شكلت الحملة التي شنها الرئيس بن علي أول من أمس على انتقادات عواصم غربية لأوضاع حقوق الإنسان في بلده أعنف سجال بين الجانبين منذ نهاية أعمال قمة المعلومات التي استضافتها تونس أواسط الشهر الماضي. وشملت الانتقادات موقف أميركا من دون تسميتها على خلفية تصريحات أدلى بها السفير ديفيد كروس رئيس وفدها للقمة واعتبر فيها أن تونس لم تحقق إنجازات في المجال السياسي تضاهي ما أنجزته في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. وقال بن علي في خطاب ألقاه أول من أمس لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان"قد يبدو للبعض أن التقدم الاقتصادي والاجتماعي كان أسرع نسقا وأوضح نتائج من التقدم السياسي والديموقراطي، لكن في ذلك خطأ في التقويم". واعتبر أن تلك الانتقادات تعكس"تجاهلا للواقع لأن صون حقوق الإنسان وتوسعة مجالات حرية الرأي والتعبير بدل حرية الشتم وهتك الأعراض والفوضى من دون اعتبار للأخلاق الحميدة والقانون، هي جميعها ثمار جهد مستمر لم نتوقف عن بذله". وحذر العواصم الغربية التي انتقدت الأوضاع في تونس من دون أن يذكرها بالإسم من أن"التسرع في الإصلاحات يؤول إلى قفزة في المجهول قد تؤدي لعودة التطرف والعنف والصراعات الطائفية المدمرة"، في إشارة إلى المجابهة مع حركة"النهضة"الإسلامية المحظورة في مطلع التسعينات. ودافع عن المشهد الإعلامي الراهن رداً على تقارير سلبية وزعتها منظمات مختصة بالدفاع عن حرية الصحافة أثناء قمة المعلومات، مؤكداً أن"حرية التعبير والإعلام والحصول على الخبر والمعلومة في تونس تشكل اليوم بعداً واضحاً من أبعاد المشهد الوطني للحياة العامة". إلا أن بعثة"مجموعة حرية التعبير الدولية"أيفاكس التي زارت تونس مرتين خلال العام الحالي اكدت في تقريرين منفصلين رفعتهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أن الحريات الصحافية في البلد لم تعرف تدهوراً مماثلاً لحالها الراهنة. وطاول الجدل مسؤولين فرنسيين في مقدمهم وزير الخارجية دومينيك دوست بلازي الذي طلب من السلطات التونسية أخيرا إلقاء الضوء على اعتداء تعرض له موفد صحيفة"ليبيراسيون"إلى تونس كريستوف بولتنسكي قبيل قمة المعلومات. وأوضح بن علي أن هكذا حالات"لا تمثل شيئا يُذكر عندما نعلم أن ما يناهز ثلاثين ألف مشارك بينهم أكثر من ألف صحافي تابعوا فعاليات القمة". ورأى أن"نجاح القمة ينبغي أن لا تغرقه الدعاية حول حالات تعد على أصابع اليد الواحدة ولا علاقة للسلطات العمومية بها وهي اليوم من عمل القضاء". يُذكر أن مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي بنيتا فريرو فالدنر اتهمت في خطاب ألقته في اجتماع إعلامي على هامش قمة برشلونة الأورومتوسطية"عناصر من الأمن يرتدون الزي المدني"بالاعتداء على بولتنسكي. ولوحظ أن بن علي تحدث للمرة الأولى علنا عن الإضراب عن الطعام الذي شنته ثماني شخصيات عامة الشهر الماضي لطلب سن عفو عام وتكريس حرية التعبير وإطلاق تأسيس جمعيات وأحزاب، معتبرا الحركة"محاولة للفت نظر الإعلام الدولي لما يزعمه بعض الأفراد من مغالطات". لكنه شدد على كونهم"مارسوا أعمالهم بكل حرية وأمان في ظرف عالمي يعلم الجميع دقته".