان، والضغط الشعبي العارم، والنتائج المتوقعة للجنة فينوغراد الحكومية، هي التي أجبرته على مغادرة الموقع الأبرز في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية رئاسة الأركان، ذلك أن هذه الكرة المتدحرجة التي يتوقع لها أن تجرف في طريقها رؤوساً كبيرة في المؤسسة السياسية والعسكرية، وعلى رأسها وزير الدفاع عمير بيرتس، وربما رئيس الوزراء ايهود اولمرت نفسه، تختزن في داخلها خليطاً من الأخطاء والاشكاليات والمعضلات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية التي كانت تتراكم في شرايين ومفاصل الدولة العبرية، وتؤسس لاستحقاقات من طراز نوعي جديد، ولا سيما في أوساط المؤسسة الأهم التي تعتبر حامية دولة اسرائيل وحاضنة ديمومتها واستمرارها، ونعني بها مؤسسة الجيش الذي أصيب بزلزال عنيف يصعب تقدير درجة ومستوى خطورة هزاته الارتدادية.
ويأتي هذا التطور الذي ستعمل المؤسسة السياسية على التخفيف من تداعياته من خلال تسعير"حرب الخلافة"على منصب رئيس الأركان، بعد فترة وجيزة على تلوين"تقدير الوضع الاستراتيجي"الذي أعده الجيش الاسرائيلي لعام 2007 صورة الكيان العبري بالرمادي والأسود، من خلال استشرافه اجتياز ايران حافة الاستقلال التقني النووي، وتوقع تدني مستوى الاستقرار الاقليمي في ظل ارتفاع احتمال التفجر على الجبهة الشمالية في سورية ولبنان، وكذلك على الجبهة الفلسطينية. ووفق التقدير المتشائم الذي شكل دعوة للاستنفار في كل مفاصل الدولة والمجتمع الاسرائيليين، فإن العام الحالي سيكون جوهرياً بالنسبة الى البرنامج النووي الايراني، إلا أن تقديرات الجيش الاسرائيلي، وفق ضابط لخص للصحف العبرية معطيات التقدير، ترى أن ايران ستتمكن من تحقيق ذلك فعلياً بحلول نهاية العام الحالي. أما بخصوص الجيش الاسرائيلي فيري التقدير انه بحاجة الى ثمانية مليارات شيكل 1.7 مليار دولار في العام من أجل إعداد نفسه كما ينبغي في عدد من المجالات، كتأمين الاحتياجات العملياتية المستجدة والبحث والتطوير وتحديث حجم القوات ومعالجة الفجوات في مستوى التدريبات، وغير ذلك.
العنوان الأبرز في تقدير الجيش الاسرائيلي الذي حاول مقاربة قضايا سياسية وأمنية شاملة لها علاقة بحراك وتطورات ومآلات الصراع المحتدم على أكثر من جبهة في الشرق الأوسط، يتعلق بواقع ومستقبل هذا الجيش، لا سيما وأنه منذ انتهاء الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان، وعلى رغم محاولات التعويض عن الفشل الميداني والسياسي غير المسبوق عبر تصعيد الاعتداءات على غزة التي تحولت الى ساحة مفتوحة لوسائل وأدوات القتل الاسرائيلية، لم تعرف الدولة العبرية الهدوء أو الاستكانة لنتائج الحرب التي نزعت أوراق التوت عن أزمة القيادة السياسية والعسكرية والاستخباراتية، والأهم عن الجيش الاسرائيلي الذي جرى تصويره خلال السنوات والعقود الماضية على أنه من طبيعة خاصة غير قابلة للاختراق أو العطب. إذ أن قوى اليمين المتطرف التي تضامنت بشكل كامل مع حكومة اولمرت خلال الحرب أخذت بتصعيد حملاتها الشرسة ضد هذه الحكومة التي وضعت اسرائيل على أعتاب الهزيمة، فيما كان الملفت المثير لتساؤلات عميقة هو تلك الحملة السياسية والصحافية، التي تحولت الى شعبية في الآونة الأخيرة، ضد وزير الدفاع عمير بيرتس الذي كان قد ضحى برؤيته الاجتماعية التي انتخب باسمها لصالح حقيبة الدفاع التي لا يفقه منها شيئاً، وضد رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الجنرال دان حالوتس، وضد القيادة العسكرية عموماً، وذلك بعد أن كان النقاش في أخطاء الجيش وتقصير قياداته ووحداته يتم في غرف مغلقة بعيداً عن أسماع العرب والعالم والرأي العام الاسرائيلي وعيونه.
