تعاطت تونس اعلامياً مع القمة المجهضة مثلما تتعاطى مع الشؤون المحلية، أي من دون تسهيل الوصول الى مصادر الأخبار، اذ منع الاعلاميون من دخول القاعة التي كان يجتمع فيها الوزراء فاكتفوا بالمؤتمرات الصحافية التي أعطيت خلالها معلومات شحيحة. ولوحظ أن الاعلام المحلي لم يتمكن من فتح الباب أمام حوارات تشارك بها وجوه من النخبة السياسية والجامعية التونسية للاستئناس بآرائها وشدّ اهتمام الرأي العام الى الحدث الكبير الذي كان البلد يتهيأ لاستضافته. كذلك امتنع التلفزيون أسوة بتعاطيه مع الملفات الداخلية، من اقامة ندوات أو استضافة معلقين مستقلين في نشرات الأخبار. وطبعاً استخدمت غالبية الصحف الأسلوب نفسه ما جعل البيانات الرسمية الزاوية الوحيدة التي ينظر الرأي العام من خلالها لتطور الأحداث قبل ارجاء القمة وبعده... لولا الفضائيات التي زادت وتيرة متابعتها في الأيام الأخيرة. أكثر من ذلك لم تنشر الصحف المحلية أمس سطراً واحداً عن"قمة المجتمع المدني"التي أقامتها منظمات أهلية عربية بمبادرة من المعهد العربي لحقوق الانسان، فيما أولتها الاهتمام اذاعات أجنبية وفضائيات عربية كونها في مثابة"قمة مضادة"، وهو تقليد بات متعارفاً عليه في المجتمعات الديموقراطية. وتزامنت تلك القمة الموازية مع نزول شخصيات ونشطاء من عشر جمعيات أهلية وخمسة أحزاب الى الشارع للمرة الأولى لاقامة تجمع سلمي أمام مبنى الاذاعة والتلفزيون من أجل المطالبة بحرية الاعلام. وعطفا على الخطاب الديموقراطي الذي اعتمدته الحكومة منذ زيارة الرئيس بن علي الأخيرة لواشنطن كان يفترض الترخيص للمجتمع المدني بهكذا مبادرات كونها لا تخل بالأمن العام وتظهر حيوية الجمعيات الأهلية التي لها تاريخ عريق في تونس، خصوصاً رابطة حقوق الانسان التي كانت الأولى التي أبصرت النور في العالم العربي. وكان متوقعاً أن يؤدي تصدي الأمن للمبادرة الى توحيد الأطراف المنظمة لها وهذا ما حصل فعلاً اذ تناست خلافاتها وجلست حول مائدة واحدة لتوجيه الاتهام الى الحكم بالحؤول دون ممارسة حقوق دستورية. والطريف أن"جمعية النساء الديموقراطيات"المستقلة والتي تفاخر السلطات بكونها منحتها اجازة العمل الشرعي منذ السنة 1988 تخلت عن رفضها التاريخي للعمل مع المعارضة وانضمت الى"مبادرة حرية الاعلام"، كونها من ضحايا التعتيم الاعلامي هي الأخرى، على رغم أن اظهار نشاطها على السطح يقوي الخطاب الحداثي للسلطات. ومع استضافة تونس الشوط الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات المقررة في خريف العام المقبل، فضلاً عن القمة العربية التي كانت ستستضيفها مطلع هذا الأسبوع، كان مفترضاً أن ينحو الاعلام المحلي منحى ينفس الاحتقان ويتيح للنخب فضاءات تعبير جديدة ويقدم للرأي العام الخبر والتعليق اللذين يبحث عنهما في الفضائيات والاذاعات الخارجية. وما لم تقطع هذه الخطوة ستبقى العلاقات بين الدولة والمجتمع المدني مليئة بالشكوك والتحفظات. وهذا يعني أن تسوية ملف حرية الاعلام هو مفتاح ممارسة الحقوق السياسية وتنفيذ الاصلاحات الهيكلية التي بدا أن تونس اقتبستها من مشروع"الشرق الأوسط الكبير"... وتبنتها أخيراً. ومن المفارقات اللافتة أنها التزمت الصمت لدى اعلان واشنطن مبادرتها ولم تظهر حماسة لها، لا بل ان وسائل الاعلام القريبة من الحكومة وجهت اليها انتقادات لاذعة قبل أن يحمل بيان تأجيل القمة العربية اعتماداً شاملاً لمفاهيمها ومصطلحاتها ان بالتلميح أو بالتصريح، لكنه اعتماد لايتجاوز العناوين.