النزاعات والرسوم الجمركية وأسعار النفط تؤثر على توقعات اقتصاد دول الخليج    ميزانية السعودية تسجل 263.6 مليار ريال إيرادات    12024 امرأة يعملن بالمدن الصناعية السعودية    ممنوع اصطحاب الأطفال    تركي بن هذلول: خدمة الحجاج شرف خصه الله بالمملكة حكومةً وشعبًا    ارتفاع حاد في أسعار الذهب مع تجدد المخاوف من الحرب التجارية    "الدعم السريع" يلجأ للمسيّرات بعد طرده من الخرطوم ووسط السودان    السيطرة والبقاء في غزة: أحدث خطط الاحتلال لفرض الهيمنة وترحيل الفلسطينيين    عبدالعزيز بن طلال يعرب عن الاعتزاز بالالتزام العربي بقضايا الطفولة والمجتمع المدني    كييف: 200 اشتباك مع القوات الروسية    الهند وباكستان تصعيد جديد بعد هجوم كشمير    نائب وزير الخارجية يلتقي سفير نيبال لدى المملكة    القيادة تهنئ ملك هولندا بذكرى يوم التحرير    حرس الحدود يختتم معرض "وطن بلا مخالف" في جازان    وزير الداخلية يدشن مشروعات متطورة في المدينة المنورة    وزارة التعليم وموهبه تعلنان انطلاق أولمبياد الفيزياء الآسيوي    مسيرة «البدر».. أمسية ثقافية بجامعة الملك سعود    المملكة تختتم مشاركتها في معرض مسقط الدولي للكتاب    انطلاق فعاليات منتدى «العمارة والتصميم» في الظهران    أمير الجوف يدشن مدينة الحجاج والمعتمرين    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي نائب رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا    العشاء: عادة محببة أم عبء اجتماعي؟    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس جمعية أصدقاء لاعبي كرة القدم    علاج أول حالة ارتفاع دهون نادرة في جازان    احتفالية ضخمة تنتظر الأهلي في موسم جدة    1.2 مليون زائر لمعرض جسور في جاكرتا    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    ختام أول بطولة ملاكمة مفتوحة للأساتذة    جمعية أصدقاء البيئة تبرز جهودها في ملتقى "وطن أخضر.. غَدُهُ مستدام" بجامعة الإمام عبدالرحمن    محافظ صبيا يتفقد الاستعدادات لمهرجان المانجو والفواكه الاستوائية في نسخته ال21    وزير الرياضة يستقبل فريق الأهلي بعد تحقيقه اللقب الآسيوي    إنهاء معاناة طفل من جلطات دماغية متكررة بسبب مرض نادر    أمير منطقة الجوف يلتقي أهالي محافظة دومة الجندل    النصر ينضم لسباق كارلو أنشيلوتي    دوري يلو.. مواجهات حاسمة في صراع "البطاقة الثانية"    زوجان بنجلاديشيان .. رحلة من أمريكا إلى مكة المكرمة    مستشفى النعيرية العام يحتفي باليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية    إطلاق مبادرة المترجم الصغير بجمعية الصم وضعاف السمع    من جيزان إلى الهند.. كيف صاغ البحر هوية أبناء جيزان وفرسان؟    رياح نشطة على معظم مناطق المملكة    عادة يومية ترفع معدل الوفاة بسرطان القولون    سعد البريك    القيادة الملهمة.. سرّ التميّز وصناعة الأثر    أسرة عصر وأرحامهم يستقبلون المعزين في مصطفى    الأمير سعود بن جلوي يتفقد مركز ذهبان ويلتقي الأهالي    صناديق الاقتراع ورسائل الأمن.. مساران لترسيخ الشرعية والسيادة.. لبنان يطلق الانتخابات البلدية ويحكم قبضته على «صواريخ الجنوب»    العراق.. 