نار «الأصلية» أم هجير «التشاليح» ؟    492 ألف برميل نفط يومياً وفورات يومية    مقامة مؤجلة    هوس «الترند واللايك» !    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    أمير حائل يرفع التهنئة للقيادة نظير المستهدفات التي حققتها رؤية المملكة 2030    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة    أمير جازان ونائبه يهنئان القيادة بما تحقق من إنجازات ومستهدفات رؤية المملكة 2030    60 مزارعا يتنافسون في مهرجان المانجو    هيئة السوق المالية تصدر النشرة الإحصائية للربع الرابع 2023م.    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    "أوبرا زرقاء اليمامة" تبدأ عروضها بحضور عالمي    الهمس الشاعري وتلمس المكنونات    الأخضر تحت 23 عاماً يواجه أوزبكستان في ربع نهائي كأس آسيا    أمين الرياض يحضر حفل السفارة الأميركية    تحول تاريخي    المملكة تبدأ تطبيق نظام الإدخال المؤقت للبضائع    العين يكشف النصر والهلال!    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    فلسطين دولة مستقلة    محمية الإمام تركي تعلن تفريخ 3 من صغار النعام ذو الرقبة الحمراء في شمال المملكة    الفيحاء يتجاوز الطائي بهدف في دوري روشن    تفكيك السياسة الغربية    القيم خط أحمر    لو ما فيه إسرائيل    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    مقال «مقري عليه» !    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الرياض    الكشف عن مدة غياب سالم الدوسري    أرامكو السعودية و«الفيفا» يعلنان شراكة عالمية    ريال مدريد في مواجهة صعبة أمام سوسيداد    مانشستر سيتي يضرب برايتون برباعية نظيفة    النواب اللبناني يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية    الهجوم على رفح يلوح في الأفق    سلمان بن سلطان يرأس لجنة الحج والزيارة بالمدينة    رئيس الشورى يرأس وفد المملكة في مؤتمر البرلمان العربي    حزمة الإنفاق لأوكرانيا تشكل أهمية لمصالح الأمن الأمريكي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    "ذكاء اصطناعي" يرفع دقة الفيديو 8 أضعاف    مستشفى ظهران الجنوب يُنفّذ فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    «رؤية 2030»: انخفاض بطالة السعوديين إلى 7.7%.. و457 مليار ريال إيرادات حكومية غير نفطية في 2023    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    تسليم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي    أدوات الفكر في القرآن    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    النفع الصوري    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسف الغربي الجيد على انهيار الإمبراطورية العثمانية
نشر في الحياة يوم 08 - 09 - 2005

ردد بعض الكتابات الغربية أخيراً أفكاراً تتصل بالنتائج الحالية للمواجهة الظاهرية بين العالمين العربي والإسلامي في جانب والعالم الغربي المسيحي اليهودي في جانب آخر. وركز أصحاب هذه الكتابات - في سياق مراجعتهم لنظرية صراع الحضارات لصمويل هنتيغتون - على الغطاء التاريخي الذي كانت تمثله الإمبراطورية العثمانية للعالمين الإسلامي والعربي، بل لمنطقة البلقان أيضاً. وهم يرون أن انهيار دولة الخلافة في مطلع العشرينات من القرن الماضي كان يمثل ضربة شديدة للمصالح الأوروبية والغربية عموماً على المدى الطويل، على رغم أن كل الظواهر كانت توحي بإمكان تقسيم تركة"الرجل المريض"بين القوى الأوروبية التي أسهمت في القضاء عليه وإنهاء وجود الدولة العثمانية التي توزعت تركتها بين البريطانيين والفرنسيين حتى جاء البديل الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية. ونحن نرى أن هذا التحليل لا يخلو من وجاهة بالمنطق الغربي فقط، ذلك أنه يعبر عن تيار جديد بين بعض المؤرخين المعاصرين الذين كانوا يرون في الدولة العثمانية مظلة تحمي المسلمين كما تحمي الآخرين منهم، ولكي نوضح هذا الطرح الجديد فإننا نناقش النقاط الآتية:
- أولاً: إن النظرية الجديدة التي يروِّج لها الكُتَّاب الغربيون تقوم على أساس أن التطرف الديني لم يكن له وجود في ظل الخلافة الإسلامية التي جعلت منه عالماً منفصلاً، حيث الاحتكاك بالغرب ثقافي وليس سياسياً في المقام الأول. وهم يضيفون إلى ذلك أن دولة الخلافة باعتبارها آسيوية أوروبية كانت بمثابة حاجز جغرافي يفصل بين الحضارتين الغربية المسيحية في جانب والعربية الإسلامية في جانب آخر.