والواقع ان الجيش الاسرائيلي الذي يحتل مكانة استثنائية مميزة في الدولة العبرية كونه خاض، ومنذ قيام الدولة في العام 1948، عدداً من الحروب المتتالية مع الدول العربية المجاورة لها، كما واجه انتفاضتين فلسطينيتين خلال العقدين الماضيين، يعيش زلزالاً بعد سلسلة الإخفاقات الخطيرة قبل وخلال حرب تموز يوليو على لبنان. وتفيد الدروس المستخلصة، وفق الصحف الاسرائيلية، من نحو 40 تحقيقاً أجراها الجيش الاسرائيلي للنظر في الاخفاقات العسكرية في حرب لبنان الثانية، بأن الأعوام الستة للانتفاضة الفلسطينية أدت الى توجيه غالبية اهتمام الجيش الاسرائيلي الى المناطق المحتلة التي كان لها الأولوية على ما يجري على الجبهة الشمالية. وقد استغل"حزب الله"السياسة الاسرائيلية لإقامة مواقع له على طول الحدود، ولشن عملياته في أي وقت يشاء.
وفي أعقاب خطف الجنديين الاسرائيليين من قبل"حزب الله"، وبعد قرار شن الحرب، كان الجيش الاسرائيلي، وفق خلاصة التحقيقات، يفكر بمصطلحات المناطق المحتلة عمليات أمنية تقليدية ضد عدو ضعيف وهذا ما قام بتطبيقه، لكن قدرات"حزب الله"فاجأت الجيش الاسرائيلي مما سمح للحزب بضربه في نقاط ضعفه مثل مهاجمة المدرعات والقوات البرية بالصواريخ المضادة للدروع، أما القوات النظامية، وبصورة خاصة قوات الاحتياط، فلم تكن مدربة كما يجب للقيام بالمهمة لأن الانتفاضة تسببت بخفض موازنة التدريبات. وقد اعترف عدد من القادة العسكريين بأن القدرة القتالية للجيش ضعفت، وأن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية أضعف التدريبات والتقنيات القتالية، مما شكل ضربة للتفكير السائد.
وعليه، أدى ضعف القوات البرية التي لم تحضر بما فيه الكفاية، والتي تعودت على القتال في المناطق المحتلة، الى تفضيل استخدام سلاح الجو، وأعطى الجيش الاسرائيلي اهمية كبيرة لقدرة النيران الهائلة على حساب المناورة. وهذه العقيدة القتالية ولدت أيام رئيس الأركان السابق موشيه يعلون وتعززت في أيام دان حالوتس قائد سلاح الجو. وحسب ضباط كبار حاليين في رئاسة الأركان، فإن خطيئة"الغطرسة الجوية"كانت المبالغة في الاعتقاد أن بالإمكان انجاز المهمة في لبنان باستخدام القوة الجوية فقط. وشكلت هذه النظرية الأساس للفشل في الحرب. وجاء في تقرير آخر ان حالوتس أيد بصورة كبيرة فكرة الحسم الجوي، وتحفظ عن عملية برية لوقف اطلاق الكاتيوشا، وحتى عندما اتضح له أن سلاح الجو وحده لا يكفي اصر على رفض القيام بعملية برية.
هذه العقيدة الخاطئة، تضيف خلاصة التحقيقات، وعدم فهم ما يجري على أرض المعركة أديا الى سلسلة قرارات خاطئة لرئاسة الأركان العامة مثل عدم إعداد الخيارات البرية في الوقت المحدد، وتأجيل تعبئة فرق الاحتياط يعترف حالوتس بأنه أخطأ عندما لم يدفع الحكومة الى الموافقة على دعوة الاحتياطيين قبل ذلك، واستخدام أسلوب"السلامي"بحيث تتقدم القوات وتسيطر وبعد ذلك تنسحب من دون أن توظف هذه العملية في مواجهة متواصلة ضد"حزب الله". كما برزت ثغرات في عمل سلاح البحرية. وقد اعترف قائد سلاح البحرية انه اعتبر امكان امتلاك"حزب الله"لصاروخ أرض - بحر من طراز ايراني أمراً"خيالياً ومبالغاً فيه". ويعترف انه حتى يوم اصابة البارجة بالصاروخ، أي بعد يومين على حادثة الخطف، لم يكن بعد مدركاً ان ما يجري هو حرب. وذلك بالاضافة الى ظهور مشكلات في القيم على مختلف المستويات. فرئاسة أركان الجيش لم تتصرف بصفتها القيادة العليا وجرى اتخاذ عدد من القرارات المهمة ضمن أوساط ضيقة من دون احترام المراتب، ولم يتقيد عدد من الضباط في رئاسة الأركان بالهرمية المعروفة عندما قاموا، بواسطة الهاتف، بتوجيه تعليماتهم ونصائحهم الى قادة الفرق على الجبهة من دون تسجيلها بطريقة رسمية.
