5 مشاريع مائية ب305 ملايين بالطائف    وزير النقل يفتتح غدا مؤتمر مستقبل الطيران 2024    إعفاء مؤقت للسعوديين من تأشيرة الدخول إلى الجبل الأسود    تعرض مروحية الرئيس الإيراني لحادث هبوط صعب في أذربيجان    بطولتان لأخضر الطائرة الشاطئية    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالخبر    1.8% نسبة الإعاقة بين سكان المملكة    مركز"كفاء الطاقة" يعقد "اسكو السعودية 2024    أمير تبوك يستقبل رئيس جامعة فهد بن سلطان    "الموارد" تطلق جائزة المسؤولية الاجتماعية    الشلهوب: مبادرة "طريق مكة" تعنى بإنهاء إجراءات الحجاج إلكترونيا    وزير الإسكان يرعى فعاليات منتدى الوطنية للإسكان لسلاسل الإمداد العقاري غداً بمشاركة محلية ودولية    اتحاد كرة القدم يحدد روزنامة بطولاته    استمطار السحب: حديث الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد حول مكة والمشاعر يمثل إحدى فرص تحسين الطقس    وزير "البيئة" يعقد اجتماعات ثنائية على هامش المنتدى العالمي العاشر للمياه في إندونيسيا    نائب وزير الخارجية يشارك في اجتماع رفيع المستوى بين مركز الملك الفيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وتحالف الحضارات للأمم المتحدة ومركز نظامي جانجوي الدولي    يايسله يوضح حقيقة رحيله عن الأهلي    غرفة أبها تدشن معرض الصناعة في عسير    ملتقى النص المعاصر: احتفالية شعرية وفنية تُضيء سماء نابل    الجمعية العليمة السعودية للصحة العامة ساف تشارك في مؤتمر يوم الابحاث    علامة HONOR تعلن عن رعايتها لمسابقة إجادة اللغة الصينية بعنوان "جسر اللغة الصينية" في المملكة العربية السعودية    سفير إندونيسيا لدى المملكة: "مبادرة طريق مكة" نموذج من عناية المملكة بضيوف الرحمن    وزير الصحة الماليزي: نراقب عن كثب وضع جائحة كورونا في سنغافورة    مستشفى دله النخيل ينهي معاناة عشريني يعاني من خلع متكرر للكتف وكسر معقد في المفصل الأخرمي الترقوي    الديوان الملكي: تقرر أن يجري خادم الحرمين فحوصات طبية في العيادات الملكية في قصر السلام بجدة    رياح مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من الشرقية والرياض    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    زيارات الخير    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    الماء (2)    جدول الضرب    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    قائد فذٌ و وطن عظيم    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيرة الفلسطينيين أمام المستوطنات "المحررة" : منازل فخمة لا تناسب ظروف حياتهم
نشر في الحياة يوم 06 - 06 - 2005

الفلسطينيون محتارون في ما يفعلونه بالمستوطنات التي سيتم الانسحاب منها بموجب"خطة الفصل"الاسرائيلية. فهي فخمة وتنتشر على مساحات واسعة من الارض، ولذلك لا تلائم حياتهم واحتياجاتهم وظروف معيشتهم. وهم يريدون بيوتاً شعبية ترتفع طبقات عدة، من اجل حل مشكلة الضائقة السكنية. ويفضلون ان يتم هدمها.
يحتدم النقاش داخل السلطة الفلسطينية حول مستقبل المستوطنات التي ستقوم اسرائيل باخلائها. هل يطلبون ابقاءها على ما هي عليه، مثلما يطلب رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون، أم يهدمونها لأنها لا تلائم طبيعة حياة الفلسطينيين واحتياجاتهم في هذه المرحلة؟ لكن هذا النقاش لم يكتمل بعد لأن المعلومات عن وضعية هذه المستوطنات غير متوافرة بالكامل لدى الفلسطينيين. فهم لم يتسلموا بعد الخرائط الاسرائيلية لهذه المستوطنات وينتظرون تلبية اسرائيل الطلب الاميركي بتسليم هذه الخرائط كي يتسنى لهم اعداد دراسة واضحة عن كيفية التصرف بها، لتعود بالفائدة على أكبر عدد من الفلسطينيين.
