أعلنت وزارة الدفاع السورية، أمس (الثلاثاء)، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة السويداء جنوب البلاد، بعد يومين من الاشتباكات الدامية بين القوات الحكومية ومجموعات مسلحة محلية. وبدأ الجيش السوري بالفعل سحب آلياته الثقيلة وتقليص وجوده العسكري داخل المدينة، على أن تتولى قوات الشرطة العسكرية وقوى الأمن الداخلي مهام ضبط الأمن وحماية المدنيين. وأعلن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة وقفًا تامًا لإطلاق النار، بعد التوصل إلى اتفاق مع وجهاء وأعيان السويداء. وقال في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا):" ستبدأ الشرطة العسكرية انتشارها داخل أحياء المدينة لضبط السلوك العسكري وتأمين الأهالي والممتلكات". وأكد أبو قصرة وجود تعليمات صارمة بعدم المساس بالمدنيين أو ممتلكاتهم، لافتًا إلى أن قوى الأمن الداخلي ستتولى إدارة أحياء المدينة بعد تمشيطها، في محاولة لإعادة الاستقرار. من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع العقيد حسن عبد الغني، أن الجيش سيبقى خارج مدينة السويداء بعد إنهاء عمليات التمشيط، مشيرًا إلى أن نشر الشرطة العسكرية يهدف إلى "ضبط السلوك العسكري ومحاسبة المتجاوزين". وأشار عبد الغني إلى أن مؤسسات الدولة بدأت العودة للعمل في السويداء، مؤكدًا دعم قوى الأمن الداخلي متى دعت الحاجة. كما شدد على استمرار الجيش في ملاحقة من وصفهم ب"المجموعات الخارجة عن القانون" في محيط المدينة، داعيًا الأهالي إلى الإبلاغ عن تحركات تلك المجموعات التي تحاول الانسحاب إلى مركز المدينة هربًا من المواجهة. وكشفت وزارة الدفاع السورية أن 18 جنديًا قُتلوا خلال الاشتباكات الأخيرة، فيما أشارت وزارة الداخلية إلى اختطاف عدد من عناصرها في أثناء عمليات الانتشار. وكانت مدينة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، قد شهدت واحدة من أعنف المواجهات منذ سنوات بين مجموعات مسلحة محلية وعشائر بدوية، خصوصًا في حي المقوّس ومحيط قرية كناكر. وتحدثت وزارة الداخلية عن "تصعيد خطير" ناتج عن فراغ مؤسساتي وفوضى أمنية متفاقمة، مؤكدة أن الاشتباكات أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وتهديد مباشر للسلم الأهلي في المنطقة. وفي هذا السياق، دعت وزارة الداخلية السكان إلى الالتزام بالتعليمات الأمنية، محذرة من أي اعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة. وأعلنت عن فرض حظر تجول في شوارع السويداء "حتى إشعار آخر"، تزامنًا مع انتشار مشترك لقوات وزارتي الداخلية والدفاع في المدينة. ومن اللافت في التطورات الأخيرة، تبدّل موقف بعض الزعامات الدينية الدرزية التي كانت ترفض دخول القوات الحكومية، حيث رحبت الرئاسة الروحية للطائفة بدخول قوات وزارتي الدفاع والداخلية، داعية الفصائل المسلحة إلى التعاون وتسليم السلاح، وفتح حوار مع الحكومة السورية لتفعيل المؤسسات الرسمية في المحافظة، إلا أن المرجع الديني الأبرز، الشيخ حكمت الهجري، تراجع عن بيان سابق رحّب فيه بدخول الجيش، ما يعكس تبايناً داخل المجتمع الدرزي حول سبل التعامل مع الدولة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وتولي الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم. وفي تطور موازٍ، أعلنت إسرائيل أنها استهدفت "دبابات عدة" في المنطقة، وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من "أي استهداف للمكون الدرزي"، في تصريح أثار ردود فعل داخلية سورية؛ اعتبرته تدخلاً سافرًا في الشأن الداخلي. وتزامنًا مع الأحداث، كثّفت قوات الأمن السوري انتشارها على الحدود بين محافظتي درعا والسويداء، تحسبًا لأي امتداد للتوترات، خصوصًا مع تحركات مسلحة من بعض العشائر السنية المنتشرة في ريف المحافظة. تأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه الحكومة السورية الجديدة إلى فرض سلطة الدولة تدريجياً في المحافظات التي ظلت خارج سيطرة النظام السابق، وسط مطالب دولية بضمان مشاركة الأقليات، خصوصًا الطائفة الدرزية، في صياغة مستقبل البلاد، ومنع تكرار الانزلاق في النزاعات الطائفية. وبينما أعلنت وزارة الدفاع مواصلة ملاحقة "الخارجين عن القانون"، يبدو أن الاتفاق الهش في السويداء يمثّل اختباراً مبكراً لقدرة الحكومة على احتواء النزاعات المحلية دون العودة إلى الحلول الأمنية الخشنة التي اتُّبعت في العقود الماضية.