تعود جذور الجيش الاسرائيلي، الذي يعتبر الأقوى في المنطقة على رغم الضربة المادية والمعنوية التي تلقاها خلال عدوان تموز الماضي على لبنان، الى التنظيمات الأمنية لحركة اليهود قبل احتلال فلسطين مثل مجموعة"هشومير"الحارس، وفرق المتطوعين اليهود في قوات الحلفاء الجدوديم، وفرق العمال، وعصابات شتيرن والأرغون، وما سمي ب"المنظمة العسكرية القومية"وذلك قبل أن تهيمن عصابة"الهاغانا"على ساحة العمل العسكري المسلح ضد الفلسطينيين وتشكل النواة الحقيقية للجيش الاسرائيلي. وقد لعب بن غوريون، بوصفه رئيساً للوزراء ووزير للدفاع من سنة 1948 وحتى سنة 1963 باستثناء 15 شهراً ما بين 1953 و1955 دوراً مركزياً في عملية تحول العصابات الصهيونية الى جيش نظامي موحد وإجباري ومحترف، وترك تاثيراً لا يمكن محوه في سمات هذا الجيش وعلاقته مع مكونات الدولة الاسرائيلية الأخرى.
ويمكن الوقوف على رؤيته لدور الجيش في قوله:"لقد كانت المهمة الأساسية ل"تساحال"هي حماية الدولة. ولكن تلك لم تكن مهمتنا الوحيدة، إذ على الجيش أن يكون مركز تعليم وريادة للشباب الاسرائيلي، سواء المولودين داخل اسرائيل أو القادمين الجدد. ان من واجب الجيش تثقيف جيل رائد سليم في الجسم والعقل، شجاع ومخلص وقادر على توحيد القبائل المبعثرة ويهود المهجر ليجهز هذا الجيل نفسه لتحقيق المهمات التاريخية لدولة اسرائيل".
وكان معهد"فان لير"الاسرائيلي، وبمشاركة عدد من الأكاديميين العسكريين الاسرائيليين والأجانب، قد عقد، قبل أسابيع حلقة دراسية في القدس المحتلة تحت عنوان"هل هو جيش له دولة؟"وذلك للبحث في دور الجيش في الحياة العامة الاسرائيلية. أما الدافع الأساس لهذه الورشة التي ساهم في أعمالها أكاديميون من جامعات اميركية وفرنسية، فكانت القناعة بأن الجيش الاسرائيلي"تساحال"يملك نفوذاً حاسماً، ليس فقط في القضايا العسكرية والأمنية، وانما كذلك في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الثقافية، كما راكم تأثيراً استثنائياً في كل ما يتصل بالمفاوضات مع الفلسطينيين ومع الدول العربية، ناهيك عن سيطرته المبالغ فيها على الزعماء والساسة وصناع القرار، واستمرار احتكاره لما يسمى"التقدير القومي"، وبقائه"مقاول البدائل للحكومة في كل ما يتعلق بالخطوات السياسية والعسكرية"، وتأثيره الحاسم على وسائل الإعلام وسواها من المؤسسات المكونة للدولة والمجتمع في اسرائيل.
أبرز ما حملته الحلقة التي استمرت أعمالها يومين، هو محاولة اثبات انه برغم كون"الأمن"ميداناً مركزياً في حياة سكان اسرائيل، فإن هذا الموضوع ما زال يعالج بطريقة تقليدية محافظة، عبر التركيز على البعد الرسمي في العلاقة بين"الأمني"و"المدني"، ما يفرض الحاجة الى خلق اطار مناسب لتوضيح القضايا ذات الصلة بمكانة الأمن في دولة اسرائيل من وجهة نظر جديدة، وكي تظهر للجمهور الواسع صور تعامل أخرى ذات صلة بالقضية. كما حاولت الدراسات المقدمة معالجة مفهوم"الأمن"والمؤسسة الأمنية بكل مقوماتها، وعناصر الشبكة الأمنية في الخدمتين الدائمة والاحتياطية ونتائج الأمن وآثاره المختلفة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اسرائيل، وعلى عملية الصراع مع الفلسطينيين، وعلى شكل وطبيعة العلاقة مع الجوار الاقليمي ومع مختلف دول العالم.