فخطة الانسحاب التي أعدها شارون وينوي تنفيذها في شهر آب اغسطس المقبل تشمل 22 مستوطنة في قطاع غزة و3 مستوطنات في شمال الضفة الغربية وهي محيطة أساساً بمدينة جنين. يسكن هذه المستوطنات حوالى 8 آلاف مستوطن نجحوا خلال سنوات طويلة بالاستيلاء على مساحات شاسعة من اراضي الفلسطينيين، معظمها اراض زراعية كانت تشكل مصدر رزقهم الاساس واحياناً الوحيد. وقد اقيمت على هذه الاراضي المستوطنات بمختلف اشكالها، فمنها اقيم على شكل بيوت متنقلة كرافانات ومنها منازل ضخمة وفيلات، تحيطها مساحات شاسعة من الاراضي الخصبة التي صودرت من المزارعين الفلسطينيين او قام المستوطنون اليهود باستصلاحها. وهناك بيوت هي عبارة عن براكيات صغيرة لكنها بالنسبة الى المستوطنين ذات اهمية كبيرة لانها تثبت وجودهم على الارض الفلسطينية. فمهما كان وضع البيوت فإن المستوطنين يتمسكون بها، ليس فقط انطلاقاً من عقائدهم اليهودية بالسيطرة على الارض الفلسطينية، بل لخصوبة الارض واهميتها الزراعية وامكان السيطرة على مساحات واسعة لا تتاح لهم بسهولة، وبهذا الثمن شبه المجاني.
فالمستوطنات القائمة في قطاع غزة تشكل حوالى 40 في المئة من مساحة القطاع وأدت طوال عشرات السنين الى خنق الفلسطينيين من جميع النواحي وشكلت عائقاً امام تطورهم.
فالمساحة الكلية لقطاع غزة تبلغ 362.7 كيلومتر مربع، وبناء على تقرير أعده معهد الابحاث التطبيقية في القطاع فان 6429 مستوطناً اسرائيلياً يسكنون في 21 مستوطنة تبلغ مساحتها، بحسب صور الاقمار الاصطناعية الحديثة 27.74 كيلومتر مربع اي ما يقارب 7.64 في المئة من المساحة الاجمالية لقطاع غزة بينما كانت في العام 2001 تساوي 26.6 كيلومتر مربع.
وتتواجد غالبية المستوطنات في الجزء الجنوبي الغربي والشمالي لقطاع غزة المجاور لساحل البحر الأبيض المتوسط. وتبلغ مساحة المناطق المسماة بالمناطق الصفراء مناطق المستوطنات 15.8 كيلومتر مربع والمناطق الامنية والعسكرية 58.03 كيلومتر مربع و المواقع العسكرية 2.42 كيلومتر مربع. اما المناطق المجرفة لأغراض توسعية اسرائيلية فتبلغ مساحتها 8.43 كيلومتر مربع.
وفي مقارنة مع وضع السكان الفلسطينيين تظهر الصورة الحقيقية لهذه المستوطنات، ففي قطاع غزة هناك 42 قرية ومدينة فلسطينية يسكنها اكثر من 1.3 مليون فلسطيني من ضمنها 8 مخيمات للاجئين الفلسطينيين. وبموجب هذه المعطيات فإن الكثافة السكانية الفلسطينية، بحسب مناطق السيطرة، تساوي 5400 شخص لكل كيلومتر مربع، اي اكبر بمقدار 100 مرة بالمقارنة مع الكثافة السكانية الإسرائيلية في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في قطاع غزة بحيث تبلغ 55 شخصاً لكل كيلومتر مربع.
وشهدت هذه المستوطنات، بحسب التقرير الفلسطيني، توسعاً كبيراً منذ اربع سنوات. ففي محافظة شمال غزة جباليا كانت المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية تشكل ما مساحته 2736.5 دونم في العام 2001 بينما اتسعت رقعة هذه المساحة لتصبح 3055.7 دونم في العام 2003 أي بزيادة مقدارها 319.2 دونم وبنسبة مئوية مقدارها 11.6 في المئة.
وسجلت المستوطنات في هذه المحافظة نسبة زيادة في مساحاتها على الشكل الآتي: مستوطنة" دوجيت" وموقع"دوجيت"83.26 دونم، بنسبة 14 في المئة. مستوطنة" ايلي سيناي"101.87 دونم بنسبة 22.7 في المئة، مستوطنة" نيسانيت" وموقع"نيسانيت"134.02 دونم بنسبة 11.8 في المئة. أما مستوطنة" نتساريم" المقامة على أراضي محافظة غزة فقد ازدادت مساحتها بمقدار 20.03 دونم لتصل إلى 1566.25 دونم في عام 2003، أي بنسبة زيادة مقدارها 1.3 في المئة.
