شقيق الإعلامي عبدالله الفارسي في ذمة الله    الهلال يحدد موعد رحيل ميشيل بعد السوبر لهذا السبب!!    بشكتاش التركي يضغط للحصول على خدمات تاليسكا على سبيل الاعارة    حمدالله يوجه رسالة للشبابيين إبان توقيعه الرسمي        الزي السعودي .. ثقافة عريقة وحضور لافت في أولمبياد 2024    ترامب يرد على مزاعم تشكك بإصابته برصاصة في أذنه    "أخضر الطائرة" يواجه المنتخب الياباني في ربع نهائي البطولة الآسيوية    بنزيما أهدر «ركلة جزاء».. فخسر «الاتحاد» كأس أنطونيو    الهلال يخسر ودية صن داونز الجنوب الإفريقي في ثالث تجاربه بمعسكره الخارجي    القصيم يقصي عسير من الإقليمية    رئيس جامعة الملك فيصل يوجه بزيادة أعداد القبول 30%    جامعة الإمام عبدالرحمن تستقبل 74 ألف طلب التحاق    متسابقو أولمبياد الكيمياء الدولي ينهون الاختبارات العملية والنظرية    السفياني والطويرقي يوحدان الشعبي والفصيح بالفيروز    أمطار غزيرة تتسبب في انهيار جزئي لسد بوسط روسيا    مركز الإذاعة والتلفزيون في جازان يعقد دورة "فن التقديم الاذاعي والتلفزيوني"    القبض على (3) مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم (26.9) كيلوغرام من الحشيش المخدر    رئيس اللجنة الأوليمبية يؤكد ثقته في قدرة سلطات الأمن الفرنسية بعد الهجمات التخريبية    مغني الراب سنوب دوغ يحمل الشعلة الأولمبية    تعديلات إسرائيلية تهدد بنسف «صفقة» غزة    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية بمصر    «أمن الطرق»: (4) وفيات وإصابات جراء حادث مروري بين (13) مركبة على طريق الرين إثر موجة غبار    السديس: تجنبوا التباهي بالأعراس بمواقع التواصل    كشف فحوى مكالمة زيلينسكي.. ترمب يشدد على إنهاء حرب أوكرانيا    Instagram تسمح بإضافة ملاحظات على Reels    أنواع صداع لا تتجاهل أعراضها    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    الخريف يبحث في البرازيل تعزيز التعاون في مجال استكشاف المعادن بالمملكة    الراجحي يستعرض جهود المملكة في تمكين المرأة    الأرصاد: الأمطار تتواصل على 5 مناطق    "أوبن إيه آي" تختبر محرك بحث ينافس "جوجل"    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2374.14 دولارا للأوقية    400 حقيبة إيوائية لنازحي الدمازين    «بودي جارد» مشاهير «السوشال ميديا»    TCL تكشف النقاب عن «مهرجان نمط الحياة العصري»: أول حدث ترفيهي خاص وأفضل مكان للاسترخاء مع العائلة خلال موسم الصيف    الذهاب للعمل بالدراجة يقلل احتمالات الوفاة %50    5 أساليب لتهدئة الغضب    «هاريس» هل تكون الرصاصة القاتلة لترمب؟    «صح» هو الصح!    ما أحد طلب رأيك    الشكل والأخلاق    الصحة: قرارات التجمعات الصحية تحت إشراف المجالس التأسيسية    قررت أن أصبح طبيبة !    جائزة القلم الذهبي للرواية من هيئة الترفيه    الله الله يا بلادي    رئيس لجنة الأديان بمقدونيا: السعودية بلاد حضارية تصدر ثقافة التسامح والسلام    نائب أمير المدينة يدشن فعاليات اليوم العالمي للكبد الوبائي    8 تحديات تواجه اقتصاديات الإعلام    الصحة تؤكد التوثيق الإلكتروني لشهادات تطعيمات الأطفال الورقية    "الأمر بالمعروف" في الباحة تفعِّل المنصة التوعوية بمتنزه غابة رغدان    نائب أمير الشرقية يستقبل أمين المنطقة    فيصل بن مشعل يستقبل امين مجلس القصيم والقائم بأعمال محافظ محافظة عنيزة    فرسان الإرادة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ جابر دعيج الصباح    أمير الشرقية يستقبل القاضي القريشي    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    ولادة 4 أشبال للفهد الصياد المنقرض منذ 40 عاماً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معالجات المسألة الثقافية بين قرنين