الأهمية الاستثنائية لحلقة العمل هذه تكمن في محاولتها تسليط الضوء على أكثر المناطق حرمة في اسرائيل، وكشف الحجب والأستار عن تغلغل الجيش الاسرائيلي الذي اعتبره مؤسس الدولة العبرية دافيد بن غوريون"أكاديمية المواطنين"، في كل مفاصل الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية بعدما اعتاد السياسيون الاسرائيليون على وضع مواطنيهم أمام خيارين: إما أن يتاح للجيش فعل ما يراه مناسباً دون أية مساءلة تذكر، واما الاستعداد لتقبل الهزيمة التي تؤدي الى التعرض ل"الإبادة"!، كما تكمن في كشفها واقع وحقيقة الأزمة العامة التي تمر بها اسرائيل التي تفترض وظيفتها الاستراتيجية كمخفر متقدم للمصالح الرأسمالية العليا في المنطقة أن يبقى الجيش خارج النقاش، وتناقض واقع الحال هذا مع مفاهيم وأسس وآليات المجتمع المدني، وتجليات الحراك الاقتصادي والاجتماعي المرتهن لسطوة العسكريين ورؤاهم ومصالحهم ونزواتهم الدموية المندرجة في اطار الوظيفة الاستراتيجية.
وبناء على ذلك، امتد نفوذ الجيش الى كل مفاصل الحياة في اسرائيل، وكان له الدور الأساسي في عملية عصرنة الدولة وادخال وتطوير الصناعات الحديثة، بحيث يمكن اليوم اعتبار المؤسسة العسكرية أهم وأكبر مستخدم في اسرائيل بعدما وسّعت وزارة الدفاع منذ عام 1967 صناعات الالكترونيات والطائرات والصواريخ التابعة لها والدبابات وسواها. ولكن هذه القفزات في تأثير الجيش الاسرائيلي وقيادته لعمليات التحديث والتطوير لم تكن بلا آثار جانبية ساهمت في خلقها بعض العمليات الإرهابية الفاشلة التي عملت على إيقاظ النقد الجماهيري لهيمنة وزارة الدفاع والاستخبارات على الدولة ومؤسساتها تحت دعاوى أولوية الأمن والدفاع مثل القضية المعروفة بقضية لافون. بيد أن ذلك لم يصل الى حد المطالبة بتحديد التخوم التي تفصل المؤسسة العسكرية عن مؤسسات الدولة الأخرى. كونها الأداة الفعالة في عملية التحديث ودمج المكونات البشرية لدولة اسرائيل في بوتقة الصهر التي تتخفى تناقضاتها المزمنة وراء العدوانية البربرية التي تسم هذا الكيان الوظيفي.
ومع ذلك، ينبغي لفت النظر الى أن واقع هيمنة الجيش الاسرائيلي على الدولة ومكوناتها يتطلب استمراره شرطاً أساسياً قوامه أن يكون هذا الجيش منتصراً دائماً. وبالتالي، من المنطقي الاستنتاج أن عدم تمكين الاسرائيلي من تحقيق انتصارات عسكرية مجانية سيؤدي ليس فقط الى وقف عدوانية اسرائيل، أو كبحها على الأقل، وانما ايضاً الى انهيارات ذات طبيعة نوعية في مختلف المجالات التي تلعب فيها المؤسسة العسكرية دوراً أساسياً. ولكن، في المقابل، لا بد من الاعتراف بأن سطوة الجيش هذه لا تترتب عليها، وفق المنظور، امكانية قيامه بانقلابات عسكرية على غرار ما يحدث في العديد من دول العالم الثالث التي يقوم فيها الجيش بالاستيلاء على السلطة بعد أن يفقد الثقة بالسياسيين الفاسدين، دون ان يعني ذلك عدم وجود فساد في أوساط المؤسسات المدنية والعسكرية الاسرائيلية. ولعل الأسباب الكامنة وراء ذلك تعود، بشكل رئيسي، الى دور ووظيفة الكيان الاسرائيلي في الاستراتيجية الكونية للدولة الأعظم في العالم الولايات المتحدة وشركاتها الاحتكارية الكبرى، وارتهان الجيش الاسرائيلي والمؤسسات الأخرى برمتها لموافقة مصادر التمويل والتسلح على أية خطوات رئيسية ومهمة يمكن القيام بها، وفي مقدمها إلقاء القبض على السلطة بشكل مباشر.
ما يمكن استخلاصه من مفارقات"الجيش الذي يملك دولة"هو أن الدراسات المتعلقة به تبقى جزئية ما لم تأخذ بنظر الاعتبار السياق العام الذي وجد فيه، وعلاقته الجدلية بالمؤسسات الأخرى المختلفة، واندراج ذلك في اطار التشكيل العام للقوة الكبرى التي تحاول الهيمنة على العالم بعد إعادة صياغته بما يتلاءم ومصالحها التي لا تعرف أية حدود.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.