"حيّد عن الجيش يا غبيش"، أغنية شعبية فلسطينية شهيرة، كثيرون لا يعرفون حكايتها التي تتحدث عن غبيش وحسناء، وهما حبيبان فلسطينيان كانا يعيشان في الأردن في فترة الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية. وكان رفض أسرة حسناء الأرستقراطية لزواجهما، بسبب فقر الشاب، دافعاً للتفكير بالتسلل إلى فلسطين، ما جعلها عرضة لنيران القوات البريطانية. فكانت حسناء، وطوال الطريق تحذره بقولها:"حيّد عن الجيش يا غبيش"، أي احذر من أي تماس مع جيش الانتداب كي لا نقع فريسة نيرانه. وتسعى فرقة"شهريار"التي أسسها عدد من فناني الجليل حيفا، شفا عمرو، مجد الكروم، كفر ياسيف، وعكا، داخل الخط الأخضر، قبل عشر سنوات، إلى البحث عن الأغنية الشعبية الفلسطينية، والعمل على تطويرها ونقلها إلى الأجيال الجديدة، بهدف"حمايتها من الاندثار"، من أجل"الحفاظ على الهوية الفلسطينية، وتقريب التراث الموسيقى المحلي من الأجيال الشابة التي تتعرض للكثير من الأنماط الموسيقية، معظمها تجاري مستورد". وللفرقة في رمضان، برنامجها الخاص، والذي يركز على تقديم الموشحات الدينية والمدائح النبوية والإنشاد الصوفي اضافة الى أغان دينية سبق أن غناها مطربون عرب كأسمهان، ومحمد قنديل وغيرهما، بينما هي في العادة تقدم جميع أنواع الغناء العربي الكلاسيكي الموشحات، والقدود، والسمعيات واللونغات، وغيرها. وتقدم الفرقة في أمسيات خاصة، الأغنية الشعبية الفلسطينية في قالب جديد. إذ تتحدث عن حكاية كل أغنية، وتعمل على تطوير بعض الأغاني موسيقياً بما يتناسب مع روح العصر، ومن دون المس بالروح الأصلية للأغنية. ويقول صالح حيدة، مدير الفرقة:"المهم في الأمر هو أن تعيش هذه الأغاني باستمرار، وتنتقل من جيل إلى جيل، بما يكفل حالة من التواصل بين الأجيال الفلسطينية، عبر الموسيقى والأغنية... الأمر بالنسبة الينا لا يتمحور على الحفاظ على الهوية فحسب، بل نقلها إلى الأجيال الفلسطينية الشابة، أينما كانت". ويلفت حيدة إلى أن المعاناة الكبرى التي يعيشونها كفنانين فلسطينيين يحملون جواز السفر الإسرائيلي، هي الطريقة التي تتعاطى معهم فيها معظم الدول العربية كإسرائيليين، ما يحول دون استضافتهم في الكثير من المهرجانات والأمسيات. في حين يتم تضييق الخناق عليهم من السلطات الإسرائيلية، لاعتبارات تتعلق بهويتهم الفلسطينية، من باب"كيف تقولون عن أنفسكم أنكم فلسطينيون، وأنتم تحملون جنسية دولة إسرائيل"... ويتابع:"نحن نعاني بسبب قرار خرج به آباؤنا وأجدادنا بالصمود في أرضهم، وعدم الرحيل عنها. فعلى رغم من مشاركة الفرقة في الكثير من المهرجانات العربية، إلا أن هذه المشاركات لم تحظ بالاهتمام والتغطية الإعلامية الكافية، وربما كان ذلك متعمداً، خشية الاتهام ب"التطبيع"! ويعمل معظم أعضاء الفرقة، التي أحيت أخيراً حفلةً في قصر رام الله الثقافي نظمته بلدية رام الله، في تدريس الموسيقى، وفي تشكيلات موسيقية أخرى، بهدف تأمين الدخل اللازم، خصوصاً أن عملهم"ما بطعمي عيش"، كما هي حال معظم الفرق في الداخل، بما في ذلك"فرق الأعراس". وعن صعوبة انتشار هذا النوع من الغناء الذي تقدمه فرقة"شهريار"، يقول حيدة:"نحن نخوض معارك حقيقية في هذا الاتجاه، ليس ضد الأغنية الحديثة، أو الفيديو كليب الملتزم، بل ضد الأغنية التي لا معنى لها، وضد الفيديو كليب الذي يتنافى مع أخلاقنا العربية، ويركز على الإغراء والابتذال... نحن نؤمن أن استمرارية من يقدم الفن بمحبة وصدق، ستكون أكبر من هؤلاء الذين يعتمدون على التعري، وإن حصدوا نجومية زائفة وموقتة، وجمعوا أموالاً كثيرة في أوقات قياسية، كما يحدث على الساحة العربية هذه الأيام". وتحلم فرقة"شهريار"، التي تقدم البرنامج الموسيقي التراثي الفلسطيني في المدارس الفلسطينية، بتقديم اسطوانة تضم أعمالاً خاصة بها، لكن قلة الإمكانات المادية تحول دون ذلك. يقول:"إذا توافر الدعم اللازم لذلك، أعتقد بأننا لن نتأخر في إصدار اسطوانة بالتأكيد سيكون لها طابعها الخاص... الاسطوانة تتكلف كثيراً، ونحن لا نملك الإمكانات اللازمة لذلك". يشار إلى أن الفرقة تضم عدداً من أهم العازفين في الداخل الفلسطيني، بينهم عازف الناي محمد أبو النايات وعازف الكمان فضل مناع وعازف الأورغ فيصل خليلية، وعازف الإيقاعات حازم حمودة، والمطربان محمد الشيخ وياسمين، إضافة إلى مدير الفرقة الذي يعزف على الطبلة.