نشر في الحياة يوم 10 - 03 - 2005

زاد الاهتمام بالمسألة الثقافية بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، وتكرر الحديث عن ضرورة احداث تغييرات ثقافية واسعة في منطقتنا العربية في القرن ال21، وطرحت أميركا من أجل تحقيق تلك الغاية"مبادرة الشراكة الأميركية ? الشرق الأوسطية"، و"مشروع الشرق الأوسط الكبير"الذي تبنته الدول الصناعية الكبرى الثماني. وتضمن المشروعان توجهات نحو احداث تغيير في كل تفريعات المسألة الثقافية في منطقتنا من مناهج واعلام ولغات وطرق تربية ومدارس وخطاب ديني الخ... واستهدفا اقامة ورش عمل للتدريب على العمل الديموقراطي، والممارسات الانتخابية والنقابية، واعتمدا تعميم ثقافة حقوق الانسان وحرية المرأة، ورصدا أموالاً للإنفاق على مراكز التدريب والتعليم والورش والمؤتمرات والدعاية المرتبطة بهما.
والسؤال الآن: هل الاهتمام بالمسألة الثقافية أمر جديد على المنطقة؟ الجواب: لا، بل هو قديم منذ القرن التاسع عشر. اذ كتب رفاعة رافع الطهطاوي، وهو أول مَعلَم من معالم النهضة بالمسألة الثقافية، رسالته المشهورة"المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين"في صدد الحديث عن التعليم والتربية والمدارس، وأنشأ داراً لترجمة جانب من التراث الفرنسي الذي اطلع عليه.
وأكدت سيرة محمد عبده 1905 أبرز رموز النهضة أيضاً الاهتمام بالمسألة الثقافية، اذ كتب مذكرتين في اصلاح التعليم قدم احداهما الى شيخ الإسلام في استنبول، والثانية الى اللورد كرومر في مصر، وكتب رسالة في اصلاح الأزهر تناولت المدرسين ونظام التدريس والامتحان وكتب التدريس ورواتب المدرّسين الخ... وقدم هذه الرسالة الى مجلس ادارة الأزهر الذي أصبح عضواً فيه، وكتب مذكرة في اصلاح المحاكم الشرعية، كما وضع لائحة لإصلاح المساجد وقدمها الى مجلس الأوقاف لاقرارها والعمل بها، وأنشأ جمعية احياء الكتب العربية افتتحها بطباعة كتاب"المخصص"لابن سيده الخ... وألّف محمد عبده كتباً عالجت مختلف النواحي الثقافية والدينية، منها"رسالة التوحيد"التي عالجت الجانب العقائدي في تراث الأمّة، و"تفسير المنار"الذي عالج التقريب بين الغيب الديني والمادية الغربية وغيرهما.
ثم زاد الاهتمام بالمسألة الثقافية بعد الحرب العالمية الأولى اثر التغييرات الكبيرة التي مرّ بها العالم العربي. ويمكن ان نمثّل على ذلك بطه حسين الذي ألّف كتاباً خاصاً عن الثقافة اثر اعلان استقلال مصر عام 1936، سماه"مستقبل الثقافة في مصر"وتحدث فيه عن التعليم، واللغات الأجنبية، وواجبات المعلّم، وواجبات الدولة تجاه المعلّم والأزهر واللغة العربية والعلوم الدينية الخ.... ثم تسلم وزارة المعارف في كانون الثاني يناير عام 1950، واستمر وزيراً حتى كانون الأول عام 1952، وكانت فرصة لتطبيق رؤاه الثقافية. وبالفعل من أشهر أعماله أثناء توليه الوزارة، حرصه على تعميم التعليم وتوسيع دائرة المتعلمين.
