تدشين فعاليات أسبوع البيئة بالقصيم    رئيس مجلس الوزراء العراقي يصل الرياض    آل حيدر: الخليج سيقدم كل شيء أمام النصر في الكأس    إلزام موظفي الحكومة بالزي الوطني    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    492 ألف برميل وفورات كفاءة الطاقة    الرياض.. عاصمة القمم ومَجْمَع الدبلوماسية العالمية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    إحالة الشكاوى الكيدية لأصحاب المركبات المتضررة للقضاء    القتل ل «الظفيري».. خان الوطن واستباح الدم والعرض    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    الرياض.. عاصمة الدبلوماسية العالمية    أرباح شركات التأمين تقفز %1211 في 2023    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    4 مخاطر لاستعمال الأكياس البلاستيكية    وصمة عار حضارية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    تجربة سعودية نوعية    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    تتويج طائرة الهلال في جدة اليوم.. وهبوط الهداية والوحدة    انطلاق بطولة الروبوت العربية    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    فيتور: الحظ عاند رونالدو..والأخطاء ستصحح    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    وزير الصناعة الإيطالي: إيطاليا تعتزم استثمار نحو 10 مليارات يورو في الرقائق الإلكترونية    سلامة موقع العمل شرط لتسليم المشروعات الحكومية    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تضم 130عرقاً و45 معتقداً دينياً وتسعى لاستعادة 3 ملايين مهاجر ... وتزداد فيها الهوة بين الفقراء والأغنياء ... و توزع الإستثمارات على الدول النافذة . كازاخستان مركزاً لحوار الحضارات يحتضن "طريق النفط" والتسويات الاقليمية 1 من 2
نشر في الحياة يوم 12 - 05 - 2004

انتشرت اللافتات المرحبة ب"المنتدى الإعلامي الأورو - آسيوي" الذي عُقد أواخر الشهر الماضي في مدينة ألماتي العاصمة السابقة لكازاخستان، بطريقة تذكر بالأسلوب الاشتراكي في الترحيب بالنشاطات الخارجية التي تنظمها الدولة ومؤسساتها، وبالمشاركين فيها، لكن البلد بات بعيداً من النظام الشيوعي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال جمهوريات آسيا الوسطى عن الاتحاد الروسي في العام 1991.
فمنذ ذلك التاريخ انسجمت كازاخستان، أكبر بلدان آسيا الوسطى والثاني بعد الاتحاد الروسي مساحة 2.717 مليون كلم وتعداداً سكانياً زهاء 51 مليون نسمة وهم قليلو العدد نسبة الى المساحة الجغرافية مع اقتصاد السوق، بإصلاحات اقتصادية وسياسية غيّرت من نظامها في سرعة لافتة. وساعد على التغيير نمو اقتصادي سريع بفعل فورة الاكتشافات النفطية، اضافة الى تاريخها الصناعي يوم كانت في كنف الاتحاد السوفياتي، ما حوّلها بلداً واعداً اقتصادياً تدفقت اليه الاستثمارات الغربية، ولا سيما الأميركية، بكثافة، اضافة الى علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية الطبيعية مع جيرانها الأقوياء، سواء على ضفاف بحر قزوين الذي يختزن كميات من النفط والغاز ايران وأذربيجان أو على حدودها البرية، والمعني بها روسيا والصين وأوزبكستان وتركمانستان وقرغيزستان.
وتنعم كازاخستان باستقرار نسبي يجعلها مركزاً للوجود الأجنبي الغربي والشرقي في المنطقة، آمناً من الخضات العسكرية قياساً الى الدول المحيطة بها. فهي خلافاً لأوزبكستان، مثلاً، التي يتحرك فيها الأصوليون المسلمون والتي شملت تفجيرات قبل أسابيع، يطغى عليها الهدوء السياسي، على رغم التنوع الاثني والطائفي والاجتماعي الهائل الذي يشكل فسيفساء ظاهرة وكامنة فيها.
الا ان التدفق الخارجي، خصوصاً الأميركي على كازاخستان، يشهد مرة أخرى، في بلد غالبيته مسلمة، تقدماً في الوجود الاسرائيلي، على الوجود العربي، لا يكسر قاعدة التراجع في علاقات العرب الدولية.
تتحول كازاخستان مركزاً لمؤتمرات وحوارات ومنتديات كان أحدثها، أواخر الشهر الماضي، "المنتدى الإعلامي الأورو - آسيوي" الثالث والذي بات منذ العام 2002 تقليداً سنوياً يجمع بين 300 و400 صحافي وشخصية سياسية يضمون أحياناً مسؤولين كباراً من دول آسيا الوسطى ومن الدول الأوروبية وأميركا وآسيا. وأخذ المنتدى يكتسب أهمية بعدما شارك فيه العام الماضي الرئيس الإيراني محمد خاتمي ورئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي... وغيرهما.
