عرفت الهندباء منذ آلاف السنين وكان لها صيت واسع وسمعة طيبة كغذاء ودواء وخاصة لأولئك الذين يعانون مشكلة في أكبادهم وضعفاً في اجسادهم، الا ان سمعة هذه النبتة تهاوت الى الحضيض في القرن السابع عشر وبالتحديد ما بين العام 1670 والعام 1690 على أثر وفاة الأميرة البريطانية"هنرييت"بعد تناولها كأساً من مغلي الهندباء فكانت ان حلت اللعنة عليها وعزف الأطباء والصيادلة عن وصفها لمرضاهم مع أن لا ناقة للهندباء ولا جمل في وفاة الأميرة المذكورة. بعد وفاة الأميرة بعشرين سنة أي في العام 1690 استعادت الهندباء هيبتها و"كرامتها"وشعبيتها، وكان الهولنديون السباقين في اعادة السمعة الممتازة لها فاهتموا بها وجعلوا منها صناعة دوائية رائجة بقي سرها حكراً عليهم الى ان أفشى به احد خدم الأمير"شفارتزبورغ - سونديرهاوزين"لاحدى الصحف ومنذئذ لم يعد سر صناعة الهندباء خافياً فانتشرت المعامل التي تهتم بتصنيعها في كل أنحاء أوروبا وخصوصاً فرنسا وايطاليا والمانيا وبلجيكا. ان أهمية الهندباء تأتي في الدرجة الأولى من مادة الاينولين المستخلصة من جذوره، اذ انها تخلق الظروف الملائمة للمستعمرات الجرثومية المفيدة الموجودة في الأمعاء التي تلعب دوراً مهماً في وضع حد لبعض المشكلات الهضمية. وفي العام 2000 أصدرت منظمة الأمن الغذائي والدوائي الفرنسية توصية باعتماد الاينولين على هذا الصعيد ولكنها حددت شرطين رئيسين في شأن استعماله: الأول هو ألاّ تقل الجرعة اليومية منه عن تسعة غرامات، أما الشرط الثاني فهو عدم تجاوز جرعة العشرين غراماً يومياً والا انقلب السحر على الساحر اذ ان شاربها قد يقع في مطب عدد من المشكلات الهضمية المزعجة. بعض التجارب التي نفذت على الحيوانات ذكرت ان مادة الاينولين ساعدت على تخفيض شحوم الدم، الا ان الأبحاث السريرية على الانسان جاءت بنتائج متناقضة وقد يكون هذا راجعاً الى فارق الجرعة المستخدم في كلا الطرفين. فتلك التي أعطيت للحيوان كانت أعلى بكثير من تلك التي اجترعها الانسان. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، نوهت بعض الأبحاث التي نفذت في المختبر بأن مادة الاينولين قادرة على وضع حد لنمو الخلايا الورمية في سرطان الدم كما انها تقف عقبة كأداء أمام تأكد مادة الكوليسترول السيئ LDL بحيث يحول دون ترسبه وتكدسه على بطانة الشرايين الداخلية. وتعد الهندباء من النباتات الفاتحة للشهية فهي تشجع على تناول الطعام وتساعد على تنشيط الكبد الخمول بحيث تتدفق عصاراته الصفراوية بيسر وسهولة وتكون أكثر صفاء ونقاء، وفي بعض التجارب التي أجريت على الحيوان وجد العلماء ان الهندباء مفيدة جداً في مواجهة السموم التي تحاول النيل من الكبد. وتملك الهندباء صفة منشطة لكل وظائف الجسم فهي تساعد على تحسين"العلاقات الديبلوماسية"بين الخلايا والأعضاء وهذا من شأنه تسهيل مرور وتبادل المركبات الكيماوية على مختلف أنواعها وأشكالها وألوانها. وتعطي الهندباء زخماً وقوة لنشاط الجسم بفضل غناها بمعدن الحديد المفيد في تصنيع كريات الدم الحمراء التي تمثل عصب الحياة. والهندباء تملك تأثيرات ناعمة لطيفة في الجهاز العصبي لخلوها من المخرشات، كما تعتبر علاجاً جيداً لإدرار البول وهذا ما يشجع على الخلاص من المركبات السامة التي تحاول التكدس في الجسم لإلحاق الأذى به، وهناك من يستعين بالهندباء في مكافحة الإمساك لأنها تملك فعلاً محرضاً ومنشطاً للحركات المعوية وهذا ما يسهم في دفع الفضلات البرازية ومنعها من البقاء طويلاً في الانبوب الهضمي لئلا تحدث التخمرات التي ينجم عنها الكثير من المركبات الضارة وغير المفيدة. وفي النهاية بقي علينا ان نلفت الأنظار الى تحذيرين: الأول موجه للمصابين بالحساسية لأخذ حذرهم منها لأنها قد تكون مثيرة لها، أما التحذير الآخر فهو لأولئك الذين يشكون من حصوات في المرارة. فالهندباء منشطة لإفراز مادة الصفراء وهذا ما قد يدفع باتجاه نشوب عاصفة قولنج مرارية كبدية قد تجعل صاحبها يعاني الأمرّين...