كشفت تحقيقات أردنية حديثة عن تورّط جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في إدارة شبكة مالية ضخمة وغير قانونية، استمرت على مدار سنوات، جمعت من خلالها ما يزيد عن 30 مليون دينار أردني، مستغلة في ذلك أحداث غزة الأخيرة؛ كغطاء لجمع التبرعات بطرق وصفتها السلطات بأنها "مخالفة للقانون". وأظهرت التحقيقات التي نشرتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا"، أن الجماعة أدارت هذا النشاط المعقد عبر أذرع داخلية وخارجية، مستخدمة جمعيات وهمية، واستثمارات سرية، واشتراكات أفراد، ما خلق نظاماً مالياً موازياً، محاطًا بالسرية ومفتقراً للشفافية، في مخالفة صارخة لقرارات قضائية؛ كانت قد قضت بحل الجماعة وتجريم نشاطها منذ عام 2020. وأفادت مصادر مطلعة بأن الأموال التي جُمعت كانت تُحول إلى الخارج بطرق ملتوية؛ منها استخدام محالّ صرافة محلية، أو نقلها نقدًا عبر الطائرات والمستودعات، كما لجأت الجماعة إلى تحويل التبرعات من الدينار إلى الدولار لتجاوز الأنظمة المصرفية، ما أدى إلى فتح ملفات جنائية بحق عدد من محالّ الصرافة داخل العاصمة عمان. وأشار التحقيق إلى ضبط نحو 4 ملايين دينار في أحد المنازل ومستودع شمال عمان، خلال حملة أمنية تزامنت مع إعلان السلطات عن مخطط أمني خطير في أبريل الماضي، فيما جرى توقيف 11 شخصًا حتى الآن على خلفية القضية، واستُدعي آخرون مع الإفراج عنهم بكفالات مالية مشروطة. وفق ما نقلته "بترا"، فإن جزءًا من هذه الأموال استُثمر في شراء عقارات وشقق خارج الأردن، كما تم تسجيلها باسم أفراد منتمين للجماعة عبر تملّك مباشر أو عبر أسهم في شركات، في حين استخدم قسم منها في تمويل أنشطة سياسية داخلية خلال عام 2024، ودعم خلايا مرتبطة بالجماعة أحيلت للقضاء لاحقًا. أحد أكثر المحاور حساسية في التحقيق يرتبط باستغلال الجماعة المحظورة للتعاطف الشعبي مع غزة، حيث شرعت في جمع التبرعات عبر قنوات غير رسمية، دون الإعلان عن آليات جمع الأموال أو التنسيق مع منظمات دولية معتمدة. وكشفت التحقيقات عن وجود 44 شعبة سرية تابعة للجماعة، مارست عمليات جمع التبرعات تحت غطاء جمعيات أو مقرات حزبية، إلى جانب نشاط علني محدود عبر إرسال مساعدات عينية إلى الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، بلغ مجموعها 413 ألف دينار فقط، أي ما لا يتجاوز 1% من إجمالي ما تم جمعه فعليًا. ولإضفاء غطاء اجتماعي على النشاط المالي، استخدمت الجماعة أحد أكثر الأحياء الشعبية اكتظاظًا في عمان؛ كمركز رئيسي لجمع التبرعات، ما ساعدها في إخفاء حجم الأموال المتدفقة إليه، وتحقيق حماية اجتماعية مكّنتها من التحرك دون إثارة الشبهات لفترة طويلة. التحقيقات بينت أن الجماعة وزعت أدوار جمع وتحويل الأموال بين قيادات داخلية وشخصيات على صلة بتنظيمات خارجية، ما أوجد دورة مالية غير قانونية يصعب تتبعها، شملت تسليم الأموال نقدًا، وتخزينها في منازل ومستودعات، وتهريبها بوسائل متنوعة إلى دول أخرى في الإقليم وخارجه. وأكدت الجهات الأمنية الأردنية استمرار التحقيقات في هذه القضية المعقدة، وسط ترجيحات بكشف المزيد من الخلايا المرتبطة بها في الداخل والخارج، مشيرة إلى أن القضية تمثل تهديدًا للأمن الوطني، خاصة مع توظيف الأموال في أنشطة سياسية وتنظيمية محظورة. وتعهدت الحكومة بمواصلة الإجراءات القانونية بحق جميع المتورطين، واتخاذ تدابير لمنع تكرار مثل هذه الأنشطة تحت أي غطاء كان؛ سواءً إنسانيًا أو سياسيًا أو دينيًا.