ولا يكتفي المنتدى، الذي يتحول على مدى ثلاثة أياماً مختبراً لتبادل الأفكار المتعددة القارات، بمناقشة قضايا الإعلام في العالم وأسلوب تعاطيه مع الأزمات الدولية والاقليمية، بل يتعداه الى التعمق في أوضاع آسيا الوسطى، وموقعها في المشهد الاقليمي للصراعات والمساومات الدولية، بعدما تحولت محطة استقطاب دولي، وباتت جزءاً مهماً من موارد الطاقة لأوروبا وأميركا وآسيا، اضافة الى الدول المجاورة. وأتاحت مشاركة "الحياة" في المنتدى هذا العام تلمس مدى الأهمية التي أخذت تكتسبها كازاخستان في الجغرافيا السياسية للجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفياتي، وعلاقاتها مع جيرانها الأقوياء ومع أميركا التي صارت على مسافة قريبة جداً منها، في أفغانستان، ولديها قاعدة في أوزبكستان، ما حوّل هذه الدول الى مساحة شاسعة يتقاسمها النفوذ الأميركي المتصاعد مع جاريها التاريخيين الكبيرين، الصين وروسيا. فهي مساحة تختزن كياناتها الجغرافية كميات ضخمة من النفط والغاز يقدرها الأميركيون بأنها تفوق احتياط المملكة العربية السعودية والعراق معاً.
إلا أن تحول كازاخستان مركزاً للمؤتمرات والندوات الحوارية لم يكن مصادفة، فهي كانت، بالقدر الذي أتاحه انضواؤها في الاتحاد السوفياتي، الذي حوّلها جمهورية من جمهورياته في العام 1936، بعدما احتلتها روسيا في القرن الثامن عشر احد منتجعات الاتحاد السوفياتي من جهة، وأحد مراكز النفي لكثير من الروس ومواطني الجمهوريات الأخرى من جهة ثانية. وعند استقلاله كان البلد الكبير الذي شهدت مساحته هجرات عرقية متعددة على مر القرون، ازداد تنوعاً. فخلال الحكم السوفياتي، في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، شجع برنامج الحزب الشيوعي الزراعي وعنوانه "الأرض العذراء"، المواطنين الروس على الهجرة الى كازاخستان للمساهمة في استصلاح اراضي شمال البلاد وزراعتها. وشمل هذا التشجيع مواطنين من دول أخرى بينهم الألمان... وهو ما أنشأ خليطاً من الاثنيات يقول الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف انه يبلغ 130 جنسية و45 معتقداً دينياً. وإذا كان اللبنانيون في الشرق الأوسط يتغنون ب"العيش المشترك" بين 18 طائفة، فإن التعايش بين هذه العرقيات والاثنيات والمعتقدات الدينية في كازاخستان يشكل مصدراً لمنطق "التسامح" وقبول الآخر ضمن الدولة، وبالتالي لاحتضان فاعليات حوارية وملتقيات فكرية سياسية واعلامية، تحتاج اليها آسيا الوسطى لمعالجة مشكلاتها سواء الداخلية أو الخارجية...
ويشكل شعب الكازاخ 53.4 في المئة من السكان، والروس 30 في المئة، والأوكرانيون 3.7 في المئة، والأوزبك 2.5 في المئة، والألمان 2.4 في المئة، والأويغور صينيون 1.4 في المئة، فيما تشكل القوميات الأخرى كلها 6.6 في المئة. ويتوزع هؤلاء على الطوائف كالآتي: 47 في المئة من المسلمين و44 في المئة من الأرثوذكس الروس واثنان في المئة من البروتستانت، فيما الأديان الأخرى جميعاً تمثل سبعة في المئة. ومع أن اللغة الوطنية هي الكازاخية محكية بنسبة 64.4 في المئة، فإن الروسية لغة رسمية أيضاً، وتسود خصوصاً في التعامل التجاري وتعتبر لغة التواصل بين الاثنيات المختلفة، وهي محكية بنسبة 95 في المئة...
مؤتمر "بناء الثقة" في آسيا
وتقول داريغا نزارباييفا، ابنة الرئيس الكازاخستاني النافذة والتي ترأس المنتدى الأورو - آسيوي وتلعب دوراً سياسياً مهماً في الدولة وفي مؤسساتها الإعلامية، ان "تعدد الاثنيات في كازاخستان مثل على أنه يمكن معالجة التمايز بينها من دون حروب أهلية، وهذا يبني مجتمعاً منفتحاً".