- ثانياً: إن سقوط الخلافة العثمانية فتح باب الاتصال المباشر بين قوميات وشعوب المنطقة العربية الإسلامية وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية بعد ذلك، والذين درسوا الصراعات الأوروبية والتحالفات التي دخلت فيها دولة الخلافة الإسلامية يدركون أنها كانت كياناً شاملاً لا تظهر من تحت عباءته القوميات أو المذاهب أو التيارات. ولذلك كان التواصل بين المسلمين والعرب في جانب والغرب في جانب آخر ثقافياً بحتاً يقوم على حركة الاستشراق تارة أو على القصص الخيالية التي يفرزها العقل الغربي حول الحضارة الإسلامية ومن أمثلتها كتاب"ألف ليلة وليلة".
- ثالثاً: إن الإمبراطورية العثمانية السنية المذهب والتي جاورت الإمبراطورية الفارسية الشيعية المذهب كفلت بحكم قانون الملل رعاية للأقليات، خصوصاً المسيحية واليهودية، التي لم يكن الغرب يدرك الكثير عن أحوالها لأنه كان مشغولاً بالتحالفات والخصومات مع الدولة العثمانية إذ لعبت فيها روسيا القيصرية دوراً كبيراً في مجال بحثها عن المياه الدافئة.
- رابعاً: إن الحركات الاستقلالية عن الخلافة العثمانية لقيت تشجيعًا مرحلياً من بعض القوى الغربية ولكنها ما لبثت أن اكتشفت أنه ليس في صالحها السماح لقوة جديدة بالوجود، خصوصاً في جنوب البحر المتوسط، فكان اتفاق لندن 1840 بمثابة التحجيم الأوروبي العثماني لدولة محمد علي في مصر. ولم يفطن الغرب وقتها إلى أهمية قيام الدولة القومية الحديثة في بعض الأقطار العربية أو الإسلامية.
- خامساً: كانت دولة الخلافة في تركيا قنطرة تواصل بين الشرق العربي الإسلامي وبين الغرب الأوروبي المسيحي. ولم تسمح لنفسها في أي مرحلة بأن تتجاوز من الناحية الدينية الدور المعتدل الذي رحبت به الكنيسة الغربية ولم تجد مبررًا للقلق منه، بينما ظل مقر بطريرك الروم الأرثوذكس في اسطنبول المسلمة حتى الآن.
- سادساً: كان قيام الإمبراطورية العثمانية بعد قرنين من المواجهة المتصلة فيما سمي بالحروب الصليبية عندما أساء بعض السلاجقة الأتراك - وكانوا حديثي عهد بالإسلام - معاملة حجاج بيت المقدس فقدمت الآستانة ضمانات لحرية العبادة وحماية الأماكن المقدسة، وهو ما لم تعرفه المنطقة من قبل حيث تمتعت مقدسات المسيحيين واليهود بالحماية المطلوبة والرعاية اللازمة.
- سابعاً: استخدم العثمانيون أقسى وسائل القمع لإخماد الثورات وإسكات الانتفاضات القومية ولجأوا في ذلك إلى وسائل بالغة القسوة، مثلما حدث في بعض مناطق الشام والبلقان فضلاً عن مذبحة الأرمن الشهيرة عام 1915 قبل أن تلفظ دولة الخلافة آخر أنفاسها، وهو ما يعني أن خلفاء آل عثمان تكفلوا بفرض الاعتدال واللجوء إلى الوسائل كافة للحيلولة من دون تطرف قومي أو ديني في الدولة حيث ساد المذهب السني وفقاً لفقه الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.
- ثامناً: إننا لا نستطيع أن نعفي قيادة العالمين العربي والإسلامي المتمثلة في الخلافة العثمانية من بعض خصائصها الأوروبية فالخليفة القابع فوق المضايق عند البوسفور والدردنيل كان يدرك أهمية التواصل مع القارة الأوروبية ولا يقطع أواصر العلاقة مع العواصم الكبرى في عصره ويتعامل كقوة إقليمية آسيوية وأوروبية يعمل لها الآخرون ألف حساب، ويتعاملون معها باعتبارها القوة الوريثة لعصور ازدهار الحضارة العربية الإسلامية.