10 أيام إضافية لتسجيل الكيانات الانتخابية    عندما يصبح الهجوم على السعودية سلعة مربحة    انطلاق المعرض العائم اليوم في جدة.. 60 مليار ريال سوق «الفرنشايز» في السعودية    الرفيحي يحتفي بزواج عبدالعزيز    بحضور شخصيات من سلطنة عمان.. عبدالحميد خوجه يحتفي بضيوف ديوانيته    شيجياكي هينوهارا.. كنز اليابان الحي ورائد الطب الإنساني    "الغذاء" تسجل دراسة لعلاج حموضة البروبيونيك الوراثي    الشاب خالد بن عايض بن عبدالله ال غرامه يحتفل بزواجه    «حقوق الإنسان» تثمّن منجزات رؤية 2030    "المنافذ الجمركية" تسجل 3212 حالة ضبط    أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة العدل بالمنطقة    تخريج 331 طالبًا وطالبة من جامعة الأمير مقرن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريطة بائسة لمنطقة بائسة ... من منصة الأمم المتحدة
نشر في الحياة يوم 24 - 09 - 2004

كلام وزير الخارجية الأميركي كولن باول عن سورية وايران قبل يومين كلام لافت للانتباه. فدمشق غير مرشحة الآن لتغيير النظام فيها طالما انها تنجح في الاختبار والامتحان سيما في العراق، كخطوة أولى، من خلال آلية التعاون الأميركي العراقي السوري على الحدود وفي ميدان الاستخبارات. اما طهران فانها تحت سوطي العقوبات والعمليات العسكرية لأن واشنطن، حسب باول، ماضية بالعمل الديبلوماسي والسياسي انما دون حذف أي خيار آخر من المعادلة وهي لن تردع اسرائيل عن ضربة استباقية للمفاعل النووي الايراني كما سبق وفعلت اسرائيل في العراق. الرئيس جورج بوش لم يذكر في خطابه أمام الجمعية العامة ايران أو سورية لكنه أبلغ العالم أجمع ان افغانستان والعراق"سيكونان النموذج للشرق الأوسط الأكبر"، قافزاً تماماً على الواقع وعلى ذكاء أي فرد يشاهد ما يحصل في أفغانستان والعراق في طريقهما الى ان يكونا"النموذج"الموعود. قال ان عهد الموافقة الاميركية الضمنية على الاضطهاد باسم الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط ولّى، مؤكداً بذلك الانطباع عن التوجه الأميركي الجديد الذي لا يتخذ الاستقرار في الشرق الأوسط ركيزة له وانما يريد هزّه باسم الاصلاح والحرية لاسقاط أنظمة وحماية نظام، وأهم نظام يريد جورج دبليو بوش حمايته للأربع سنوات المقبلة هو النظام الاسرائيلي. وهو يريد حمايته ليس فقط من الاعتداء وانما من السلام اذ قال ان اثبات الالتزام بالاصلاح الديموقراطي العربي أمر أساسي كشرط مسبق لحل النزاع العربي الاسرائيلي. فوجه بذلك صفعة مؤلمة للاصلاحيين العرب الذين يتحدث السيد بوش دوماً عن ضرورة مساندتهم والذين لطالما حاربوا كلاً من الاتجاهين: وضع الاصلاح رهينة حل النزاع العربي الاسرايلي، ووضع حل النزاع العربي الاسرائيلي رهن اتمام الاصلاح العربي والوصول الى ديموقراطيات.
رسالة جورج دبليو بوش للعرب من المنصة الدولية كانت واضحة:"أولا، لم يعد الاستقرار ركيزة للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ثانياً لم يعد هناك دور أو مكان للمنظمات أو للمحاور الاقليمية وانما الأمر الآن بات محصوراً تماماً في العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية. ثالثاً، لا شيء مضمون بل كل شيء رهن الاختبار قبل اتخاذ القرار لجهة الموافقة على بقاء نظام عربي، أو العمل المكثف على ازالته، أو الاستراتيجية التدريجية الواقعة بين القبول به اليوم باستمرارية موقتة الى أن يأتي غد بنظام جديد. رابعاً، لا سلام مع اسرائيل قبل الانتهاء من الاصلاح واطلاق ديموقراطيات في العالم العربي. خامساً، لا كلام الآن عن رؤية دولتين، فلسطين واسرائيل. أما الجدار العازل الذي سبق أن عارضة الولايات المتحدة فتناساه الآن إذ ان هذه"مرحلة انتخابية تتحمل فقط تقليص القضية الفلسطينية الى اما"ارهاب"أو"كرامة"انسانية بتعالٍ على الحقوق والقانون الدولي.