وفي محافظة خانيونس الواقعة جنوب قطاع غزة، كانت هناك زيادة في مساحة المستوطنات منذ عام 2001 وبالتحديد في المستوطنات الآتية: مستوطنة"بيدولا"زيادة مقدارها 6.94 دونم بنسبة 0.2 في المئة، مستوطنة"جان اور"زيادة مقدارها 11.56 دونم بنسبة 1.18 في المئة، مستوطنة"جاناي تال"زياده مقدارها 12.69 دونم بنسبة 0.66في المئة، شواطىء غزة زيادة مقدارها 4.86 دونم بنسبة 1.65 في المئة. مستوطنة"كفار يام"زيادة مقدارها 5.43 دونم بنسبة 0.02 في المئة. مستوطنة"موراج"زيادة مقدارها 100.07 دونم بنسبة 9 في المئة. مستعمرة"نيتسار هازاني"زيادة مقدارها 475.87 دونم بنسبة 24.2 في المئة. مستعمرة"نافيه دكاليم"زيادة مقدارها 29.55 دونم بنسبة 1.55 في المئة. المنطقة الشمالية الغربية لپ"نتسر هازاني"زيادة مقدارها 73.55 دونم بنسبة 32.1 في المئة، فكانت الزيادة في مساحة مستوطنات هذه المحافظة 720.52 دونم بنسبة 4.5 في المئة ما بين عامي 2001 و2003.
أما في محافظة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة، فبلغت الزيادة في مساحة المستوطنات 29.43 دونم بنسبة زيادة مقدارها 0.5 في المئة منذ عام 2001، وبالتحديد في مستوطنة"بيئات ساديه"حيث بلغت الزيادة في المساحة 5.43 دونم بنسبة زياده مقدارها 0.37 في المئة, و موقع"بيئات ساديه"الجديد 7.49 دونم بنسبة زيادة مقدارها 1.7 في المئة و"رافيح يام"16.51 دونم بنسبة زيادة مقدارها 1.5 في المئة.
وتتوزع المستوطنات في قطاع غزة الى ثلاثة انواع: صناعية وزراعية وسياحية. مستوطنة ايرز هي المنطقة الصناعية الوحيدة، اما كتلة"غوش قطيف"فتعتبر منطقة زراعية وسياحية. وبموجب الخرائط والتوثيق لدى دائرة التخطيط في جمعية الدراسات العربية في القدس هناك 1400 وحدة سكنية و7600 مستوطن. ويقول مدير الدائرة الخبير خليل توفكجي ان 17 مستوطنة و4 بؤر استيطانية فارغة تمتد على مساحة 40 في المئة من مساحة قطاع غزة . وتحيط بهذه المستوطنات شوارع رحبة ومعسكرات للجيش كلها ستعود الى السلطة الفلسطينية لتوفر لها امكان التصرف بمساحة 365 كيلومتراً مربعاً حرمت من 40 في المئة منها طوال عشرات السنين. اولى هذه المستوطنات اقيمت في العام 1948 وهي كفار داروم وهدمت في السنة ذاتها الا ان الاسرائيليين اعادوا بناءها بعد العام 1967. وفي العامين 1982 و1983 كثفت الحركات اليهودية المتطرفة، وفي مقدمها"غوش ايمونيم"نشاطها في بناء المستوطنات، ومنح الاسرائيليون مساحة نصف دونم لكل عائلة لبناء بيت، وهناك عائلات تقيم بيوتها على مساحات أوسع.
وككل مجمع سكاني يشتمل على البيوت والمدارس والمؤسسات والمراكز كذلك الامر في المستوطنات التي تشملها خطة الانسحاب. لكن الفارق بينها وبين مجمعات اخرى انها تنتشر على مساحات واسعة وباستقلالية كاملة لكل عائلة. فهناك البيوت المتنقلة وهناك الفيلات وهناك البيوت العادية والحدائق الخاصة والعامة والمنتجعات وبرك السباحة الخاصة في البيوت. وما يميز معظم المستوطنات المساحات المقامة عليها البيوت والفيلات والتي تكون في كثير من الاحيان، بحد ذاتها، منتجعاً الأمر الذي لا يناسب بتاتاً وضع الفلسطينيين في قطاع غزة.
