استقبل أمين عام مجلس جازان.. أمير تبوك: المرأة السعودية شاركت في دفع عجلة التنمية    عقوبات مالية على منشآت بقطاع المياه    «ستاندرد آند بورز»: الاقتصاد السعودي سينمو 5 % في 2025    المملكة وتوحيد الصف العربي    «مالكوم» يا أهلي !    «الدون» في صدارة الهدافين    لصان يسرقان مجوهرات امرأة بالتنويم المغناطيسي    فهد بن سلطان يقلّد مدير الجوازات بالمنطقة رتبته الجديدة    مؤتمر لمجمع الملك سلمان في كوريا حول «العربية وآدابها»    «أحلام العصر».. في مهرجان أفلام السعودية    هل تتلاشى فعالية لقاح الحصبة ؟    اختبار يجعل اكتشاف السرطان عملية سريعة وسهلة    وزير الحرس الوطني يستقبل قائد القطاع الأوسط بالوزارة    ريادة إنسانية    قصف إسرائيلي مكثف على رفح    أبو الغيط يحذّر من «نوايا إسرائيل السيئة» تجاه قطاع غزة    وزير الدفاع ونظيره البوركيني يبحثان التعاون والتطورات    القيادة تعزي البرهان في وفاة ابنه    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة من الهلال    مالكوم: فوز ثمين.. وجمهور الهلال «مُلهم»    الهلال يتغلب على الأهلي والاتحاد يتجاوز الابتسام    أبو طالب تقتحم قائمة أفضل عشر لاعبات    فريق القادسية يصعد "دوري روشن"    ثتائي آرسنال على رادار أندية روشن    أخضر تحت 19 يقيم معسكراً إعدادياً    استمرار الإنفاق الحكومي    افتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي.. الصمعاني: ولي العهد يقود التطور التشريعي لترسيخ العدالة والشفافية    وزير العدل يفتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي في الرياض    فيصل بن بندر يدشّن سبعة مشاريع لتصريف مياه السيول والأمطار في الرياض    أنسنة المدن    اختتام "ميدياثون الحج والعمرة" وتكريم المشروعات الفائزة والجهات الشريكة    فنون العمارة تحتفي بيوم التصميم العالمي    تعليم مكة يدعو المرشحين للمشاركة في «أيتكس»    الميزان    أكدت أن الجرائم لا تسقط بالتقادم.. «نزاهة» تباشر قضايا فساد مالي وإداري    ولي العهد يعزي رئيس الإمارات    اكتشاف الرابط بين النظام الغذائي والسرطان    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    بكتيريا التهابات الفم تنتقل عبر الدم .. إستشاري: أمراض اللثة بوابة للإصابة بالروماتويد    الحرب على غزة.. محدودية الاحتواء واحتمالات الاتساع    جواز السفر.. المدة وعدد الصفحات !    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال21 من طلبة كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي    الهواية.. «جودة» حياة    يتوارى البدر.. ولكنه لا يغيب !    المسافر راح.. وانطفى ضي الحروف    مناورات نووية روسية رداً على «تهديدات» غربية    الشورى: سلامة البيانات الشخصية تتطلب إجراءات صارمة    "آل هادي" إلى رتبة "لواء" ب"الشؤون القانونية للجوازات"    اجتماع سعودي-بريطاني يبحث "دور الدبلوماسية الإنسانية في تقديم المساعدات"    إخلاء شرق رفح.. السكان إلى أين؟    «مهرجان الحريد».. فرحة أهالي فرسان    أمير منطقة تبوك يستقبل أمين مجلس منطقة جازان ويشيد بدور المرأة في دفع عجلة التنمية    خطط وبرامج لتطوير المساجد في الشرقية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    القبض على مروج إمفيتامين مخدر    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لفكّ الاشتباك بين «الديني» و «الوطني»
نشر في الحياة يوم 26 - 03 - 2009

واصلت الجنادرية (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) بالمملكة العربية السعودية تقاليدها الفكرية الأولى، حيث كانت الحوار قبل الحوار، باقترابها، في ندوة مخصصة لهذه المسألة، من الإشكالية القائمة في الوعي العربي بين الهوية الدينية والهوية الوطنية وفي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وكانت القوة الدافعة في الحالتين توجيهات الملك عبدالله بن عبدالعزيز التطويرية حيث جاءت ندوات الجنادرية تمهيداً للحوار إلى أن أطلق فعاليات (الحوار الوطني) عندما تولى الملك.
