عندما يشاهد المرء على شاشة التلفزيون البلدوزرات المدرعة الاسرائيلية، الضخمة والشنيعة، وهي تنفذ مهماتها الخسيسة في رفح، وتجعل اللاجئين مشردين للمرة الثانية او الثالثة في بعض الحالات، من السهل ان ينظر اليها كرموز لدولة اسرائيل التي تمضي قدماً بلا هوادة. ومن السهل ايضاً ان ينسى ان اسرائيل هي من نواح كثيرة دولة تعاني مشاكل. فاذا وضعنا جانباً الاداء الضعيف لاقتصاد اسرائيل، والتراجع في عدد السائحين الذين يزورون اسرائيل، هناك مشكلة حقيقية تتعلق بحجم السكان. ويمكن جميعاً ان نتذكر الكذبة الكبيرة بأن فلسطين كانت"ارضاً من دون شعب لشعب من دون ارض"، التي عمّت اجزاء كبيرة من العالم قبل تظهر الحقيقة. ولا يشكل اللاجئون في رفح إلاّ جزءأً صغيراً من الرد عليها. لكن ذلك يذكّر بان اسرائيل الحديثة هي في الجوهر امة مهاجرين قدموا بشكل اساسي من شرق اوروبا: بولندا مصغرة في طقس مشمس. تنبئني مفكرة الجيب الاقتصادية للعام 2004 بأن عدد سكان اسرائيل يبلغ 6117000 شخص. ويؤلف الاسرائيليون العرب نحو المليون من هذا الرقم. ويتوزع 3,5 مليون فلسطيني آخرون بين القدس والضفة الغربية وغزة. وتلمح آخر ارقام اطلعت عليها الى ان عشرة اطفال فلسطينيين يولدون مقابل كل طفلين اسرائيليين، ومن المحتمل ان معظم الاسرائيليين سيكونون اسرائيليين عرب بحلول حوالي 2070 . وسيؤلف العرب قبل هذا التاريخ بوقت طويل غالبية سكان فلسطين السابقة تحت الانتداب. وفي الفترة بين 1948 و1992، وصل الى اسرائيل 2,3 مليون مهاجر من اكثر من مئة بلد. واعلن رئيس الوزراء ارييل شارون قبل وقت غير بعيد، كأحد اهداف حكومته، النية في اجتذاب مليون شخص اخرين خلال العقد المقبل. لكن هذا لا يحدث. فقد تراجعت الهجرة العام الماضي الى 23200 شخص، وهو ادنى رقم منذ 1990. ويبدو ان ارض الميعاد تفقد جاذبيتها تحت حكم شارون. ولدى اسرائيل"قانون العودة"الذي يمارس التمييز بشكل صارخ ويجد غير اليهود القبول به صعباً في هذا القرن الجديد. ويسمح هذا القانون بشكل عام بمنح المواطنة في اسرائيل لمن لديه زوج او زوجة يهودية او جذور يهودية. ومنذ 1989، سمح هذا القانون بقدوم حوالي مليون مهاجر من الاتحاد السوفيتي السابق. ويشكو اليمين الديني بأن القانون متساهل اكثر مما ينبغي ولا يتوافق تماماً مع"القانون اليهودي". واشارت الارقام الرسمية في 1999 الى ان اكثر من نصف المهاجرين الى اسرائيل لم يكونوا يهوداً كما يقضي القانون لأنهم لم يكونوا من أم يهودية ولم يعتنقوا اليهودية. ويندرج ضمن هذه الفئة المهاجرون من الاتحاد السوفياتي السابق. وجاء تدفق اليهود من الاتحاد السوفياتي السابق في اعقاب تعديل ضوابط هجرة المواطنين السوفيات، وادى انهيار هذا الاتحاد الى تسريعها. وكان اولئك اليهود السوفيات الذين منعوا من الانتقال الى اسرائيل في الثمانينات ولقوا معاملة سيئة متحمسين للهجرة. ومن الواضح ان انتقال اعداد هائلة من اليهود قد انتهى. وتحدث شارون عن اجتذاب اليهود من اجزاء اخرى من العالم. ولا شك انه كان يفكر بمجيء الفالاشا، وهم مجموعة في اثيوبيا يعتنق افرادها الديانة اليهودية - يشكك البعض في ذلك - نقلوا على متن طائرات الى اسرائيل في 1984 - 1985 بعد مفاوضات سرية. وتشير تقديرات الى ان هناك 12,9 مليون يهودي في العالم، ويشار الى اميركا الجنوبية كمصدر جديد محتمل للمهاجرين. لكن عدد اليهود في كل بلد في اميركا الجنوبية ضئيل بالمقارنة. ومما يثير ذعر رئيس الوزراء شارون ان الارقام الرسمية تكشف ان 72 الفاً من اليهود السوفيات الذين جاؤوا الى اسرائيل رحلوا عنها، متجهين في الغالب الى اميركا او اوروبا او كندا. وغادر نحو 13200 شخص اسرائيل في 2002 . وكنت دائماً مقتنعاً بأن اليهود السوفيات تواقون للخروج من الاتحاد السوفياتي، لا للتوجه الى اسرائيل. وقال ايان ماكينون في صحيفة"ذي تايمز"في 10 ايار مايو ان"التقديرات غير الرسمية تشير الى ان هناك حالياً بين 50 الفاً و90 الفاً من اليهود السوفيات الاسرائيليين في موسكو وحدها. وكشف استطلاع للرأي اجراه معهد موتاغيم في تل ابيب العام الماضي ان 26 في المئة من المهاجرين الروس في اسرائيل يفكرون بالرحيل، بالمقارنة مع 6 في المئة اقروا بانهم كانوا يفكرون بخطوة كهذه قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في ايلول سبتمبر 2000. وكانت التقديرات قبل سنوات خلت تشير الى ان اكثر من نصف مليون اسرائيلي يقيمون بشكل دائم خارج اسرائيل. واتذكر ان باحثاً اكاديمياً درس هذه المسائل ابلغني ان اسرائيل كانت، في اي وقت، تخلو من نصف مواطنيها الاسرائيليين. فاليهود يرغبون في التماهي مع اسرائيل، وقد يتملكون قطعة ارض هناك او يدفنون هناك، لكن كثيرين لا يرغبون، كما يبدو، في ان يعيشوا هناك كل الوقت. انها سمة مميزة لدولة اسرائيل. ان شارون، واولئك الذين يسعون لابقاء الدولة العبرية يهودية، يواجهون مشكلة حقيقية. * سياسي بريطاني من حزب المحافظين.