خلاصة القول: ان الاهتمام بالمسألة الثقافية قديم، وساهم في طرح مشكلاتها ووضع الحلول لها كل رموز النهضة، ومع ذلك فإن النتائج كانت مخيبة للآمال على مستوى العالم العربي: أمية متفشية بلغت 70 مليوناً في العالم العربي، وعدد الاختراعات والابتكارات محدود، والمراكز البحثية محدودة، والكتب المترجمة من اللغات الأخرى الى العربية قليلة بالمقارنة مع ترجمات دولة كاليونان، والكتب المؤلفة قليلة بالمقارنة بالكتب المؤلفة في دولة مثل اسرائيل.
لماذا جاءت النتائج بهذه الصورة مع الاهتمام الواسع المستمر بالمسألة الثقافية خلال القرن الماضي؟ لا يكمن النقص والخطأ في الاهتمام بالمسألة الثقافية ومعالجته، ولكن في رؤية الواقع البشري والاجتماعي والنفسي والعقلي المرتبط بالمسألة الثقافية، والاجابة الخاطئة عن أسئلة من مثل: من هو الإنسان الذي نتجه اليه لمعالجة مشكلته الثقافية؟ ومن هو المجتمع الذي نخاطبه؟
ونأخذ مثالاً على ذلك طه حسين وكتابه"مستقبل الثقافة في مصر". اذ تحدث في بداية الكتاب عن العقل المصري وقرر انه متصل بالعقل الأوروبي، وانه ليس هناك فارق جوهري بينهما، وان الشعب المصري متأثر بشعوب البحر الأبيض المتوسط، واعتبر ان الإسلام لم يخرج مصر عن عقليتها الأولى، وأن رضا مصر عن الفتح الإسلامي لم يبرأ من السخط، ولم يخلص من الثورة والمقاومة، وأنها لم تهدأ ولم تطمئن الا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في ظل ابن طوسون، وفي ظل الدول المختلفة التي قامت بعده. ويتصل هذا الكلام اتصالاً وثيقاً بوجهات نظره الأخرى التي عبّر عنها في منابر أخرى سياسية وأدبية وثقافية، اذ دعا فيها الى القومية المصرية الفرعونية، واعتبر ان الشعب المصري يشكّل"أمّة مصرية"مستقلة، كما اعتبر ان مصر هي"الوطن المصري".
لا نريد ان نناقش وجهات النظر السابقة ومدى خطأها وعدم صوابيتها، ولكن نشير الى ان هذا هو أحد الأسباب الرئيسة الذي جعل الخطط الثقافية لا تنجح ولا تعطي ثمارها، اذ كيف تنجح ونحن لم نعرف ذاتنا معرفة صحيحة؟ فكيف يكون الشعب المصري"أمة مصرية"بالمعنى الفرنسي للأمة التي تعتمد العوامل الجغرافية في تكوين الأمة وليس جزءاً من أمة عربية اسلامية؟ وكيف تكون مصر"وطناً"بالمعنى الأوروبي لكلمة"الوطن"وليست جزءاً من الوطن العربي الاسلامي؟ وكيف لم يخرج الاسلام"العقل المصري"عمّا كان عليه قبل الاسلام ونتجاهل كل الآثار الثقافية والعلمية والتربوية والفنية التي تركها الإسلام في واقع الحياة المصرية؟
هذه العوامل جعلت معالجات المسألة الثقافية في القرن العشرين لا تعطي ثمارها ونتائجها الصحيحة، فهل تتجنب المعالجات في القرن الحادي والعشرين تلك الأخطاء؟ الملاحظ ان معالجات المسألة الثقافية في القرن الحادي والعشرين، تقع في الخطأ بل ربما في خطأ أسوأ، فهي تنظر الى المنطقة على انها جغرافيا ممتدة فارغة تريد ان تملأها بالمضمون الثقافي الذي تريده، وهي توسعها مرة كما في"مشروع الشرق الأوسط الكبير"، فتجعلها ممتدة من باكستان الى المغرب مروراً بأفغانستان وايران وتركيا واسرائيل، وتضيقها مرة أخرى لتجعلها ممتدة من ايران الى المغرب كما في التعديلات الأوروبية له.
ان تلك الرؤية للواقع البشري تشير الى اننا لم نستفد من كل التجارب السابقة في القرن العشرين، والى اننا ربما سننتهي الى نتائج أسوأ في معالجات المسألة الثقافية في القرن الحادي والعشرين.
كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.