الافت ان الادارة الاميركية تواجه تحديات ضخمة في العراق وافغانستان وفيما ينقسم الرأي العام الاميركي نحوها، قرر معظم العرب ان الانتخابات الأميركية الرئاسية ستحسم انتصار جورج دبليو بوش بها لولاية ثانية.
رغم هذا لا أحد يفكر بما سيفعل اثناء ولاية ثانية لبوش باستثناء التأهّل على يديه ثنائياً.
لا كلام ولا تنسيق ولا استرايتجية لحمل القضايا العربية أو المشاغل العربية الى مكانة ما في الولاية الثانية المرتقبة. ثم هنالك مجرد لهاث البعض وراء التأهيل، حتى لدى المحافظين الجدد الذين يكنون العداء الأكبر للعرب كما لدى اسرائيل بصفتها بوابة الرحمة عند الادارة الجمهورية الحاكمة.
هذا القدر من الشلل العربي أدى بوزراء الخارجية العرب الى عقد اجتماع في نيويورك مثير للسخرية والغضب ويستحق الاحتجاج والازدراء معاً. فلقد أمضى الوزراء ساعة كاملة في بحث قرار أقر واتفق عليه: قرار عقد قمة عربية لاتينية.
هذا الاجتماع عقد بعد خطاب بوش الذي استنكره الوزراء، انفرادياً وجماعة، انما وراء الكواليس. احسوا به اهانة لا خيار سوى تلقيها غصباً.
انما الاسوأ، ان الوزراء العرب ترفّعوا عن اعطاء الزخم للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في شأن الجدار الفاصل مع ان هذا الرأي هو أهم سند دولي قانوني من هيئة دولية بمثل هذا المستوى.
وزير خارجية اسرائيل سيلفان شالوم تمتع بلقاء مع كل من رئيس القمة العربية الحالي وزير خارجية تونس... ورئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية الوزاري وزير خارجية موريتانيا... ورئيس مجموعة ال77 التي تضم كل العرب، وزير خارجية قطر... هذا الى جانب وزراء خارجية مصر والأردن ورئيس وزراء العراق. والأنكى ان هذه اللقاءات لم تتناول سوى العلاقات الثنائية، السياحية منها والأمنية وتلك المعنية بالغاز وغيره من عوامل العلاقات التجارية والتطبيعية.
الأوروبيون من جهتهم حاولوا النظر في صيغ تجعل التفاهم مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جزءا من المداولات لاعطائه ربما حرية التحرك مقابل قبوله الاصلاح وتخليه عن صلاحيات تخرج الأمور من حال التوقف التام.
لكن اسرائيل والولايات المتحدة رفضتا، اذ انهما قررتا شطب عرفات من المعادلة، رمزاً أو واقعاً. اما العرب، فلم يدخلوا الحلبة. فهم في حال شلل، ونفي، وتأجيل، وتلهف الى ترتيب الأمور ثنائياً مع الولايات المتحدة، وليسوا في وارد الرجل عرفات أو القضية فلسطين. فالمسألة لهم مسألة زوال أو بقاء.
المصريون يتظاهرون بلعب دور المفاوض والوسيط لكنهم في واقع الأمر الشريك العملي لاسرائيل والولايات المتحدة في إتمام بدعة شارون لفك الارتباط والانسحاب من غزة. يفعلون ذلك باسم الحؤول دون حرب أهلية فلسطينية انما بدون التوظيف الضروري للدور المصري المهم كعامل ضاغط على اسرائيل أو حاميتها أميركا. والسبب عائد لظرف مصري داخلي.
السودانيون جلبوا على أنفسهم بغضاً عالمياً بسبب اقترافهم انتهاكات فظيعة في دارفور مثل السماح أو غض النظر عن استخدام الاغتصاب أداة حرب والابادة هدفاً استراتيجياً فيها. الحكومة السودانية الآن في خوف من عواقب ما فعلت وتحاول الاستدراك، انما لربما بعد فوات الأوان. فالسودان الآن على طريق التقسيم ليس جنوباً وشمالا فحسب وانما شرقاً وغرباً. والسبب هو سوء الحكومة والحكم، بقدر ما قد يكون استراتيجية خارجية داخلية في اطار تفكيك المنطقة العربية أجمع.
