كان أول كتاب في قواعد اللغة العربية تعرفت اليه هو المبادئ من سلسلة كتب المعلم رشيد الشرتوني التي تلي فيها المبادئ أربعة أجزاء. في الواقع أن الشيخ أحمد الوصيف، خريج القضاء الشرعي في مصر كان مدرساً للغة العربية في دار المعلمين حيث كنت تلميذاً لكنني لم أُفد من الكتاب بعد الذي تعلمته على يد مصطفى السعد في مدرسة جنين الابتدائية. رشيد الشرتوني وضع هذا الكتاب في مطلع القرن العشرين. وكان مرتباً على أساس اسئلة وأجوبة. وفي الجزء الرابع، وهو الجزء الصعب والمليء بكل قواعد اللغة، كان يكتب الامور الهامة بحرف كبير ويدوّن الأشياء الأقل أهمية بحرف صغير. سنة 1930 على وجه التقريب، بعثت ادارة المعارف بكتاب جديد بقواعد اللغة العربية ارفقته برسالة الى مديري المدارس أن الاساتذة مخيّرون بأن يحافظوا على كتاب الشرتوني أو أن يتقبلوا الكتاب الجديد. وفي مخازن الإدارة عدد كبير من كتب الشرتوني أولى ان تباع. الكتاب الجديد كان من وضع حفني ناصف. وحفني ناصف كان استاذ اللغة العربية في مدرسة دار العلوم. دار العلوم احدى مدرستين أنشئتا أيام الخديوي اسماعيل. هذه لتخريج مدرسي اللغة العربية في مدارس الثانوية المصرية الرسمية. والمدرسة الثانية كانت مدرسة القضاء الشرعي لتخريج قضاة يعرفون من شؤون الأحكام أكثر ما يعرفه خريجو الازهر التقليديون. حفني ناصف نفسه كان يعتبر يومها من أهل اللغة معرفة واستعمالاً وإجادة. أنا قرأت الكتاب لأنني اردت أن أرى ما الفرق بين هذا الكتاب ومبادئ الشرتوني الذي كنا نستعمله في المدرسة في عكا في الجزء الثاني أو الجزء الثالث. وجدت الورق أجمل والطبعة أنظف والاخراج متقن جداً والامثال تخلّص فيها حفني ناصيف من مشكلة ضرب زيد عمراً التي كانت تزعج الصغار كيف يكتب عمرو بالواو فاذا أكل القتلة فقد الواو. سألت الاستاذ جبرائيل خوري الذي كان يدرس اللغة العربية في الاقسام الثانوية من المدرسة فيما اذا كان ينوي تبديل الكتاب. قال لي الكتاب أجمل وليس من شك في أنه اسهل على الطلاب استعمالاً من الشرتوني لكن أنا مرت عليّ سنوات وأنا استعمل الشرتوني ولم يبق لي في العمل التعليمي الا بضع سنوات وقد اعتدت على الشرتوني ولا أنوي تبديله. كانت ثمة حجة كبيرة في البلاد في فلسطين ضد استعمال كتب أجنبية لأن بعض معلمي اللغة العربية كتبوا كتب صرف ونحوٍ وأرادوها أن تستعمل في مدارسهم. على كل أنا لم أتابع القضية في ذلك الوقت. بعد مدة ذهبت الى انكلترا فلما رجعت وجدت أن عدد الكتب التي وضعت في الصرف والنحو في فلسطين بالذات قد بلغ أربعة منها. وكان لكل من الكتب مؤلف واحد أو في بعض الاحيان كان يشترك اثنان في التأليف، وكان كل يرفع الصوت منادياً بأن كتابه هو الافضل. تدريس القواعد كان يبدأ في الصف الخامس ابتدائي. قبل ذلك كان كتاب القراءة هو الكتاب المعتمد لاستخراج القواعد البسيطة منه. القضية كانت مهارة المعلم في استخراج هذه القواعد وترسيخها في نفوس التلاميذ. ها نحن الآن وقد دعسنا في القرن الواحد والعشرين ولا يزال الجدل قائماً عن كيفية تعليم قواعد اللغة العربية، فمن يستطيع أن يعلمها ومن يدرك أسرارها، والمجلات تفتح أبواباً لمقالات حول الموضوع بخاصة مجلة"حوار العرب"التي يكتب فيها الدكتور جوزيف الياس والدكتور مصطفى الجوزو. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تزال كتب تعليم قواعد اللغة العربية متأخرة فنياً؟ قبل مدة قرأت اعلاناً عن سلسلة من الكتب لقواعد اللغة العربية لطلاب الصفوف المتوسطة الى آخر الثانوي. حصلت على نسخة واحدة للصفوف المتوسطة فوجدت أن الكتاب يحتوي على 360 صفحة من أجل قواعد اللغة العربية. أين الوقت لبقية الموضوعات على اختلاف انواعها؟ هل هذه جريمة اللغة؟ لا. اللغة دائماً تتطور بتطور الحاجات اليها. تعليم قواعد اللغة يجب أن يقتصر على الأسس كي لا نضيع في التفاصيل. يا ليتني أستطيع أن أضع كتاباً لتعليم قواعد اللغة العربية على النهج الذي علمني إياه مصطفى السعد في مدرسة جنين الابتدائية. لم نستعمل كتاب قواعد ولم تكن عندنا جداول تحفظ وجداول تنسخ. كل شيء تعلمناه من جُمَل في كتاب القراءة أو من أبيات شعر كان يأتي بها مصطفى السعد نعالجها معاً. نحن متعلمون وهو المعلم. فأنا لم أقرأ كتاباً في قواعد اللغة العربية بعد مصطفى السعد الا سنة 1927 اذ تقدمت لامتحان تعليميّ والمترك وأردت أن أتأكد من معرفتي قواعد اللغة فعدت الى الجزء الرابع من كتاب الشرتوني. لا أزال احتفظ في مكتبتي بنسخة من هذا الكتاب الى حين الحاجة. لكن النسخة التي عندي الآن تختلف عن القديمة لأنها لم تعد سؤالاً وجواباً. اذ أن هذه الكتب اهتم بها من نقلها من السؤال والجواب الى التقرير العادي وفي شكل ألطف، ولكن الاساس ظل هو العمل الذي قام به رشيد الشرتوني في مطلع القرن العشرين. هل من سبيل لحل مشكلة تعليم قواعد اللغة العربية؟ اذكر أن الأديب الكبير والمؤرخ احمد أمين كان عميداً لكلية الآداب في جامعة القاهرة وكانت تربطني به صلة وثيقة من الصداقة والاحترام وكنت أزوره عندما أزور القاهرة. وفي احدى زياراتي تحدثنا ووصل الحديث الى اللغة العربية وقال لي عندنا طلاب يحصلون على الليسانس في اللغة العربية تخصص وينجحون في الامتحان ولكنهم، في اغلبهم، لا يستطيعون أن يكتبوا رسالة طويلة حول موضوع من المواضيع من دون أن يكون فيها اغلاط لغوية. هل من سبيل لحل هذه المشكلة لأنها تجهد الطلاب على لا فائدة. حفظ ابني رائد وابني باسم كتب القواعد التي تعلماها في المدرسة الاستعدادية في بيروت عن ظهر قلب. لكن ليس منهما من يستطيع أن يكتب رسالة صحيحة، صحيح أنهم لم يتخصصوا في الأدب، ولكن دراسة ابتدائية وثانوية تشغل الطالب سنوات طويلة كان يجب أن تنتهي بمقدرة على كتابة رسالة باللغة الصحيحة.