"رهاني على شعبي" إجابة للشرع يتفاعل معها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان    استطلاع عالمي جديد: قلق مالي وتزايد الدعوات لسيادة الذكاء الاصطناعي    وزارة الصحة توقع 126 اتفاقية محلية وعالمية    نائب أمير مكه يدشن فعاليات موسم التشجير الوطني 2025    ولي العهد يستقبل نائب الرئيس الصيني    العميد في مطب عاصمي جديد    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    نائب أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية    أمير منطقة الرياض يستقبل مدير عام قناة الإخبارية    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير الأحوال المدنية بالمنطقة    وزير الاقتصاد والتخطيط: المملكة تستهدف رفع مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 69% خلال المرحلة المقبلة    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على مخالف لنظام أمن الحدود لتهريبه 84 كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    رئيس جمهورية رواندا يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة    ترمب ينتقد رئيس البنك المركزي مجددًا في تأخيره خفض الفائدة    مدير تعليم الشرقية وأمين "موهبة" يطلعون على مشاريع "معرض إبداع الشرقية 2026"    المنكوتة والمعيني ينثران قصائدهم في سماء جدة    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية التركية بذكرى يوم الجمهورية لبلاده    عطارد يزين الليلة سماء السعودية    العويران: نصف الرياضيين يعزفون عن الزواج.. "يبحثون عن الحرية بعيدًا عن المسؤوليات"    استشهاد 91 فلسطينياً في قطاع غزة    روائع الأوركسترا السعودية تعود إلى الرياض في نوفمبر    بإشراف وزارة الطاقة ..السعودية للكهرباء و إي دي إف باور سلوشنز تفوزان بمشروع صامطة للطاقة الشمسية    ارتفاع الوفيات المرتبطة بالحرارة عالميا 23٪ منذ التسعينيات    أوكرانيا تستهدف موسكو بمسيرات لليلة الثالثة    رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة    ترامب: إنجاز اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية "قريب جدا"    تحاكي الواقع وتقيس الكفاءة والدقة.. مسابقات بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ.. إثارة وتشويق    غضب من مقارنته بكونسيساو.. خيسوس: رحلة الهند سبب الخسارة    أطلقها نائب وزير البيئة لدعم الابتكار.. 10 آلاف مصدر علمي بمنصة «نبراس»    مزايا الأمن السيبراني بالعالم الرقمي    أكد أن الاتفاق مع باكستان امتداد لترسيخ العلاقات الأخوية.. مجلس الوزراء: مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار يدفع نحو التنمية والازدهار    بدء التقديم على برنامج ابتعاث لتدريس اللغة الصينية    التعلم وأزمة المعايير الجاهزة    تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بما يخدم المصالح المشتركة.. إطلاق تعاون اقتصادي بين السعودية وباكستان    إدانة دولية لقتل المدنيين.. مجلس السيادة السوداني: سقوط الفاشر لا يعني النهاية    أشادت بدعم السعودية للبرنامج الإصلاحي.. فلسطين تطالب «حماس» بتوضيح موقفها من السلاح    الإعلام السياحي على مجهر «ملتقى المبدعين»    «من أول وجديد» 15 حلقة    الاتحاد يقصي النصر من كأس خادم الحرمين الشريفين    تبوك تستعد للأمطار بفرضيات لمخاطر السيول    المناطيد تكشف أسرار العلا    سعود بن بندر يطلع على أعمال "آفاق"    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضخماً من البنكرياس ويعيد بناء الوريد البابي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يُجري الفحوصات الطبية للملاكمين المشاركين بنزالات موسم الرياض    منتديات نوعية ترسم ملامح مستقبل الصحة العالمية    صحة المرأة بين الوعي والموروثات الثقافية    فترة الإنذار يالضمان الاجتماعي    فيصل المحمدي من بيت امتلأ بالصور إلى قلب يسكنه التصوير    ولادة توأم من بويضات متجمدة    العلماء يحذرون من الموز في العصائر    54 مليون قاصد للحرمين خلال شهر    السعودية تدين الانتهاكات الإنسانية الجسيمة لقوات الدعم السريع في الفاشر    مفتي عام المملكة يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    نائب أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء بالمنطقة    أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء في المنطقة    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير شرطة المنطقة    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من دفتر الذكريات . معلمو العربية في ابتدائية جنين
نشر في الحياة يوم 12 - 03 - 2003

بين سنتي 1917 و1926 سكنا جنين جنين مدينة المخيم المشهور. حتى شتاء 1918 - 1919 لم يكن ثمة مدرسة أذهب اليها في البلدة.
أتم الجيش البريطاني احتلال فلسطين في أيلول سبتمبر 1918، وقامت في البلاد إدارة عسكرية استمرت حتى تموز يوليو 1920. في شتاء 1918 - 1919 فتحت المدرسة الابتدائية في جنين من جديد، ودخلنا. كان الصف الذي دخلته الأعلى وهو الثالث الابتدائي. أما الأعمار فكانت متباينة في شكل غريب. فأنا، أصغر التلاميذ سناً، كنت في الحادية عشرة وكان أكبر الطلاب في السادسة عشرة. هذا التوزيع كان نتيجة فحص أجري لنا.
وزعت الدروس على المعلمين الذين عُينوا "كيف ما كان"... ووضع جدول الدروس، ودخل علينا معلم العربية، وهو شيخ أزهري، كان يقول انه قضى في الأزهر خمساً وثلاثين سنة.