لكن كازاخستان أخذت مبادرات يتجاوز بعدها الاطار الداخلي للحاجة الى الانفتاح والمرونة والسلاسة في سياستها الاقليمية الواسعة المدى. فقبل المنتدى الإعلامي، عقد في ألماتي هذه السنة مؤتمر حوار الأديان، الذي تقرر أن يعقد السنة المقبلة فيها أيضاً. وفي السنة الماضية احتضنت المدينة مؤتمر محافظي البنوك الإسلامية في العالم. وقبلها في العام 2002 لعب نزارباييف دوراً رئيساً في تأسيس "مؤتمر التفاعل وبناء اجراءات الثقة في آسيا" الذي يضم 16 دولة في القارة هي: أذربيجان، أفغانستان، الصين، مصر، الهند، ايران، اسرائيل، كازاخستان، قرغيزستان، مونغوليا، باكستان، فلسطين، روسيا، طاجيكستان، تركيا وأوزبكستان.
وتحتفظ 10 دول بصفة المراقب في هذه المنظمة الاقليمية الناشئة هي: أوستراليا، فيتنام، أندونيسيا، كوريا الجنوبية، لبنان، ماليزيا، الولايات المتحدة، تايلاند، أوكرانيا واليابان... وتشارك في اجتماعات هذه المنظمة منظمات دولية هي: الأمم المتحدة، منظمة التعاون والأمن في أوروبا، جامعة الدول العربية ومجموعة آسيا الوسطى الاقتصادية.
ولعب نزاربارييف دوراً ملحاحاً في مساعي تخفيف التوتر في حينه بين الهند وباكستان، وتمكن من تجاوز اعتراض ايران على اشراك اسرائيل في المنظمة الناشئة التي حدد دورها بالقول انها "القارة الأكثر سكاناً على الكوكب، المملوءة بالتنوع الثقافي والاثني، والتي تزود جزءاً مهماً من انتاجها الى العالم، تبقى غير مستقرة، وهي تحتاج الى نظام أمني جديد لأنها تتعرض لصراعات ونزاعات متعددة وللنزوع نحو نشر الأسلحة النووية وتطويرها، ما ينذر بخطر كبير"...
النفط على "طريق الحرير"
لكن لسياسة الانفتاح، وحوار الحضارات واتباع اللغة التصالحية من جانب نزارباييف وقيادة كازاخستان سند واقعي اضافة الى ذلك التاريخي. فالبلد الذي كان أول من تخلى عن أسلحته النووية فور انتهاء الحرب الباردة، طوعاً ودمّر ما لديه منها، زاوج بين مصالحه الداخلية وحاجته الى الاستقرار في علاقاته الاقليمية. فكازاخستان تملك بحسب الاحصاءات الأميركية احتياطياً نفطياً يبلغ 2709 بلايين برميل واحتياطياً من الغاز يقدر ب920.3 بليون متر مكعب من الغاز، لم يستخرج إلا النزر اليسير منها، الى درجة ان الاستهلاك الداخلي للغاز ما زال يعتمد في جزء منه على الاستيراد من أوزبكستان. وبعد أزمة اقتصادية في العام 1994 نتيجة الانتقال السريع لاقتصاد السوق، كما حصل في روسيا، اصبح النمو في الناتج القومي بحسب أرقام العام 2002، 9.5 في المئة بلغ حدود 13 في المئة في العام 2001 مع ناتج قومي يصل الى 28.5 بليون دولار، فنما قطاع الخدمات بسرعة هائلة وأخذ يشكل 51 في المئة من حجم الاقتصاد، مع تسارع الاستثمارات الخارجية والخصخصة. ويتوقع المستثمرون الأجانب أن يصبح بعد سنوات من أغنى دول المنطقة مع تقدم البنى التحتية لاستخراج مصادر الطاقة ونقلها عبر الأنابيب وتوسع الاقتصاد. وهذا يعني ان كازاخستان في مرحلة انتقالية، وعرضة للمشكلات الداخلية الكبيرة...
