أداء المنتخب الفرنسي لكرة القدم في مباراته، في بطولة العالم، أعطى للسياسيين الفرنسيين بعض الأفكار في الإعداد لمعركة الرئاسة المقررة في الربيع المقبل، وقبلها لقياس المزاج العام من المرشحين. عشية بدء"المونديال"في المانيا، كان رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان يحاول التخلص من أزمة"عقد العمل"ويحاول الخروج من فضيحة"كليرستريم". وراهن على حضوره الشخصي للمباراة الاولى التي لعبها فريق بلاده، لعل النتيجة المفرحة تعيد الى الفرنسيين بعض الثقة الضائعة. لكن الأداء المتواضع في كرة القدم غطى على حضور رئيس الحكومة المباراة. لتتراكم نتيجتان متواضعتان في رصيد دو فيلبان الذي لم يكن امامه من خيار الا اعلان ان لا طموحات رئاسية له. النقاد الرياضيون الفرنسيون لاحظوا ان الأداء المتواضع لمنتخب بلدهم، في مباريات الدور الاول، يعود الى تقدم لاعبيه بالعمر، وترهلهم وعدم قدرتهم على تقديم ما يٌقنع. وانسحب الأمر على المنافسة السياسية. وبدا ان كبار السن فقدوا حظوتهم لدى الجمهور. وتقدم عليهم من هم في العقد الخامس، خصوصاً المرشح اليميني نيكولا ساركوزي والمرشحة الاشتراكية سيغولان رويال. وفي موازاة الحملة على المدرب الفرنسي دومينيك، ارتفع رصيد ساركوزي ورويال في الاستطلاعات. ومع الأداء المدهش للمنتخب الفرنسي، في الدور الثاني، في مواجهة اسبانيا 3 - 1، عاد النقاد الرياضيون ليكتشفوا القيمة الاستثنائية التي راكمها"العجوز"زين الدين زيدان و"المخضرم"تييري هنري. وليصبح عامل السن ورقة رابحة في مواجهة رعونة اليفاعة. وبالتوازي مع انتعاش مثل هذا التقويم في الساحة الرياضية الفرنسية، تحدث، في برامج تلفزيونية،"عجوزا"السياسة الفرنسية، الرئيس جاك شيراك والاشتراكي ليونيل جوسبان. الرجلان تجاوزا العقد السابع. لكن الخبرة والنضج في العمر والهدوء من المواصفات التي تميزهما، كما ميزت الاداء الاستثنائي للمنتخب في المانيا. فكانت المناسبة السانحة لكل من شيراك وجوسبان لعدم استبعاد ترشيح نفسيهما الى الانتخابات الرئاسية المقبلة. وذلك في الفترة التي فصلت مباراة المنتخب مع اسبانياوالبرازيل. شيراك يقضي ولايته الثانية في الرئاسة، ويعاني من سياسة حكومية تراكم الازمات الداخلية منذ إعادة انتخابه في 2002، ليحطم رئيسا الحكومة خلال هذه الولاية، دو فيلبان وقبله جان - بيار رافاران، الارقام القياسية في انهيار الشعبية، لمصلحة النجم اليميني الصاعد ساركوزي. لكن اندفاعة الاخير، ونزقه احيانا، لم يمرا من دون إثارة امتعاض الرئيس وسعيه الى ايجاد شخصية اخرى بدلا منه. وكانت النتيجة كارثية مع دو فيلبان... وما دام المناخ العام هو للخبرة والرصانة والنضج، يمكن للرئيس ان يضع هذه الصفات في مواجهة الرعونة والنزق وقلة الخبرة، ويعيد خلط الاوراق عبر إبقاء احتمال ترشحه لولاية ثالثة قائما. جوسبان اعلن منذ هزيمته المدوية في الدورة الاولى لانتخابات الرئاسة السابقة انسحابه من الحياة السياسية. ما ترك المجال امام عدد كبير من قيادة الحزب الاشتراكي للطموح لدخول المنافسة. لكن رويال ظلت الوحيدة القادرة على كسب نقاط جدية في استطلاعات الرأي. ولتنحصر معركة الرئاسة، بحسب الاستطلاعات، بينها وبين ساركوزي. وكما في حسابات شيراك، جاءت نتائج المنتخب الفرنسي لكرة القدم ليعيد جوسبان النظر في عزلته، وليعلن انه لا يستبعد خوض المنافسة الرئاسية المقبلة. وجاءت مبارة فرنسا - البرازيل 1-0 لتعزز الاشادة بخبرة المتقدمين في العمر. وكما كان" الختيار"زيدان عصب الفوز في هذه المباراة ومنقذ فرنسا، يعتبر انصار جوسبان ان مرشحهم هو الذي سينقذ الاشتراكيين من هزيمة انتخابية امام اليمين النزق. طبعا، بطولة العالم لم تنته بعد. وامام فريق"الديوك العجائز"تحديان كبيران، في الدور الثالث وللحصول على اللقب. لكن شيوخ السياسة توصلوا الى الاستنتاج الذي يرغبون فيه... وقد تكون المنافسة الرئاسية المقبلة معركة بين الاجيال.