كان يحمل بيده كتاباً أصفر الغلاف والورق. فتحه وأملى علينا ونحن نكتب. ولما انتهى الدرس وكنا قد ملأنا صفحات لا يستهان بها قال: "إحفظوا هذا عن ظهر قلب - كلمة كلمة!".
لم أجد أنا شخصياً صعوبة في الحفظ. فذاكرتي كانت قوية. ولكن لم أفهم مما حفظت شيئاً ولم يفهم سواي أيضاً.
في الدرس التالي طلب منا أن "نسمّع". يعني نقدم ما حفظناه غيباً. ونجوت من العقوبة لأنني لم أخطئ. ولما فرغ من استنطاقنا، فتح الكتاب نفسه وأملى علينا جزءاً آخر. وهكذا نحو شهرين. يملي علينا، "يُسمّع" لنا، يملي من جديد. أما معنى ما أملي علينا فلم نفهم منه شيئاً. ظننت بادئ بدء انني صغير فلم أفهم، لكن لم أكن الوحيد.
لطف الله بنا. فتحت ادارة المعارف مدرسة في قرية هذا الشيخ، وأرسلته ليعلم هناك. فجاءنا بدلاً منه معلم آخر، يلبس الزي الإفرنجي، وله شاربان غليظان، لكنه كان لطيفاً. دخل علينا فاستبشرت بالقادم. فإذا به يحمل كتاباً أصفر مثل الذي عرفناه من قبل. وإذا "بحليمة تعود الى قصتها القديمة". يملي علينا ويطلب منا الحفظ غيباً وتسميعه. وتتجدد القصة حتى بقية السنة المدرسية التي لم تكن أصلاً طويلة لأننا بدأنا في الشتاء لا في الخريف.
*
في مطلع السنة الثانية دخل علينا في درس اللغة العربية مصطفى السعد. كان يحمل بيده كتاباً صغيراً، لكنه لم يكن أصفر اللون. ثم استأذننا بكل لطف ان يقرأ لنا أبياتاً من الشعر. وقرأ:
"شبحاً أرى أم ذلك طيف خيالي
أم ذي فتاة في العراء حالي
أمست بمدرجة الخطوب وما لها
راع هناك ولا لها من والِ".
وقرأ أبياتاً أخرى نسيتها.
وكان يفسر لنا الكلمات ونحن لم نكن صاغين فحسب بل كنا مذهولين. عرفت في ما بعد أن القصيدة كانت لحافظ إبراهيم، واسمها "أم اليتيم".
عندها سألنا ما إذا كنا نحب أن نقرأ الشعر وسواه كما قرأه. وكان من الطبيعي أن يكون جوابنا "نعم"، وبشيء من الحماسة. فقال: إذاً يجب أن نتعلم بعض قواعد اللغة العربية.
لم يكن ثمة كتاب في القواعد ل"مبادئ العربية" للشرتوني لم يكن وصل مدارس الحكومة، بعد.
لما دخل الصف في الساعة التالية طلب منا أن نخرج كتاب القراءة. وأشار إلينا أن نفتح صفحة معينة. هذا الكتاب، واسمه "القراءة الرشيدة"، كان مصرياً. وكان يشتمل على موضوعات مختلفة. الصفحة كانت أول فصل، عن "الأرُزّ".
وقال لنقرأ الجملة الأولى: "الأرُزُّ حبٌّ صغيرٌ أبيضُ". وعلى مدى بضعة دروس، لم تكن كثيرة، تعلمنا معنى المبتدأ والخبر والنعت والممنوع من الصرف، من دون شروح "تدويخية". وهكذا سار معنا مصطفى السعد في تعليمنا القواعد. جمل من الكتاب، وأحياناً يأتي ببيت من الشعر أو بحكمة يكتبها على اللوح الأسود بخطه الواضح. لم نستعمل كتاباً للقواعد ولا نُقِّلنا ولا حفظنا شيئاً. تعلمنا مباشرة.
أذكر انه دخل الصف يوماً وطلب منا اخراج كتاب القراءة وفتحه في صفحة معينة. كانت الجملة طويلة ومعقدة وهي: "ذهب فلاح فقير الى جارٍ له مولعٍ بالصيد وشكا له أن كلابه قد دخلوا أرضه وأتلفوا زرعه وأن خسارته تقدر بمبلغ كذا وكذا". هذه الجملة يمكن أن يتصور القارئ ما يمكن أن تكون قد علمتنا من شؤون اللغة العربية.
تتمة القصة ان الرجل الغني الطيب! أعطى الفلاح الفقير المبلغ الذي أشار إليه. ولكن لما جاء وقت الحصاد وجد أنه لم يخسر، بل أن الموسم كان سنتها جيداً، فذهب الى الجار شاكراً ومعه المبلغ ليعيده إليه. فأعجب الرجل بشهامة الفلاح الفقير وطلب منه ان يحتفظ بالمبلغ ليبتاع به ما تحتاج اليه العائلة.
وهكذا ولمدة سنة وبعض السنة كان مصطفى السعد يعلمنا قواعد اللغة. وأقول بعد هذه السنوات انه هو الذي وضعني على طريق فهم المبادئ الأساسية للغة، وما تلا ذلك، سواء في المدرسة أو وحدي فهو تفاصيل.
رحم الله مصطفى السعد. فقد كان معلماً!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.