الفاخري يثمّن اعتماد قرار حماية حقوق الأطفال في الفضاء السيبراني    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا    القوات الحكومية السورية ستباشر الدخول إلى مركز مدينة السويداء    استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.3% في يونيو 2025    أسعار النفط تتراجع إلى 68.96 دولارًا للبرميل    تصرف غريب من جيسوس بعد تولي تدريب النصر    عودة جديدة .. الفتح يبدأ تدريباته بقيادة قوميز استعدادًا لموسم أقوى بدوري روشن    أمين الطائف يفتتح مشروع استثماري بيئي بالهدا    ارتفاع المؤشر الياباني    جمعية المودة تطلق دليل قياس كفاءة ممارس الإرشاد الأسري    الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز يوقع اتفاقية مع أمانة الطائف لدعم الخدمات المقدمة للأطفال ذوي الإعاقة    توالي ارتفاع درجات الحرارة العظمى على اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    معرض "فنون تحكي قصص" يجسّد التراث السعودي في المدينة المنورة    جامعة جازان تفتح باب القبول في برامج الدراسات العليا.. التقديم يبدأ 27 يوليو    "اعتدال و تليجرام" يزيلان 30 مليون مادة متطرفة    عراقجي: لن نقايض قدراتنا العسكرية.. طهران تستعد ل«رد مناسب» على آلية الزناد    تصاعد الخلافات حول خطة إسرائيل المستقبلية في غزة.. ساعات «حاسمة» ونتنياهو يلوح باستئناف الحرب    4.2 مليار ريال استثمارات صناعية جديدة    (6,551 ميجاواط) سعة المشاريع.. 19.8 مليار ريال استثمارات "المتجددة"    الهلال.. ريادة تتجاوز الميدان إلى ضمير الإنسانية    الفيفا يختار بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية لمونديال الأندية    في ختام الأسبوع الأول من منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق VK Gaming يتوج بلقب لعبة Apex Legends    "سدايا" تعزز الحراك التنموي بتقنيات الذكاء الاصطناعي    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    القيادة تعزّي رئيس نيجيريا في وفاة محمد بخاري    اليابان وأوروبا تطوران شبكة أقمار صناعية    موجة حر قاتلة بإسبانيا    ضبط 393.4 كجم من المخدرات بعدة مناطق    بدء التسجيل لاختبار القدرة المعرفية الورقي    أمانة جدة تباشر 167 حالة إنقاذ على الشواطئ    عرض صخرة مريخية للبيع    الإناث يتفوقن كما ونوعا بمعرض تشكيلي    أشرف عبد الباقي يصور«السادة الأفاضل»    مريضة سرطان تفتتح مقهى لتوظيف أصحاب الهمم    يا فرصة ضائعة    استقبل وفداً من هيئة الأمر بالمعروف.. المفتي يثني على جهود«نعمر المساجد»    سماعات الرأس تهدد سمع الشباب    نصائح طبية لتقليل التعرق    فوائد الخبز الصحية يوميا    الربو وفسيولوجيا التنفس عند الحوامل    مرآة المشاعر    مدير الأمن العام يزور المديرية العامة للأمن الوطني في الجزائر ويبحث سبل تعزيز التعاون الأمني الثنائي    السوبر.. هذه النتيجة!    القيادة تهنئ الرئيس الفرنسي بذكرى اليوم الوطني    محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    «المتاحف» بالتعاون مع «التراث» تدعو الباحثين للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر    ثلاثي الهلال ضمن التشكيلة المثالية لمونديال الأندية    187 ألف مستفيد من الخدمات الشاملة بالمسجد النبوي    المزاد الدولي نخبة الصقور ينطلق 5 أغسطس في الرياض    رواد التأثير والسيرة الحسنة    لتعريف الزوار ب«الأثرية».. جولات إثرائية لإبراز المواقع التاريخية بمكة    تدشين الخطة الإستراتيجية "المطورة" لرابطة العالم الإسلامي    ترجمة مسرحية سعودية للغتين    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العملة العربية الموحدة وآفاقها ... بين الحلم والواقع
نشر في الحياة يوم 04 - 12 - 2010

للعملة - وجمعها عملات - معنيان من وجهة نظر اقتصادية هما:
المعنى الخاص: ونقصد به وحدة النقد المتداولة في بلد معين مثل الدولار واليورو والدينار والدرهم. والمعنى العام: وهو ما يتعلق بإحكام النقود، فإذا قلنا عملة نعني بها النقد. وأي معنى اتخذناه مرشداً للتفسير يصب في صلب الموضوع الذي نحن في صدده.
