في الثاني من آب أغسطس 1990 استيقظ العالم مذهولاً من الهجوم الغادر الذي شنته قوات النظام الحاكم في بغداد على دولة الكويت. وشاءت إرادة الله تعالى عز وجل ان تضع رجلاً تاريخياً وقائداً فذاً في قمة الأحداث ليتولي المهمة التاريخية الكبرى التي يضطلع بها أولو العزم من الرجال في الدفاع عن الحق والتصدي للباطل وإزهاقه. وستظل الأجيال المتعاقبة تروي موقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وأسلوب إدارته لتلك الأزمة المباغتة باعتبار أن هذا الموقف رمز للشجاعة والحنكة والحكمة وبعد النظر. ولم يكن موقف خادم الحرمين الشريفين ودوره في هذه النكبة وليد يوم الغزو بل انه بدأ منذ ان اخذت حكومة العراق تلوح بالتهديدات والتلميحات ضد دولة الكويت. فقد سارع الملك فهد إلى احتواء الموقف وتهدئته على أمل ان تحل القضية بالطرق الودية، انسجاماً مع ثوابت السياسة السعودية في الحرص على وحدة الصف العربي وتسوية الخلافات بين دوله بالوسائل السلمية. وقاد خادم الحرمين الشريفين سلسلة من الاتصالات والمشاورات والتحركات الديبلوماسية لتحقيق ذلك الهدف وبالفعل أثمر ذلك عن اجتماع جدة الذي عقد بين طرفي النزاع قبيل الغزو. وبتكليف من خادم الحرمين الشريفين حضر الاجتماع ولي العهد في حينه نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. وقد اقتصر دور المملكة العربية السعودية في اجتماع جدة على تهيئة الأجواء بين الجانبين من دون مشاركة من المملكة في المباحثات التي تمت بينهما خلال الاجتماعات الثنائية المغلقة التي اقتصرت على طرفي النزاع. وكان طبيعياً ان يمنى اجتماع جدة بالفشل نتيجة التعنت الذي أبداه الجانب العراقي الذي عقد النية على ارتكاب جريمته النكراء حين أقدم في جنح الظلام على اجتياح الكويت واستباحتها ونهب خيراتها وتشريد أهلها. وما إن علم خادم الحرمين الشريفين بهذا الخبر المفجع حتى قام بإجراء سلسلة من الاتصالات الواسعة مع مختلف الاطراف العربية والاسلامية، أملاً في ايجاد حل عربي إسلامي للقضية ينأى بها عن أي تدخل أجنبي ويتيح المجال للتوصل إلى حل ينهي المشكلة والآثار المترتبة عليها. الا أن الإيقاع السريع للأحداث كشف أن نوايا نظام بغداد تتجاوز دولة الكويت لتهديد المملكة العربية السعودية وحرمة أراضيها من خلال حشد الحشود على حدودها. وهنا نهض قائد المعركة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بمسؤولياته الثقيلة بكل قوة واقتدار واتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب وقلب الموقف رأساً على عقب بعد أن استنفد كل الجهود والوسائل الأخرى التي وضع النظام العراقي أمامها العراقيل تلو العراقيل. لقد كان يوم الثامن عشر من محرم لعام 1411ه الموافق التاسع من شهر اغسطس 1990 نقطة تحول جذرية في الموقف برمته، اذ أعلن خادم الحرمين الشريفين في كلمة استعرض خلالها الأحداث المؤسفة قراره التاريخي الحازم والحاسم بالاستعانة بقوات شقيقة وصديقة لمساندة القوات المسلحة السعودية في أداء واجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين ضد أي اعتداء، انطلاقاً من حرص المملكة العربية السعودية على سلامة أراضيها وحماية مقوماتها الحيوية والاقتصادية ورغبة منها في تعزيز قدراتها الدفاعية، وانطلاقاً من حرص المملكة على الجنوح إلى السلم وعدم اللجوء إلى القوة في حل