وقد شارك كاتب هذه السطور في تلك الندوة في محاولة منه لفك الاشتباك المزمن بين الجانبين، أو رصد مظاهره في أقل تقدير. فبينما نتحدث عن هوية دينية واحدة تجمعنا، نتوزع في أوطان عديدة تقوم على أساسها وحدات سياسية عديدة هي الأخرى، وذلك ضمن تصور مبدئي ونظري اعتقادي عن الوحدة الإسلامية. وهي إشكالية لا بد من الإقرار بوجودها ومحاولة حلها صوناً للضمير الديني والوطني من الضياع والتشتت. وسنحاول المقاربة الموضوعية للمعطيات المعرفية لهذه الإشكالية في جانبيها، قدر المستطاع، فالموضوعية المطلقة لا تدرك.
على سبيل المقارنة، فإذا كانت دائرة الحضارة الإسلامية واحدة، فإنها شملت دوائر سياسية عدة في عصور تاريخية ليست بالقصيرة. بينما تطابقت دائرة الحضارة الصينية الواحدة، مثلاً، مع دائرة سياسية واحدة أيضاً، عدا فترات قصيرة بمعيار التاريخ.
وفي العصر الحديث انبعث الإسلام ونهضته في أوطان عدة بعضها تجزّأ بفعل القوى المهيمنة، وبعضها كان إرثاً تاريخياً ورثه سكانه، حيث وجدت التجزئة قبل الاستعمار، بذهاب حماسة الفتوحات الأولى وعودة الفراغات الصحراوية إلى عزل ما وراءها.
وقد أخفقت محاولات فرض العلمنة كمفهوم ومصطلح من خارج الدائرة الإسلامية على مجتمعاتها ولم يتقبّل الناس هذا الأمر، وإن تقبّلوا مفاهيم حديثة أخرى لا تتناقض أو هي أقل تناقضاً مع المفاهيم الإسلامية.
ويلاحظ الراصد، بهذا الصدد، أن مشروعات التغيير التي تصادمت وتناقضت صراحة مع عقائد الناس لم يكتب لها النجاح، بينما كانت المشروعات التطويرية الأخرى، وإن حملت جديداً، أكثر قبولاً واستمراراً.
والواقع أن ثوابت الموروث الديني تبقى في نفوس الناس، حتى وإن تغيّر فكرهم وثقافتهم وعصرهم، كما حدث للغربيين من أوروبيين وأميركيين على سبيل المثال. ومثلهم العلمانيون الإسرائيليون المتجندون لخدمة الدولة اليهودية المؤسسة على معتقد ديني، وذلك تأكيداً لشخصيتهم الموروثة. وحتى عندما ترفض تصنيف نفسك فإن الآخرين يصنفونك ويفرضون عليك فرضاً هويتك الموروثة شئت أم أبيت، بغض النظر عن مدى اعتدالك أو انفتاحك على أفكار أخرى. ولعل أكثر العرب والمسلمين في الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 يدركون معنى هذا القول من خلال طبيعة المعاملة الظاهرة أو المبطنة التي تلقوها من الآخرين.