وتعد النقود من وجهة نظر اقتصادية ومحاسبية معياراً ومقياساً لقيمة السلع والخدمات يعبر عنها بوحدات نقدية Coins. أما إذا نظرنا إلى النوع فهي عملة Currency. ومن خلال ذلك لعبت العملة دوراً رائداً في التبادل وتسوية الصفقات ولا تزال لها أهميتها حاضراً ومستقبلاً. وقد سعت الدول العربية إلى أن تكون عملتها ذات شأن، ولكن الجانب الاقتصادي والعامل السياسي يحدان من هذا الحلم.
والعملة العربية محل الحلم تتميز عن العملات الأخرى بأن لها تاريخاً مجيداً مهد لها سهولة التوحيد، إذ اهتم علماء المسلمين بوظيفة النقود. يقول الغزالي فمثلاً حجة الإسلام محمد الطوسي المشهور بالغزالي في كتابه"إحياء الدين"- الجزء الرابع - ص 91:
"أن الله تعالى خلق الدراهم والدنانير حاكمين بين سائر الأموال حتى تقدر بهما الأموال".
وأرّخ القرآن الكريم للنقود باعتبارها أداة للتبادل. وشخص ماهيتها بقوله تعالى:"وشروه بثمن بخس دراهم معدودة"سورة يوسف: الآية 90. ويستفاد من هذه أن الدراهم وحدة نقدية لها صفة التبادل. وأشار إلى كيفية التعامل بها على أساس العدد. كما أشار القرآن الكريم إلى لفظة الدينار في دلالة بأنه اكبر من الدرهم حيث قوله تعالى:
"ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً"سورة آل عمران: الآية 75.
وفي التفاتة كريمة يتدرج بنا القرآن الكريم إلى ما يهم الناس في تبادل الصفقات بينهم. فيذكر لنا، على أساس التصريح وليس التلميح، أن هذه العملات النقدية، يعني الدرهم والدينار، لا بد من أن يكون لهما منشأ للسك. أو بمعنى آخر المكون الأصلي لهما. فأشار إلى الذهب والفضة، ويترتب على ذلك أن يكون الدينار مرجعه إلى الذهب والدرهم مرجعه إلى الفضة. وقد فصلت كتب الفقه القيمة المختلفة للدينار والدرهم في باب العبادات المالية - التي لسنا في صددها -، ولكن القصد من ذلك أن يكون الذهب والفضة غطاءين نقديين يبعثان على الثقة وطمأنة المتعاملين، وهو ما يتماشى مع النظريات الحديثة لمعنى الاحتياط النقدي.
ويعزز ما ذهبنا إليه قول أبي حيان التوحيدي في كتابه"البحر المحيط"ج5 ص412:
"ان من حصل على الذهب والفضة يمكنه الحصول على سائر الأموال وبالتالي يمكنه الحصول على كل حاجاته". ولعل هذا القول يذكرني بقول في اللغة الإنكليزية: If you have money you have every thing"أي ان المال يشتري كل شيء.
كما أن القرآن الكريم وتشديداً على أهمية الذهب والفضة من حيث الوظيفة النقدية التبادلية أشار في الآيتين الكريمتين الآتيتين إلى هذا المعنى:"ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من احدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به"آل عمران: الآية 91."زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة"آل عمران: الآية 14.
ومن خلال الدلالات المشار إليها، يظهر جلياً أن العملة العربية كان لها واقع من التوحيد. وقد قطعت شوطاً في هذا المجال. ويروي لنا التاريخ أن هذا التوحيد بصورته الفاعلة تم في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان حيث أسس داراً لضرب العملة الموحدة سنة 76 للهجرة خالية من الرموز الأجنبية التي كانت سائدة وسماها دراهم، وهي من الفضة وجعل على أحد وجهيها سورة الإخلاص"سورة التوحيد"وكانت تزن 6 دوانق، والدانق سدس الدرهم وهي لفظة فارسية كما ورد في"القاموس المحيط"للفيروزبادي - باب القاف - فصل الدال. كما أمر هذا الخليفة ومن باب التقيد بهذه العملة والرقابة عليها بمعاقبة من يخالف ذلك خارج دار الضرب المعتمدة.