العراقيون يمرون بالامتحان وبالمحنة، انهم الآن عند الادارة الاميركية الشعار والنموذج. وهم عند نصف الأميركيين وأكثرية العالم مختبر العقيدة الاستباقية وشهادة فشلها. وواقع الأمر ان حرب العراق ما زالت حرباً بلا أهداف ونيات واضحة لدى الادارة الأميركية سيما وأن دافع ومشجع هذه الحرب هم المحافظون الجدد الذين أرادوها لغاية غير غاية الديموقراطية للعراق وللعرب. أرادوها من أجل شرذمة العراق كأساس ضروري للمصلحة الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة على تفكيك أي كيان عربي مؤهل أو قادر على أن يكون موقع تهديد استراتيجي أو عسكري لها.
السوريون فهموا ذلك انما فهموا أيضاً انه لم يعد في وسعهم تحديه. فسورية بالتحاقها بحرب الخليج الأولى بعد غزو العراق للكويت، كحليف في تلك الحرب، كانت تدرك انها تحذف العراق كلياً من المعادلة العسكرية الاستراتيجية مع اسرائيل. الآن، ومع توصل دمشق الى الاتفاق على آلية التعاون الأمني والاستخباري الثلاثي بين الولايات المتحدة والعراق وسورية، فان الحكومة السورية قد قررت الالتحاق، مرة ثانية، بقرار أميركي استراتيجي في أهمية قرار التحاقها بالتحالف الدولي مطلع التسعينات.
هل يعني هذا ان سورية وضعت جميع البيض في السلة الاميركية؟ يصعب تصديق ذلك. فسورية تحسن الحنكة السياسية، انما مشكلتها ان هذا ليس زمن الحنكة التقليدية ولا هو زمن التحالفات التقليدية أو الرهانات المعهودة.
فدمشق اليوم لا تملك ورقة ايران كما امتلكتها مع دول الخليج العربية اثناء الحرب العراقية الايرانية. وهي لا تملك ورقة المنظمات الفلسطينية في دمشق أو ورقة"حزب الله"في لبنان بالقدر الذي امتلكته سابقاً.
استراتيجياً، ما يهم دمشق هو سلطتها في لبنان ونفوذها مع ايران. العراق لم يكن أبداً ورقة استراتيجية في يد سورية وانما كان دائماً ساحة مبارزة استراتيجية. اما الآن فإن دمشق تعي أهمية فرصة الورقة العراقية وتأثيرها على وضع الحكومة السورية لدى الادارة الاميركية.
بكلام آخر، علاقة سورية بلبنان ضمنتها دمشق وتراها غير مركزية لدى الادارة الاميركية. علاقتها بالعراق قابلة للأخذ والعطاء بهدف كسب مواقع مهمة، اقليمية ومع الادارة الاميركية، وعلاقتها بايران تبقى دائماً استراتيجية انما بعين عملية على التطورات.
لذلك، قدمت الحكومة السورية كل ما هو مطلوب لتأجيل حملة الادارة الأميركية عليها سيما في مجلس الأمن الدولي. وواشنطن لم تمانع أبداً ان تتجاهل الناحية اللبنانية مع انها مدخل وضع سورية تحت رقابة مجلس الأمن، انما الى حين اختبار التعاون السوري في الساحة الأهم: الحدود العراقية والاستخبارات ضد الارهاب. فالسياسة الأميركية نحو سورية قائمة الآن على مبدأ"خذ وطالب".
اما مع ايران فإن الادارة الأميركية قررت تكليف أوروبا بالديبلوماسية معها، ومجلس الأمن بالضغط عليها بانذارها بعقوبات ما لم تتخل عن برنامجها النووي، واسرائيل بانذارها عسكرياً باستباقية الضربات الوقائية. انما ايران ليست لعبة سهلة كما كان العراق في الاستراتيجية الأميركية الاسرائيلية.
فهذه ايران وليست مجرد دولة عربية. ايران التي تحسن اللغة الفارسية المتحدثة بسقف المطالب والثقة العارمة وليس اللغة العربية المتحدثة بسقف التنازلات والمخاوف والتمسك بمجرد بقاء الأنظمة باسم بقاء الاستقرار واستمرار الوضع الراهن.