ويبلغ عدد البيوت، بحسب الاحصاء الاسرائيلي، 1650 وحدة سكنية، لكن الاحصاءات الفلسطينية تشير الى وجود 1400 وحدة سكنية لن تفي بحاجات فلسطينيي غزة الذين يعيشون اليوم حالة اكتظاظ بل اختناق سكاني. ويقول الخبير الاقتصادي صلاح عبد الشافي ان الوحدات السكنية القائمة، من حيث عددها وحجمها، لا تكفي لمعالجة مشكلة السكن في القطاع. فحاجة فلسطينيي غزة تتطلب توفير السكن الاجتماعي للعائلات ذات الدخل المنخفض. وهناك شريحة كبيرة من الفلسطينيين الذين فقدوا بيوتهم في الانتفاضة وخلال الاجتياحات العسكرية بحاجة لسكن خاص مختلف كلياً عن طبيعة بيوت المستوطنين.
والمشكلة تنطبق أيضاً على المؤسسات والمراكز القائمة في هذه المستوطنات بحيث لا يمكن ان تكون بديلاً لمدارس الفلسطينيين او مراكز تربوية مما يجعل مشكلتها مكملة لمشكلة البيوت ومصيرها. وقد نوقشت اقتراحات كثيرة على مدار اشهر طويلة، منذ الاعلان عن خطة الانسحاب، وضرورة هدم بيوت المستوطنين او الحفاظ عليها واستخدامها للفلسطينيين، لكن من دون الوصول الى نتيجة.
احد الاقتراحات المطروحة هو بيع البيوت القائمة في المستوطنات بقيمتها السوقية لمن يستطيع دفع ثمنها، واستخدام العائدات لبناء مساكن لذوي الدخل المنخفض. ويقول عبدالشافي ان مثل هذا الاقتراح غير مقبول اذ لا يوجد اي سبب منطقي لاستخدام قيمة المنازل الحالية في المستوطنات لاسكان ذوي الدخل المنخفض. فهؤلاء يجب ان تكون لهم خطة اخرى تساعدهم على حل مشكلاتهم فيما يكون الحل الافضل لاستخدام هذه المناطق التي سيتركها المستوطنون لتطوير مشاريع سياحية مستقبلية باعتبار ان هذه المناطق هي الافضل في قطاع غزة. وسيساعد تحويل المساحات الشاسعة من الاراضي القائمة عليها المستوطنات في توسيع المناطق السكنية الفلسطينية والحدود البلدية خصوصاً في مناطق المركز: خان يونس ودير البلح ورفح وبيت لاهيا.
وعن اهمية اخلاء هذه الاراضي وتأثيرها على الانتعاش الاقتصادي الفلسطيني يقول عبد الشافي:"لا يمكن ان يؤدي الاخلاء الى انتعاش اقتصادي اذا لم ترافقه اجراءات سياسية جوهرية، خصوصاً في كل ما يتعلق بسياسة الاغلاق والحصار ومنع التجول والحواجز".
وفي تقرير للبنك الدولي تبين في شكل واضح ان من دون تغيير نظام الاغلاق لن يحصل انتعاش اقتصادي في قطاع غزة. ولن يحصل انتعاش اقتصادي ما لم يثق القطاع الخاص بوجود استقرار سياسي وأمني يقود الى الاستقرار الاقتصادي، مع حل مسألة المدخل ونجاح السلطة الفلسطينية حقاً في اصلاح نفسها وتوفير إدارة محترفة وموثوقة لهذه الممتلكات.
المياه وغور الاردن
المستوطنات التي تشملها خطة الانسحاب من شمال الضفة هي سانور وحرميش وكديم وغانيم، وتختلف طبيعة الاستيطان في الضفة عنها في غزة اذ انها اقيمت لاهداف استراتيجية أكثر بهدف السيطرة على الماء وعلى غور الاردن الذي كان خطاً دفاعياً، ثم السيطرة على مدينة القدس وغوش عتصيون وبيت ايل وارئيل والخليل باعتبارها لدى الاسرائيليين"اراضي اسرائيل التاريخية". كما ان الاستيطان حول المدن الفلسطينية له استراتيجية مختلفة. ويقول توفكجي:"ان هذا الاستيطان يهدف الى توسيع العنق الزجاجي في الضفة وغور الاردن في منطقة امنية تمتد من غور الاردن والمنطقة المشرف عليها حتى القدس ومنطقة غوش عتصيون".
