عندما نحط رحالنا في بلد آخر فان زائراً غليظاً قد يداهمنا على حين غرة ليضعنا في موقف محرج جداً ان لم يكن في ورطة. انه الاسهال السفري. ولإسهال المسافر اسماء متنوعة مشهورة، مثل توريستا،"انتقام مونتزونا"،"أمعاء دلهي"،"هوت ? دوغ هونغ كونغ"، او حتى"لعنة باريس"، اذ ان السياح الاجانب، خصوصاً القادمين من المكسيك ونيبال والهند، يصابون به عند حلولهم ضيوفاً على العاصمة الفرنسية. ان الاصابة باسهال المسافر واردة جداً عند حط الرحال في بلد آخر، والغريب في الامر ان، وعلى رغم اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لدرء شره، فان قلة قليلة من الاشخاص يهربون من سطوته. واذا حاولنا التفتيش عن سبب الاسهال السفري لوجدنا ان جرثومة العصبية شكلها يشبه العصا القولونية هي العامل الاكثر تسبباً له، وتعمل هذه الجرثومة على افراز سم يمنع الامعاء من القدرة على امتصاص الماء الذي نشربه او الذي يأتي من القذاء فيتشكل نتيجة ذلك فائض منه في الامعاء التي تضطر مكرهة، للتخلص منه فيحدث الاسهال. ان هذه الجرثومة مسؤولة عن 40 في المئة من حالات الاسهال السفري، غير ان هناك جراثيم اخرى متورطة مثل الشيفيلا والسالمونيلا والجرثومة الحلزونية، اضافة الى بعض الفيروسات وعدد من الطفيليات. ان نسبة لا بأس بها من اسهالات السفر لا يمكن ايجاد سبب فعلي واقعي لها، وقد يكون للعوامل الآتية دور في اشعالها، مثل تبدل العادات الغذائية والتعب وفارق التوقيت الدولي وداء المرتفعات. اما العوارض والعلاقات التي ترافق الاسهال السفري فتشمل: - الآلام البطنية. - الحرارة العالية. - الغثيان والتقيؤ. - آلام في العضلات. - آلام في المفاصل. - أوجاع في الرأس. - الانهاك. - نقص الشهية على الطعام. ان حدوث الاسهال بحد ذاته ليس علامة سيئة، بل هو وسيلة يحاول الجسم من خلالها التخلص من الجراثيم وسمومها، وفي العادة يكون الاسهال سليم العواقب يزعج صاحبه ليوم أو يومين أو ثلاثة أيام ونيف الا انه لا يلبث ان يحل عنه من دون اختلاطات تذكر. اما اذا استمر الاسهال على عناده ملازماً لصاحبه فعندها لا مفر من اخذ رأي الطبيب خصوصاً عند تلازم الاسهال مع المعطيات الآتية: اذا كان لون البراز اسود أو احمر، فهذا يشير الى حدوث نزف دموي هضمي أو إصابة بالطفيليات. اذا ترافق الاسهال مع الحمى فهذا يدل على وجود اصابة التهابية ويجب في هذه الحالة مراجعة الطبيب فوراً وان كان ذلك متعذراً فيتوجب أخذ عقار باكتريم". اذا وجد الثلاثي التالي في آن معاً: انتفاخ البطن، التقيؤ، واوجاع في البطن اضافة الى الاسهال فهذا يدل على احتمال الاصابة بانسداد معوي أو التهاب في الزائدة الدودية. اذا كان البراز ابيض اللون أو شاحباً فهذا يشير الى تعرض الكبد لاصابة انتانية. ما العمل لمواجهة الاسهال السفري؟ هناك وسائل عدة يؤدي تطبيقها الى وضع حد للاسهال وابعاد خطره، وهذه الوسائل تشمل: 1- شرب الماء بكثرة رب سائل قد يقول ان الاسهال يتكون في معظمه من الماء فلماذا الشرب؟ جواباً على ذلك نقول ان شرب الماء مهم جداً من اجل تجنب الوقوع في مطب التجفاف الذي قد يكون قاتلاً احياناً. ان الاسهال يحصد سنوياً مئات الآلاف من الضحايا بين الاطفال، والمؤسف ان معظم الآباء لا يعطون اطفالهم المرضى بالاسهال أي قطرة من السوائل ظناً منهم ان امداد الطفل به يسيء اليه ويزيد من ازمة الاسهال عنده. هناك طريقة جيدة لتعويض السوائل في الجسم تتمثل في اعطاء محلول فيزيولوجي جاهز يحتوي على الشوارد المعدنية اللازمة والتي فقدها الجسم بالاسهال، ويمكن صنع هذا المحلول منزلياً بحسب تعليمات منظمة الصحة العالمية، ويتألف هذا المستحضر من 20 غراماً من السكر + 3.5 غرام من الملح + 2.5 غرام من بيكربونات الصوديوم + 20 غراماً من كلور البوتاسيوم. 2- يجب مراقبة البول عن كثب فاذا كان اصفر غامقاً فهذا يعني ان الجسم في حاجة الى الماء. 3- تحاشي الحليب والاغذية الصلبة، خصوصاً في بداية الاسهال، ومتى رحل هذا الاخير يمكن اضافة الاطعمة الصلبة السهلة الهضم والتمثيل مثل الرز والبطاطا والموز والبسكويت. 4- تناول اللبن المدعوم بالعصيات اللبنية. فقد بينت البحوث ان هذه العصيات مفيدة جداً للامعاء، فهي تحافظ على اعادة التوازن الاستراتيجي بين ميكروبات الامعاء عدا عن انها تنتج مركبات من شأنها ان تقف عقبة كأداء امام نمو واستفحال الميكروبات الممرضة التي تترقب أي فرصة للتعبير عن نياتها السيئة. 5- استعمال مضادات الاسهال ومضادات الجراثيم اذا دعت الضرورة وتحت اشراف الطبيب. 6- التقيد بقواعد النظافة مثل: - غسل اليدين بالماء والصابون مراراً وتكراراً قبل الاكل وبعده. - تحاشي الاطعمة النيئة. - أكل الاطعمة المطهوة جيداً. - تقشير الخضار والفواكه. - تحاشي انواع الصلصة. - شرب المياه المعدنية المعلبة جيداً. - الاكثار من تناول المشروبات الاسيدية مثل الكولا والعصائر التي تسمح بالاقلال من جراثيم العصيات القولونية المسؤولة عن اكثر حالات اسهالات السفر. - تناول اللبن المدعوم بالعصيات اللبنية قبل القيام بالرحلة فهذا من شأنه ان يعزز من مكانة المستعمرات الجرثومية النافعة في الامعاء للوقوف في وجه الميكروبات الاجنبية التي تحاول اثارة الفتن الالتهابية. - عدم استعمال مكعبات الثلج فهي غالباً ما تكون مصنوعة من ماء الصنبور الحنفية أو من ماء غير معقم. - تجنب شراء الاغذية المفروشة على البسطات والمعرضة للهواء مباشرة فهذه غالباً ما تكون بؤراً ملائمة للميكروبات. - تنظيف الاسنان باستعمال المياه المعقمة. - الانتباه الى عدم ابتلاع المياه اثناء الاستحمام. وفي النهاية لا بد من لفت الانتباه الى التجفاف الذي يفضي اليه الاسهال خصوصاً عند الاطفال، فهو السبب الاول للوفاة في الدول الفقيرة اذ يؤدي سنوياً الى وفاة اكثر من ثلاثة ملايين طفل. ويمكن التعرف على وقوع التجفاف من خلال العوارض الآتية: 1- جفاف الفم والجلد. 2- البول قليل وغامق اللون. 3- النزق. 4- التشنجات العضلية. 5- ضياع الوزن وفقدان الشهية. 6- الضعف العام. 7- غؤور العينين. اما عند الرضع فعلامات الجفاف تتجلى في نشاف الحفاض من البول منذ اكثر من 3 ساعات، والبكاء من دون دموع وغؤور اليأفوخ الامامي للقحف عند الرضع دون 18 شهراً من العمر.