لا عاقل يريد هذا الوضع. فقد بات خدعة لوعود الأمس ووعود اليوم، استقراراً كان اسمها أو حرية مبتورة.
راغدة درغام نيويوركخريطة بائسة لمنطقة بائسة... من منصة الأمم المتحدة
كلام وزير الخارجية الأميركي كولن باول عن سورية وايران قبل يومين كلام لافت للانتباه. فدمشق غير مرشحة الآن لتغيير النظام فيها طالما انها تنجح في الاختبار والامتحان سيما في العراق، كخطوة أولى، من خلال آلية التعاون الأميركي العراقي السوري على الحدود وفي ميدان الاستخبارات. اما طهران فانها تحت سوطي العقوبات والعمليات العسكرية لأن واشنطن، حسب باول، ماضية بالعمل الديبلوماسي والسياسي انما دون حذف أي خيار آخر من المعادلة وهي لن تردع اسرائيل عن ضربة استباقية للمفاعل النووي الايراني كما سبق وفعلت اسرائيل في العراق. الرئيس جورج بوش لم يذكر في خطابه أمام الجمعية العامة ايران أو سورية لكنه أبلغ العالم أجمع ان افغانستان والعراق"سيكونان النموذج للشرق الأوسط الأكبر"، قافزاً تماماً على الواقع وعلى ذكاء أي فرد يشاهد ما يحصل في أفغانستان والعراق في طريقهما الى ان يكونا"النموذج"الموعود. قال ان عهد الموافقة الاميركية الضمنية على الاضطهاد باسم الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط ولّى، مؤكداً بذلك الانطباع عن التوجه الأميركي الجديد الذي لا يتخذ الاستقرار في الشرق الأوسط ركيزة له وانما يريد هزّه باسم الاصلاح والحرية لاسقاط أنظمة وحماية نظام، وأهم نظام يريد جورج دبليو بوش حمايته للأربع سنوات المقبلة هو النظام الاسرائيلي. وهو يريد حمايته ليس فقط من الاعتداء وانما من السلام اذ قال ان اثبات الالتزام بالاصلاح الديموقراطي العربي أمر أساسي كشرط مسبق لحل النزاع العربي الاسرائيلي. فوجه بذلك صفعة مؤلمة للاصلاحيين العرب الذين يتحدث السيد بوش دوماً عن ضرورة مساندتهم والذين لطالما حاربوا كلاً من الاتجاهين: وضع الاصلاح رهينة حل النزاع العربي الاسرايلي، ووضع حل النزاع العربي الاسرائيلي رهن اتمام الاصلاح العربي والوصول الى ديموقراطيات.
رسالة جورج دبليو بوش للعرب من المنصة الدولية كانت واضحة:"أولا، لم يعد الاستقرار ركيزة للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ثانياً لم يعد هناك دور أو مكان للمنظمات أو للمحاور الاقليمية وانما الأمر الآن بات محصوراً تماماً في العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية. ثالثاً، لا شيء مضمون بل كل شيء رهن الاختبار قبل اتخاذ القرار لجهة الموافقة على بقاء نظام عربي، أو العمل المكثف على ازالته، أو الاستراتيجية التدريجية الواقعة بين القبول به اليوم باستمرارية موقتة الى أن يأتي غد بنظام جديد. رابعاً، لا سلام مع اسرائيل قبل الانتهاء من الاصلاح واطلاق ديموقراطيات في العالم العربي. خامساً، لا كلام الآن عن رؤية دولتين، فلسطين واسرائيل. أما الجدار العازل الذي سبق أن عارضة الولايات المتحدة فتناساه الآن إذ ان هذه"مرحلة انتخابية تتحمل فقط تقليص القضية الفلسطينية الى اما"ارهاب"أو"كرامة"انسانية بتعالٍ على الحقوق والقانون الدولي.
الافت ان الادارة الاميركية تواجه تحديات ضخمة في العراق وافغانستان وفيما ينقسم الرأي العام الاميركي نحوها، قرر معظم العرب ان الانتخابات الأميركية الرئاسية ستحسم انتصار جورج دبليو بوش بها لولاية ثانية.
