بضعة أخبار وتعليقات متفرّقة على هوامش صحافية من الأيام القليلة الماضية: - عندما توفي رونالد ريغان، ومع وجود ملايين الصور له على امتداد حياته السياسية الحافلة، اختارت مجلتا "تايم" و"نيوزويك" له صورة واحدة ظهر فيها مبتسماً ويرتدي قبعة. كان هذا قبل شهر، واعتقدت انني تلقيت عددين من المجلة نفسها. قبل يومين عادت الي صورة ريغان على غلافي المجلتين، وأنا اعتقد انني أقرأ الخبر نفسه مرتين، فقد كنت أتابع أخبار مؤتمر الحزب الديموقراطي في بوسطن، وبين العناوين "كلينتون يعلم كيري كيف يؤدي المهمة" بعد ان ألقى بيل كلينتون خطاباً سحر الحاضرين. واعتقدت انني عدت الى الجريدة نفسها مرتين، ثم وجدت ان "الديلي تلغراف" و"الغارديان" التقتا عند العنوان، على رغم التباعد السياسي الكبير بينهما. - في اليوم نفسه كانت أربع صحف لندنية هي "الغارديان" و"الاندبندنت" و"الديلي ميل" و"الديلي تلغراف" تنشر تحقيقات متطابقة عن نواب حزب المحافظين الذين يقيمون في منطقة "نوتنغ هيل" من لندن. وكان صحافي بريطاني من الحزب شكا في مقال من ان "مجتمع نوتنغ هيل" يحيط بزعيم الحزب مايكل هوارد، ويمنع تقدم السياسيين الشبان، وأكد النائب المحافظ ديرك كونواي وجود هذا "المجتمع السياسي"، وكانت النتيجة ان أربع صحف في يوم واحد نشرت تحقيقات مدعومة بالصور، وأحياناً خرائط للشوارع وبيوت النواب فيها. - وأنتقل الى الصحافة العربية، فقد تلقيت أمس صحيفة "الصنارة"، وهي أوسع الصحف انتشاراً بين فلسطينيي 1948 في اسرائيل، وقد وجدتها دائماً مصدراً مهماً للأخبار العربية والاسرائىلية. ورأيت في صفحتها الأولى صورة كبيرة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر في الذكرى الثانية والخمسين للثورة المصرية، مع أخبار وتعليقات عن "بطل الثورة" في أربع صفحات في الداخل. منذ 50 سنة أو قرن، والفلسطينيون يبحثون عن بطل، وعبدالناصر أضاع القدس، الا انه يبقى بطلاً عند الفلسطينيين وعرب كثيرين آخرين. - ثارت مشكلة، لعلها زوبعة في فنجان، بين النائب البريطاني المحافظ نيكولاس سومز والبليونير فيليب غرين، بعد ان رأى الأول الثاني يتناول الغداء مع صحافي من هيئة الاذاعة البريطانية هو جيف راندول، فصرخ سومز الذي كان على طاولة مجاورة: "الآن نعرف كيف يعمل هؤلاء الناس" وكادت تقع معركة بالأيدي نتيجة لهذا الكلام. وغرين قرّر ان سومز وجّه إليه إهانة لا سامية لأنه يهودي، أما راندول فاحتج لأن سومز شكّك في نزاهته المهنية، وطالب كل منهما النائب بالاعتذار. سومز انكر في شدة ان يكون قصد بكلامه تلميحات لا سامية. ولا أعرف الحقيقة، ولكن أعرف ان هناك موجة لا سامية في أوروبا كلها، من اسبابها ممارسات حكومة آرييل شارون ضد الفلسطينيين، وأعمال القتل والتدمير شبه اليومية. شخصياً أدين أعمال حكومة شارون، وأدين اللاسامية، ولا أجد في الأولى عذراً للثانية أو تبريراً. وهناك في أوروبا لا سامية كامنة، كانت قبل الفلسطينيين، وستظل موجودة حتى لو حُلت قضيتهم. - اذا كانت الادارة الأميركية لا تقبل رأينا في حلّ القضية الفلسطينية، فلعلها تسمع رأي صحافيين بريطانيين واسرائىليين. وكنتُ قرأت مقالاً ممتازاً للصحافي المعروف ديفيد هيرست في "الغارديان" خلاصته ان ياسر عرفات بريء من الفشل في كامب ديفيد لأن المتطرفين الاسرائىليين سعوا الى قيام الانتفاضة، واستعدوا لها وأثاروا الاجواء لإطلاقها. وقرأت رأياً قريباً من هذا للاسرائىلي اوفير شيلاه في "يديعوت اخرونوت" الأسبوع الماضي، فهو انتقد ما يبدو من فرح آرييل شارون وشاؤول موفاز بالفوضى في قطاع غزة، ورفض زعم رئيس الوزراء انها دليل على عدم وجود شريك فلسطيني في المفاوضات. وتحدث شيلاه عن اعادة احتلال الضفة وأكثر قطاع غزة، وعيش نصف الفلسطينيين دون حد الفقر. وفي حين انه انتقد ياسر عرفات بحدة لتقصيره في حق شعبه، الا انه وهو اسرائىلي زاد ان شارون وموفاز تبعا في موقفهما رؤساء الوزارة الاسرائىليين السابقين، فهم لم يريدوا لعرفات ان يبني مؤسسات الدولة. وكان روبرت مالي وحسين آغا كتبا في "واشنطن ريفيو أوف بوكس" التاريخ الصحيح لما حدث في كامب ديفيد وافحما ايهود باراك والمؤرخ بيني موريس. أقول ان هيرست وشيلاه ومالي يهود، بريطاني واسرائىلي وأميركي، ولعلّ المشترعين الأميركيين يصغون اليهم، اذا لم يريدوا الاصغاء إلينا، في متابعة تقرير لجنة التحقيق في الارهاب التي دعت الى "حرب أفكار" لكسب القلوب في الشرق الأوسط. كتبت غير مرة وأكتب اليوم ان بعض أفضل المدافعين عن الفلسطينيين هم من اليهود في اسرائىل وخارجها، وعلى كل عربي ان يدرك ان غالبية من الاسرائىليين تريد السلام. وأختتم بشيء شخصي فقد قرأت هذا الاسبوع خبر وفاة الديبلوماسي الأميركي هيوم هوران عن 69 عاماً بعد إصابته بسرطان. هيوم هوران ولد لأب ايراني وأم أميركية، الا ان الزوجين طلقا وعمره ثلاث سنوات، وهو حمل اسم الزوج الثاني لأمه. والتقينا للمرّة الأولى في بيروت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، وأنا رئيس تحرير "الديلي ستار". وهو درس في معهد شملان وأتقن العربية كأهلها، ولا أعرف من مستوى معرفته بالعربية بين الديبلوماسيين غير السفير البريطاني السير جيمس كريغ، والأميركي كريس روس. وأذكر انه عاد الى بيروت مرّة من عمله في عمان، وسألته عن أحواله هناك فقال: "يا أخي، الجنة بلا ناس ما بتنداس". إذا كان من القراء من يذكر هيوم هوران فهو يذكر ان الملك فهد بن عبدالعزيز طرده عندما احتج على شراء السعودية صواريخ صينية، ثم رفض استقبال سفير أميركي آخر. رحم الله أياماً كنا نطرد فيها سفيراً أميركياً، فاليوم السفير الأميركي مندوب سامي في عواصم عربية عدة. جهاد الخازن