وتعاني دول الاتحاد الأوروبي اليوم أزمة اختيار كبرى في مسألة قبول تركيا في النادي الأوروبي. ويميل أغلبها إلى رفض ذلك أو تأجيله. وإذا كان التخوف من الضغط الاقتصادي والبشري أحد أسبابه، فإنه لا يمكن التغاضي عن الأسباب الايديولوجية. فغالبية شعوب تلك الدول تخشى من تركيا لأنها ذات جذور غير مسيحية بينما الاتحاد الأوروبي يعترف بإرثه المسيحي - اليهودي وبعض قادة أوروبا يصرحون بذلك. وثمة أقوال شائعة عن جهد ضخم للفاتيكان لوقف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لأسباب دينية.
وإذا حدث ذلك بالفعل، فإنه سيكون حدثاً فاصلاً في توجيه مسار العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي وسيندرج في ظاهرة دعم الغرب لإسرائيل في تعدياتها حيال الفلسطينيين والعرب.
وعلى العموم فالملاحظ أن الأوطان الحديثة ارتكزت في بعض جوانبها على الإرث الديني في سائر أنحاء العالم. فالأوطان التي تعتنق غالبية مواطنيها المذهب المسيحي البروتستانتي قامت على جذور هذا المذهب. وهذا ينطبق على أوروبا الشرقية وروسيا من حيث استنادها إلى الإرث الأرثوذكسي، وفي الهند تلعب الهندوسية دوراً لا يمكن إغفاله رغم أنها استقلت وحُكمت من حزب علماني يأتي برؤساء رمزيين للدولة من خارج الهندوسية... الخ.
والمجتمعات الإسلامية ليست بدعاً في ذلك فللموروث الديني المذهبي دوره الذي لا ينكر كما في إيران وغيرها من المجتمعات الإسلامية السنية بالمقابل. إلا أنه في غاية الأهمية أن تقرر النخب المؤثرة ومعها غالبية المجتمع المسلم أي تفسير للدين تعتمد، فثمة فارق كبير بين نهج التشدد في التفسير والغلو مما نهى عنه القرآن الكريم، وبين نهج المرونة والتوسط الذي تكشف أية دراسة موضوعية أنه كان النهج المؤثر في انتشار الدين الحنيف وقيام حضارته الزاهرة الجامعة.
وتعود شعوب العالم، بعامة، في عصرنا إلى الاحتماء بهوياتها الدينية في ظل التحدي المعاكس الذي تحمله العولمة - ولو شعورياً - إلى خصوصياتها. وقد يتم طرح الشعارات الدينية لأسباب سياسية وأجندات ايديولوجية ليست من الدين في شيء.
فقد ذهب جمال الدين الأفغاني في مطلع العصر الحديث إلى أنه لا جنسية للمسلمين غير الجنسية الإسلامية وذلك في صدد دفاعه وتبنيه لاستمرار الخلافة العثمانية وبقاء المسلمين على ولائهم لها، أي انه طرح ذلك لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، دعماً للكيان الإسلامي الواحد ضد الأطماع الغربية.
وقد ظهر تيار جديد في العالم الإسلامي أخيراً يدعو إلى إعادة الاعتبار للدولة العثمانية، غير أن حركات المعارضة الإصلاحية التي واجهتها في المجتمعات العربية حينئذ، كحركة التوحيد في شبه الجزيرة العربية، والثورة الهاشمية في الحجاز والشام، والحركة السنوسية في شمال أفريقيا، كان لها رأي مخالف في تلك الدولة من واقع المعاملة، وفي كل الحالات معاملة العرب، على وجه الخصوص. فكيف يمكن إغفال الواقع التاريخي المعاين تحت تأثير الحنين إلى كيان انهار من الداخل قبل أن تأتيه الضربات من الخارج؟
إن رابطة خلافة، كالخلافة العثمانية مثلاً، ليست من جوهر الدين - وإن تصور بعض المسلمين ذلك - والمسلمون وإن عاشوا حالياً في أوطانهم الطبيعية المتعددة، بإمكانهم إيجاد روابط جديدة أكثر فعالية وأنسب لتغير الأزمان، وذلك ما نتركه لمقالة تالية.
* كاتب من البحرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.