رغم هذا لا أحد يفكر بما سيفعل اثناء ولاية ثانية لبوش باستثناء التأهّل على يديه ثنائياً.
لا كلام ولا تنسيق ولا استرايتجية لحمل القضايا العربية أو المشاغل العربية الى مكانة ما في الولاية الثانية المرتقبة. ثم هنالك مجرد لهاث البعض وراء التأهيل، حتى لدى المحافظين الجدد الذين يكنون العداء الأكبر للعرب كما لدى اسرائيل بصفتها بوابة الرحمة عند الادارة الجمهورية الحاكمة.
هذا القدر من الشلل العربي أدى بوزراء الخارجية العرب الى عقد اجتماع في نيويورك مثير للسخرية والغضب ويستحق الاحتجاج والازدراء معاً. فلقد أمضى الوزراء ساعة كاملة في بحث قرار أقر واتفق عليه: قرار عقد قمة عربية لاتينية.
هذا الاجتماع عقد بعد خطاب بوش الذي استنكره الوزراء، انفرادياً وجماعة، انما وراء الكواليس. احسوا به اهانة لا خيار سوى تلقيها غصباً.
انما الاسوأ، ان الوزراء العرب ترفّعوا عن اعطاء الزخم للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في شأن الجدار الفاصل مع ان هذا الرأي هو أهم سند دولي قانوني من هيئة دولية بمثل هذا المستوى.
وزير خارجية اسرائيل سيلفان شالوم تمتع بلقاء مع كل من رئيس القمة العربية الحالي وزير خارجية تونس... ورئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية الوزاري وزير خارجية موريتانيا... ورئيس مجموعة ال77 التي تضم كل العرب، وزير خارجية قطر... هذا الى جانب وزراء خارجية مصر والأردن ورئيس وزراء العراق. والأنكى ان هذه اللقاءات لم تتناول سوى العلاقات الثنائية، السياحية منها والأمنية وتلك المعنية بالغاز وغيره من عوامل العلاقات التجارية والتطبيعية.
الأوروبيون من جهتهم حاولوا النظر في صيغ تجعل التفاهم مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جزءا من المداولات لاعطائه ربما حرية التحرك مقابل قبوله الاصلاح وتخليه عن صلاحيات تخرج الأمور من حال التوقف التام.
لكن اسرائيل والولايات المتحدة رفضتا، اذ انهما قررتا شطب عرفات من المعادلة، رمزاً أو واقعاً. اما العرب، فلم يدخلوا الحلبة. فهم في حال شلل، ونفي، وتأجيل، وتلهف الى ترتيب الأمور ثنائياً مع الولايات المتحدة، وليسوا في وارد الرجل عرفات أو القضية فلسطين. فالمسألة لهم مسألة زوال أو بقاء.
المصريون يتظاهرون بلعب دور المفاوض والوسيط لكنهم في واقع الأمر الشريك العملي لاسرائيل والولايات المتحدة في إتمام بدعة شارون لفك الارتباط والانسحاب من غزة. يفعلون ذلك باسم الحؤول دون حرب أهلية فلسطينية انما بدون التوظيف الضروري للدور المصري المهم كعامل ضاغط على اسرائيل أو حاميتها أميركا. والسبب عائد لظرف مصري داخلي.
السودانيون جلبوا على أنفسهم بغضاً عالمياً بسبب اقترافهم انتهاكات فظيعة في دارفور مثل السماح أو غض النظر عن استخدام الاغتصاب أداة حرب والابادة هدفاً استراتيجياً فيها. الحكومة السودانية الآن في خوف من عواقب ما فعلت وتحاول الاستدراك، انما لربما بعد فوات الأوان. فالسودان الآن على طريق التقسيم ليس جنوباً وشمالا فحسب وانما شرقاً وغرباً. والسبب هو سوء الحكومة والحكم، بقدر ما قد يكون استراتيجية خارجية داخلية في اطار تفكيك المنطقة العربية أجمع.