لكن الأهم، كيف يتم ضمان الرخاء المقبل لمجتمع قليل العدد قياساً الى مساحة الأرض، محاط بقوى كبرى، تتمسك بنفوذها ازاء الوجود الأميركي والأوروبي الذي يخطو خطى متسارعة في تلك المنطقة؟
بعض الوقائع الجغرافية قد يعطي صورة عن الموقع الحساس للبلد الغني: يبلغ طول حدود كازاخستان مع العملاق الصيني 1533كلم، ومع قرغيرستان 1050 كلم ومع روسيا 6846 كلم، وتركمنستان 379 كلم وأوزبكستان 2203 كلم، وعلى مر العصور كانت المساحة الشاسعة التي تشكلها بلاد الكازاخ، تألفت من مزيج من القبائل التركية والمونغولية الرحّل، التي توطنت في هذه المنطقة، في القرن الثالث عشر، وجاورت الدولتين الكبريين الصين وروسيا، والامبراطوريتين العثمانية والايرانية - الفارسية. فكانت تارة مسرحاً للحروب، ولاستراحة الغزاة الاسكندر الكبير وجنكيزخان... وأخرى للازدهار. ويرمز الاحتفال في العام 2002 من جانب دول آسيا الوسطى وجيرانها بتاريخ "طريق الحرير"، التي تأسست قبل الميلاد وشكلت لقرون طريق التجارة وبالتالي الانفتاح والتفاعل بين الشرق والغرب... الى استحضار وقائع الماضي المزدهر، بموازاة الحاجة الى ضمان أمن "طريق النفط" في الزمن الحاضر، في المنطقة، أي ضمان أمن أنابيب نقله من المنابع الى السواحل المطلة على أوروبا والدول الآسيوية... بعد التوافق على مسارها. فعلى هذا المسار تتوقف منافع ومصالح لا تحصى تتنافس عليها الدول المعنية...
وتقول الاحصاءات تحتاج الى تجديد للأرقام ان في كازاخستان وحدها 640 كلم من الأنابيب التي تنقل الغاز المكثف، و10527 كلم لنقل الغاز الطبيعي، و9771 كلم لنقل النفط، و1187 كلم لنقل النفط المكرر... والسنوات الماضية شهدت تلزيماً لانشاء المزيد من الأنابيب سيُضاعف طولها بالتأكيد قريباً.
وتصدر كازاخستان ثلث انتاجها النفطي عبر أنبوب "كونسوسيوم بحر قزوين" الذي يصل منابع نفط هذا البحر مع البحر الأسود على الشاطئ الروسي، وينتظر أن تتم مضاعفة حمولته. أما الأنبوب الثاني فيصل نفط كازاخستان بنظام الأنابيب الروسية في ظل اتفاق بين الدولتين على تطوير نقل النفط. وثمة خط نقل للنفط الكازاخستاني من بحر قزوين الى ايران ومنها عبر خطوط سكك الحديد الى روسيا. ويجرى التحضير لخط أنابيب الى الصين وآخر في البحر عبر باكو أذربيجان وصولاً الى تبليسي جورجيا.
أما الغاز، فإن مشاريع تطوير نقله مع اكتشاف حقول جديدة، هي قيد البحث وبعضها قيد الانشاء. وتشكل كازاخستان أيضاً معبراً لأنابيب الغاز من تركمنستان وأوزبكستان الذي يمر عبر قرغيزستان، ثم ألماتي، ومنها ينقل الغاز الى روسيا. وتشمل شبكة التوزيع هذه وجود مصافي تكرير في روسيا، ومشاريع انشاء المزيد منها بموازاة مشاريع الأنابيب المحتملة، ما يعطي فكرة عن حجم الاستثمارات في الطاقة ومصالح دول المنطقة في خفض كلفة الطاقة عندها وعبر خفض كلفة النقل وتأثير ذلك في اقتصاداتها، فضلاً في تأثير ذلك على الدول الأخرى المستهلكة التي يتركز همها الرئيس على ضمان أمن تدفق النفط وتنويع مصادره كاستراتيجية أميركية في الأساس جديدة تحتاط لاحتمالات عدم الاعتماد على سوق الشرق الأوسط فقط على رغم خفض كلفة استخراجه ونقله قياساً الى نفط آسيا الوسطى...
ترسيم الحدود وحصص قزوين
بدا الرئيس نزارباييف صاحب رؤية، في النظر الى تضافر تعقيدات الوضع الداخلي والتنوع العرقي مع امكانات ضخمة وواعدة لبلده على الصعيد الاقتصادي والثروة النفطية ومع وضع دولي جديد انتهى فيه نظام القطبين، ما أنهى نظام الحماية الدولية التقليدي. وكان التخلي عن الأسلحة النووية التي في حوزته أول اعلان عن خيار استبعاد القوة في حل النزاعات واللجوء الى التسويات...