وليس صدفة ان يحصر شارون انسحابه من الضفة الغربية بأربع مستوطنات فقط، فهذه المستوطنات باتت تشكل عبئاً على الاسرائيليين وازالتها لا تشكل أي خطر أمني اذ ان سكانها القلائل جداً يعيشون في منطقة محاصرة ببلدات فلسطينية ما يتطلب موازنات خاصة لحمايتهم. فيومياً ترافق وحدة من الجنود المستوطنين الذين يريدون مغادرة المستوطنة ويحرسونهم حتى الابتعاد عن البلدات الفلسطينية والوصول الى شارع رئيسي في بلدة يهودية. كما ان هذه المستوطنات شهدت انخفاضاً كبيراً في عدد مستوطنيها خلال انتفاضة الاقصى وقد تركها ما لا يقل عن خمسين في المئة من سكانها بسبب التوتر الامني وقتل ثلاثة في عمليات المقاومة الفلسطينية . اما مستوطنة سانور فقد أدت انتفاضة الاقصى الى مغادرة سكانها كلياً في العام 2001 مما دفع الجيش الى تحويلها الى معسكر له. وكل هذه الاسباب مجتمعة دفعت شارون الى الانسحاب من هذه المستوطنات فقط، وفي المقابل يواصل تنفيذ مخططه الاستيطاني للاستيلاء على اكبر مساحة ممكنة من الارض الفلسطينية في الضفة والحفاظ على مشاريعه الاستعمارية التي بدأها قبل سنوات طويلة، فمشروعه في العام 1983 كان يهدف لاقامة خطين طوليين: الاول الخط الشرقي وهو جزء من"خطة الون"احد زعماء حزب العمل القدامى، يغئال الون، الذي اعد خطة عرضت باسمه، للسيطرة على نصف الضفة الغربية تقريباً وتم استكماله بخط رقم 80 ويشمل غور الاردن والتلال المطلة عليه، اما الخط الثاني فينشأ مع انجاز جدار الفصل العنصري ويؤدي الى تقسيم الضفة الى خمسة اقسام: أرئيل التي ستكون بمثابة اصبع يمتد في الضفة ثم القدس واقامة شارع يطلق عليه 45، والخليل واقامة شارع رقم 35، وهذه تشكل مشروع المناطق المعزولة المحاطة باسرائيل من جميع الجهات والمرتبطة بممرات تحت السيطرة الاسرائيلية. وبموجب مخطط شارون ستبقى اسرائيل بعد الانسحاب متمسكة بكل المستوطنات في الضفة والتي ستؤدي الى ابقاء 50 في المئة فقط من الارض الفلسطينية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية والباقي تحت السيطرة الاسرائيلية المباشرة وغير المباشرة من مستوطنات وشوارع او محميات طبيعية او معسكرات جيش.
ويقول الدكتور ايمن شاهين ان"اسرائيل ترسم سياستها لضمان أمنها من الدول العربية، وعليه فإنها لن تقدم انسحابات اضافية في الضفة. وليس صدفة ان يقرر شارون الانسحاب من المستوطنات الاربع الواقعة قرب جنين فوجودها وعدم وجودها لا يؤثران على الامن الاسرائيلي. وهذا الهاجس كان الدافع الاساسي لاقامة المستوطنات في الضفة الغربية . فلاسرائيل اهداف استراتيجية في المستوطنات المقامة في الضفة ووفق دراسة وتخطيط. فهناك لجنة وزارية للاستيطان وتضم مثلين من الدفاع والمالية والزراعة والبنى التحتية ما يؤكد ان مشاريع الاستيطان ليست من صنع مجموعات صغيرة وتكتلات هنا وهناك بل هي نابعة من الاهداف الاسرائيلية الاستراتيجية لضمان قوة السيطرة الاسرائيلية".
ويضيف شاهين:"ان اسرائيل عندما تنوي الانسحاب اليوم فلا تفكر بنتائجه بعد سنة او سنتين وانما تفكر في المستقبل البعيد وبقوتها امام احتمال تكتل الدول العربية. صحيح ان هذه الدول اليوم مهشمة ومقسمة لكن حسابات الامن الاسرائيلي تبنى على اساس افضل حالة للدول العربية وامكان الوصول الى وضع تتكتل فيه لمواجهة اسرائيل. وعليه فهي تخطط وتنفذ استيطانها في الضفة سواء في غور الاردن او القدس او ارئيل وتعمل على احاطة البلدات الفلسطينية وتطويقها كسياج امني للدفاع عن نفسها. ومن هنا فان ما تشمله خطة الانسحاب الحالية هو مجرد انسحاب شكلي بل انه يعود بالمصلحة، اولاً وأخيراً على اسرائيل، لانها ستخفف عن نفسها موازنات طائلة خصصتها لعدد قليل من المستوطنين لحمايتهم من دون ان تستفيد من وجود المستوطنات نفسها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.