المواقف اللافتة لكل من رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري والزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط عن مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية أرخت بظلها على الوضع السياسي اللبناني. فالحريري كان قال انه اذا رأى الامور "مستمرة بالوتيرة نفسها فليست لدي رغبة في ان اكون رئيساً للوزراء في المرحلة المقبلة". اما جنبلاط فكان قال في سياق حديثه عن الدين العام ومسؤوليته: "نستطيع اجتياز الشهرين المقبلين وننتهي من التجديد والتمديد وكل هذه الاسطوانة ونخرج من الحكم ونرى في ما بعد غيرنا كيف سيحل الامور". والسؤال الذي طرح نفسه في الاوساط السياسية اللبنانية هو اذا كان الحريري وجنبلاط يملكان معطيات جديدة تشير الى احتمالات التمديد للرئيس اميل لحود وانهما ارادا توجيه رسالة تعكس رغبتهما الانتقال الى صفوف المعارضة وماذا سيكون دور الحريري وجنبلاط اذا اصبحا خارج الحكم؟ وتقول مصادر وزارية ان المعارضة في ظل الاجواء السياسية السائدة في لبنان وفي المنطقة "لا تستطيع ان تحقق شيئاً ولا تؤخر ولا تقدم في اي ملف من الملفات، فالسنوات الست الماضية برهنت ان اسباباً عدة حالت دون نجاح المعارضة السياسية وظهر ذلك واضحاً في الانتخابات البلدية، لأن آليتها غير موجودة وفعاليتها شبه معدومة حتى ولو كان اصحابها من العيار الثقيل، ما دامت مصالح جميع القوى السياسية، مرتبطة بشكل او بآخر بمدى صلتها بدمشق حيث ينتهي البحث في معظم الملفات". وتقول هذه المصادر ان قول الرئيس السوري بشار الاسد ان الانتخابات البلدية "اعادت تحديد الاحجام السياسية في لبنان" يفهم منه انه قصد الايحاء بأن "ليس في لبنان قوى فاعلة مسيحية او اسلامية ترفض او تعارض التمديد او التجديد للرئيس لحود او ان القوى التي تعارض هذا الخيار لا تملك احجاماً مهمة...". وتضيف المصادر الوزارية نفسها: "ان احداث الضاحية الجنوبية في 27 الشهر الماضي التي أدت الى سقوط عدد من الضحايا، والتي لم يستبعد القضاء اللبناني ان تكون مدبرة، ويعتبرها الحريري انها كانت موجهة ضده، لاحراجه تمهيداً لاخراجه عبر دفعه الى الاستقالة لإزالة عقبة امام التمديد، انقلبت على جميع الاطراف التي سعت لاستغلالها فخرج رئيس الحكومة رابحاً بنتيجتها". لكن هذه المصادر تعتبر انه فيما كان الحريري الكاسب الوحيد جراء ما حصل، سياسياً، فإن الملابسات التي رافقت طرح فكرة "السواب" من الرئيس لحود في مجلس الوزراء والقاضية باستبدال جزء من استحقاقات لبنان المالية للعامين المقبلين بديون جديدة لآجال اطول، قلبت الآية. فالرئيس الحريري وقع في فخ نصب له لأنه لم يتعاط مع الامر كقضية تقنية يفترض بالخبراء المختصين ان يحسموا الرأي فيها، فدخل مبارزة كلامية مع لحود حول الفكرة، تحولت الى علنية بمشاركة القوى السياسية والاقتصادية واحتلت الاعلام، في شكل ادى الى التغطية على الحدث الذي حصل في الضاحية، والذي كان في امكان الرئيس الحريري ان يجيره لمصلحة وجهة نظره في الحلول الاقتصادية". وتشير المصادر الوزارية نفسها الى "ان فكرة "السواب"، التي طرحت كعملية تقنية، دخلت الآن في تجاذبات الاستحقاق الرئاسي، وكانت بُحثت اساساً بين بعض المسؤولين السوريين وبين حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قبل زهاء شهر او اكثر، وان الاخير تقدم بدراسة عنها الى دمشق". لكن المصادر تقر بأن النقاش في "السواب" حوّل الامر عن الجانب التقني فيه، لتوظيفه سياسياً من اجل الايحاء بأن استبدال الدين الذي يستحق في العامين المقبلين منذ الآن، هدفه التدليل الى عدم الحاجة الى الحريري، لمعالجة الملفات الاقتصادية في السنوات المقبلة التي من المحتمل ان يواصل خلالها لحود مهماته كرئيس للبلاد. وتشير المصادر الوزارية الى ان عملية "السواب" لا يمكنها وحدها ان تؤدي الى نتائج ايجابية اذا لم تقترن باجراءات اخرى مكملة كالاصلاح الاداري والقضاء على الفساد والخصخصة مما وعدت به الحكومة في "باريس -2" وفشلت في تحقيقها. وعدم ربط "السواب" بالاصلاحات يبقي فكرة استبدال الدين كلاماً سياسياً ليس إلا، ولن تحقق ثمارها للعهد الحالي والمقبل.