العراقيون يمرون بالامتحان وبالمحنة، انهم الآن عند الادارة الاميركية الشعار والنموذج. وهم عند نصف الأميركيين وأكثرية العالم مختبر العقيدة الاستباقية وشهادة فشلها. وواقع الأمر ان حرب العراق ما زالت حرباً بلا أهداف ونيات واضحة لدى الادارة الأميركية سيما وأن دافع ومشجع هذه الحرب هم المحافظون الجدد الذين أرادوها لغاية غير غاية الديموقراطية للعراق وللعرب. أرادوها من أجل شرذمة العراق كأساس ضروري للمصلحة الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة على تفكيك أي كيان عربي مؤهل أو قادر على أن يكون موقع تهديد استراتيجي أو عسكري لها.
السوريون فهموا ذلك انما فهموا أيضاً انه لم يعد في وسعهم تحديه. فسورية بالتحاقها بحرب الخليج الأولى بعد غزو العراق للكويت، كحليف في تلك الحرب، كانت تدرك انها تحذف العراق كلياً من المعادلة العسكرية الاستراتيجية مع اسرائيل. الآن، ومع توصل دمشق الى الاتفاق على آلية التعاون الأمني والاستخباري الثلاثي بين الولايات المتحدة والعراق وسورية، فان الحكومة السورية قد قررت الالتحاق، مرة ثانية، بقرار أميركي استراتيجي في أهمية قرار التحاقها بالتحالف الدولي مطلع التسعينات.
هل يعني هذا ان سورية وضعت جميع البيض في السلة الاميركية؟ يصعب تصديق ذلك. فسورية تحسن الحنكة السياسية، انما مشكلتها ان هذا ليس زمن الحنكة التقليدية ولا هو زمن التحالفات التقليدية أو الرهانات المعهودة.
فدمشق اليوم لا تملك ورقة ايران كما امتلكتها مع دول الخليج العربية اثناء الحرب العراقية الايرانية. وهي لا تملك ورقة المنظمات الفلسطينية في دمشق أو ورقة"حزب الله"في لبنان بالقدر الذي امتلكته سابقاً.
استراتيجياً، ما يهم دمشق هو سلطتها في لبنان ونفوذها مع ايران. العراق لم يكن أبداً ورقة استراتيجية في يد سورية وانما كان دائماً ساحة مبارزة استراتيجية. اما الآن فإن دمشق تعي أهمية فرصة الورقة العراقية وتأثيرها على وضع الحكومة السورية لدى الادارة الاميركية.
بكلام آخر، علاقة سورية بلبنان ضمنتها دمشق وتراها غير مركزية لدى الادارة الاميركية. علاقتها بالعراق قابلة للأخذ والعطاء بهدف كسب مواقع مهمة، اقليمية ومع الادارة الاميركية، وعلاقتها بايران تبقى دائماً استراتيجية انما بعين عملية على التطورات.
لذلك، قدمت الحكومة السورية كل ما هو مطلوب لتأجيل حملة الادارة الأميركية عليها سيما في مجلس الأمن الدولي. وواشنطن لم تمانع أبداً ان تتجاهل الناحية اللبنانية مع انها مدخل وضع سورية تحت رقابة مجلس الأمن، انما الى حين اختبار التعاون السوري في الساحة الأهم: الحدود العراقية والاستخبارات ضد الارهاب. فالسياسة الأميركية نحو سورية قائمة الآن على مبدأ"خذ وطالب".
اما مع ايران فإن الادارة الأميركية قررت تكليف أوروبا بالديبلوماسية معها، ومجلس الأمن بالضغط عليها بانذارها بعقوبات ما لم تتخل عن برنامجها النووي، واسرائيل بانذارها عسكرياً باستباقية الضربات الوقائية. انما ايران ليست لعبة سهلة كما كان العراق في الاستراتيجية الأميركية الاسرائيلية.
فهذه ايران وليست مجرد دولة عربية. ايران التي تحسن اللغة الفارسية المتحدثة بسقف المطالب والثقة العارمة وليس اللغة العربية المتحدثة بسقف التنازلات والمخاوف والتمسك بمجرد بقاء الأنظمة باسم بقاء الاستقرار واستمرار الوضع الراهن.
لا عاقل يريد هذا الوضع. فقد بات خدعة لوعود الأمس ووعود اليوم، استقراراً كان اسمها أو حرية مبتورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.