الخلاقات بين الدول. ولقد اتخذ خادم الحرمين الشريفين القرار اعتماداً على الله ثم على ميثاق هيئة الأممالمتحدة في ما يتعلق بالدفاع عن النفس، واعتماداً على مواد معاهدة الدفاع العربي المشترك، كما ان الملك المفدى لم يجد بداً من اعتماد ميثاق مجلس التعاون الخليجي في مواجهة ابتلاع دولة خليجية شقيقة، كما لم يجد بداً من الاعتماد على ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي حتى لا تتكرر كارثة الكويت ولا تباغته المؤامرات. وهب الشعب السعودي عن بكرة أبيه، معرباً عن تأييده الكامل والشامل لهذا الإجراء في صورة رائعة تجلت فيها أعمق معاني التلاحم بين القيادة والشعب. وتوالت بعد ذلك مشاعر التأييد التام للترتيبات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين لمجابهة ذلك الموقف العصيب. وتدفق التأييد التضامني العربي والإسلامي مع موقف المملكة العربية السعودية من جميع أنحاء العالم، معلنين تأييدهم التام لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في كل ما اتخذه من إجراءات. كما حظي موقف المملكة العربية السعودية بالتأييد العالمي نتيجة لما قامت به بقيادة الملك فهد من جهود خيرة لخدمة السلام العالمي والمجتمع الدولي لما عرف عنها من اتزان في السياسة وحكمة في الممارسة ونبل في المقاصد والأهداف. لقد كان الملك فهد يدرك بفضل ما حباه الله من حصافة في الرأي ونفاذ في البصيرة ان صدام حسين سينسحب من الكويت سلماً أو حرباً. ثم ان من ركائز الإيمان الوقوف مع الحق ودفع الظلم قولاً وعملاً. وقد ادهش العالم التصميم الأكيد والقوي الذي أبداه الملك فهد نحو العمل على صد العدوان وتحرير دولة الكويت مهما تطلب ذلك من تضحيات. ولم يتزحزح الملك فهد بن عبد العزيز عن هذا الموقف الراسخ قيد أنملة، لكنه في الوقت نفسه استمر في تقديم فرص السلام لنظام بغداد، داعياً اياه الى تجنب الكارثة التي قد تحيق بشعب العراق جراء تعنت النظام هناك ورفضه الرضوخ الكامل لإرادة الحق والشرعية. وبعد ان أوصد حاكم العراق كل الأبواب امام الحلول السلمية وقعت الواقعة وانتصر الحق على الباطل. وهنأ العالم الملك فهد بن عبدالعزيز على حسن قيادته للمعركة وعلى ذلك النصر الأغر الذي سيسطره التاريخ بأحرف من نور في سجل الأعمال الخالدة لخادم الحرمين الشريفين رحمه الله. لقد امتدت الأضرار البالغة التي تسبب فيها العدوان العراقي على دولة الكويت فشملت ابعاداً اقتصادية واجتماعية وإنسانية لم تقتصر على المنطقة فحسب بل شملت معظم دول العالم. وكان في مقدم تلك الأبعاد تشريد جزء كبير من شعب الكويت المسالم الذي نجا بنفسه من وحشية صدام حسين وأتباعه الذين دخلوا البلاد وأعملوا فيها قتلاً ونهباً منذ أول أيام الغزو. فقد احتضنت المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة شعب الكويت في صورة تعكس عمق العلاقات والأواصر التي تربط بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين. وأصدر خادم الحرمين الشريفين توجيهاته إلى أمراء المناطق والمسؤولين لتوفير كل سبل العيش الكريم والعون والمساعدة للأشقاء الكويتيين الذين حلوا ضيوفاً بين ذويهم وأهليهم في السعودية. كما اصدر رحمه الله أوامره إلى سفارات السعودية في الخارج بتقديم كل عون ومساعدة للمواطنين الكويتيين في الخارج والوقوف إلى جانبهم في ذلك الوقت العصيب.