- تاسعاً: كان نموذج الإسلام في"تركيا الخلافة"قريباً من نموذج الإسلام في"تركيا العلمانية"لا يخلو من اعتدال ولا يعرف الغلو والتشدد، على رغم وجود بعض النماذج المتطرفة في بعض مناطق الإمبراطورية وفي إطار مظلة دولة الخلافة. لذلك لم يقلل الغربيون من تنامي قوة الدولة العثمانية في مراحل ازدهارها وتعاملوا معها من منظور استراتيجي وليس من منطلق ديني.
- عاشراً: إن نجاح ثورة أتاتورك عزز بشكل تلقائي من زوال تأثير الإسلام على الدولة التركية كما رفع أيضاً الغطاء عن أطراف الإمبراطورية المشتعلة قومياً ودينياً، بحيث أدرك الأوروبيون أن التعامل المباشر مع تركة الخلافة العثمانية سيكون مدعاة لفتح شهية القوى الاستعمارية والتنافس الشديد بينها على احتواء النظم والسياسات في المشرق العربي ومصر وشمال أفريقيا.
إننا نريد أن نقول من هذه الملاحظات وبكل وضوح إن الأسف الذي تبديه بعض الكتابات الجديدة والدموع التي تذرفها على الخلافة العثمانية ليست إلا واحداً من مظاهر القلق الفكري الذي يجتاح الدولة المسيحية تجاه الإسلام خصوصًا منذ الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 والتداعيات الناجمة عنه والصورة المغلوطة التي يرسمها الغرب حالياً للمسلمين والإسلام، فالإرهاب بموجاته المتدافعة دفع كثيراً من المفكرين الغربيين إلى الاعتقاد بأن الخلافة الإسلامية كانت عاصماً لهم من مشكلات الدول الإسلامية التي أصبحت تأتيهم مباشرة من دون حاجز يحمي أو مانع يحول من دون عدوى التطرف الذي اصبح يضرب في أركان الدنيا الأربعة. وإذا كان ساسة الغرب وقادته ومفكروه يعكفون الآن على دراسة مستقبل المواجهة مع الإرهاب الدولي والبحث في أساليب الحرب عليهم، فإنهم يراجعون تاريخ العلاقات مع الدول العربية والإسلامية ويجدون أن الخلافة العثمانية كانت نعمة لهم وليست نقمة عليهم بمنطق الحكمة القائلة"رب يوم بكيت منه فلما مضى بكيت عليه"وهم يتجهون الآن نحو المستقبل عبر ثلاثة محاور هي:
أ- السعي نحو إيقاف التيارات المتشددة في المجتمعات الإسلامية وتفادي التحريض الذي قد تمارسه ضد الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً. وفي سبيل ذلك فإنهم يحاولون التعامل مع تيارات إسلامية معتدلة وإن كانوا يتقدمون في ذلك السياق خطوة ثم يرجعون خطوتين.
ب- إن الولايات المتحدة الأميركية تتحدث عن النموذج التركي للدولة الإسلامية وتحاول الترويج له وتعبيد الطريق أمامه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رغم المخاوف والمحاذير. ولكن تظل تركيا هي النموذج المفضل لدى الغرب خصوصاً عند مقارنتها بنظام متشدد في معظمه مثل النظام الإيراني.
ج- إن أصواتاً عاقلة لا تزال ترتفع في الدول الغربية للتمييز بين الإسلام كدين وبين انحراف بعض المسلمين واتجاههم نحو العنف العشوائي وترويع الآمنين والاعتداء على المدنيين، رغم موجة العنف المضاد ضد الجاليات الإسلامية في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
إن خلاصة ما نريد الذهاب إليه هو أن نشير إلى تجدد الحديث عن مزايا الإمبراطورية العثمانية، وهو ما يوضح مدى رغبة الغرب في إقصاء العالم الإسلامي ونفي العروبة، حتى ولو كان ثمن ذلك هو استمرار الاحتلال التركي للفضاء العربي كله، كما أن الحديث الآن بالذات عن الخلافة العثمانية يوضح الشعور القوي لدى الغرب تجاه تصاعد الهجمات الاستشهادية ورغبته في الوصول إلي جسر للتفاهم مع مَنْ يقفون وراء تلك الجرائم ويمثلون دافعاً لها، وهنا تكون دموع الأسف على سقوط دولة الخلافة الإسلامية مجرد تفكير مسطح حول موقف معقد شديد الحساسية عميق التأثير في مستقبل الإنسانية كلها.
كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.