واستمرت العملة الموحدة بالمواصفات التي أشرنا إليها طوال العهد الأموي، وبداية العهد العباسي. إلا أن العهد الأخير أبدل سورة الإخلاص بسور أخرى:"قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة بالقربى"سورة الشورى: الآية 42. واستمرت العملة الموحدة في العهد العثماني ولكن أبدلت بعملة ورقية وكانت تسمى"القائمة"وتداولت لمدة 23 عاماً وتعرضت لهزات في الثقة ثم عاد العمل بها.
يؤسس ما سبق إلى عودة حميدة لواقع الجهود التي بذلت لوحدة النقد العربية وأن نستلهم منها الهمم في تعزيز التكامل الاقتصادي للدول العربية التي باتت تترنح في مسيرتها الاقتصادية على رغم المقومات السليمة لاقتصاد متكامل. ولعل ما يشير إلى التفاؤل الحذر، مبادرات دول الخليج العربي في السعي الى توحيد عملتها وأن يكون لها كيان سياسي واقتصادي، على غرار الاتحاد الأوروبي الذي أدرك هيمنة الدولار فأبدل تلك الهيمنة باليورو الذي تخطى العقبات وتأهل ليحقق مكانة مرموقة للعملة الأوروبية الموحدة.
ولعل قمة المنامة التي عقدت في نهاية كانون الأول ديسمبر 2000 رأت أهمية اختصار المراحل الزمنية، خصوصاً بإقامة سوق خليجية مشتركة، ما يعني تعزيز النظرة الى عملة موحدة تشكل أهم أركان السوق المقترحة، حيث أقر المسؤولون في هذه الدول نتيجة للاجتماعات اللاحقة بأن إصدار العملة الموحدة سيكون في سنة 2010. ولكن هذا الحلم الذي جسده واقع ملموس كما أسلفنا، تحدده متطلبات العصر التي تفرض أطرها في ظل تقنية المعلومات والتي يمكن تلخيصها كالآتي:
1- تقريب السياسات المالية والنقدية في هذه الدول.
2- توحيد سعر الفائدة والخصم في إطار سياسة مصرفية موحدة.
3- إنشاء بنك مركزي خليجي موحد يعنى بالرقابة والسيطرة على العملة الموحدة.
إضافة إلى ما ذكرنا أعلاه، فإن أهمية الغطاء الذي يمكن تبنيه للعملة الموعودة هو أمر لا يمكن تجاهله.
فهل يبقى الارتباط بالدولار كما هو عليه الآن في دول الخليج مصدراً لهذا الغطاء؟ أم يمكن التفكير بتحرير العملة الموحدة من هذا الغطاء وإيجاد غطاء مناسب بحسب مستجدات الأوضاع مثل العودة الى الذهب أو اعتبار النفط العربي غطاء جديداً للعملة المرتقبة باعتباره يشكل معدناً لا يقل أهمية عن الذهب، تؤهله لهذا المنصب الاحتياطات الضخمة التي تملكها الدول العربية؟
ان التوقعات الاقتصادية المنظورة لهذا الحلم تولد فوائد جمة من العملة الموحدة كما يقول أحد الباحثين الدكتور جواد العناني - جريدة الحياة 8/5/2006 ومنها ما يأتي:
1 - تقليل الحاجة الى الاحتفاظ بمبالغ كبيرة من احتياطات العملات الأجنبية.
2 - تحقيق أرباح وفيرة ناجمة عن الفرق بين قيمة العملة الجديدة وكلفة طباعتها، خصوصا إذا تمكنت الدول المعنية من إقناع كثيرين بالاحتفاظ بتلك العملة لأغراض التداول والادخار خارج منطقة الخليج.
3 - ستصبح دول الخليج كتلة اقتصادية ذات وزن في العالم.
كما أن لموضوع تسمية العملة الموحدة شأناً آخر، ولعل المقترح الذي نرتأيه أن يكون الدينار، وأجزاؤه الدراهم، محل اعتبار لأنه يحقق الحلم الذي كان له واقع وفق أسس مدروسة.
* أكاديمي ومدير مصرفي سابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.