وبالتزامن مع خطوات الانفتاح، سعى نزارباييف الى حل جزء كبير من أسباب النزاع الاقليمي مع جيرانه ومنها مشكلات الحدود مع الصين حيث يتم العمل على ترسيمها للسيطرة خصوصاً على الهجرة عبرها وعلى التهريب والنشاطات غير الشرعية. ويشارف ترسيم الحدود مع روسيا على النهاية. فيما انتهى الأمر مع تركمانستان وأوزبكستان، لكنه تأخر مع قرغيزستان.
ويقول العارفون ان استعجال انهاء النزاعات على هذا الصعيد دفع بنزارباييف الى اعطاء تعليمات بالتخلي عن أراضٍ حين كانت المفاوضات تتعقد مع بعض الدول بلغت مساحات بعضها آلاف الكيلومترات...
أما اقتسام الحقوق على ضفاف بحر قزوين، الذي يختزن كميات من النفط تراوح تقديراتها بين 17 و35 بليون برميل و5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يصنف ثالث حوص احتياطي في العالم فما زال معلقاً. والدول الخمس المحيطة به :روسيا، ايران، أذربيجان كازاخستان وتركمنستان، لم تتوصل الى صيغة موحدة بعد بسبب استمرار الخلاف القديم على اعتماد حصة كل دولة وفقاً لطول حدودها على البحر، فيما تصر ايران على حصص متساوية لكل دولة. لكن كازاخستان وقعت اتفاقاً ثنائياً مع روسيا على اقتسام 3 حقول غاز شمال بحر قزوين تحصل بموجبه موسكو على اثنين في مقابل الثالث لكازاخستان، ما تسبب باعتراض طهران التي ترفض الاتفاقات الثنائية وتدعو الى توافق خماسي.
ولا تستعجل كازاخستان، ومعها الدول الأخرى المعنية انجاز الاتفاق حول بحر قزوين، في انتظار استنفاد قدرتها الاستيعابية على استثمار حقول الطاقة على اليابسة في العقد المقبل، وفي ظل اصرار نزارباييف على "حل سلمي للخلاف". والأهم أنها تحث الخطى للتكيف الداخلي مع الانفتاح الذي تحقق، ما أثمر ارتفاعاً في معدل دخل الفرد السنوي قارب 0017 دولار أميركي.
غياب التشدد الإسلامي
تغيب عن كازاخستان القوى السياسية الإسلامية المتشددة الموجودة عند بعض جيرانها في آسيا الوسطى، وفي وقت انعكس الاستقلال بعد تفكك الاتحاد السوفياتي واعتماد اقتصاد السوق تحولات اجتماعية كثيرة، بات شارع "الجيش الأحمر" في ألماتي التي لا تزال العاصمة الاقتصادية، يسمى شارع المصارف والشارع التجاري الرئيس الذي تعج فيه أهم الشركات التجارية وأصناف الألبسة الأوروبية الباهظة الثمن ومن آخر موضة. وتنتشر في شوارع ألماتي التي تتميز بخضارها، النوادي الليلية وكازينوات المراهنات والمطاعم على أنواعها وكل مظاهر المجتمع الاستهلاكي المتقدم والخدمات الحديثة، والسيارات من أحدث الموديلات وأفخمها...
لكن الكثيرين ينسبون بعض النواحي التي تميز كازاخستان عن جاراتها لجهة غياب التشدد الإسلامي، الى مرحلة الاتحاد السوفياتي، ويقرون بأنهم يحصدون بعض نتائجها الآن: العلمانية التي كانت غلافاً للحد من ممارسة الطقوس الدينية وهي تشمل المسيحيين طبعاً بحيث ان المسلمين الذين يشكلون الأكثرية هم مع حرية المرأة، فضلاً عن أنه يمنع على الرجل المسلم الزواج أكثر من مرة. ثم ان الزامية التعليم في المرحلة الابتدائية، جعلت الأمية شبه غائبة.
وفي المدينة المحاطة بجبال الأتاو الشاهقة التي لا تغيب عنها الثلوج حتى في الصيف الحار ارتفاعها أكثر من 5 آلاف متر وتستقطب منتجعاتها سياحاً أجانب للتزلج، تتوزع المصالح بين الاثنيات والأعراق عبر المستثمرين الأجانب: المطاعم للأتراك وأماكن اللهو للروس. وللآخرين حصصهم أيضاً. الصينيون والألمان... وطبعاً الأميركيون عبر الشركات الكبرى... الخ.
لكن مظاهر الحداثة في ألماتي لا تلغي عثرات لا بد من أن تواكب فورة التقدم التي أخذت تشهدها، وبعض المشكلات الكامنة. فالدولة تعتمد كثيراً على الضرائب المرتفعة، والهوة بين أقلية اغتنت بتدفق الاستثمارات وأكثرية فقيرة ازدادت الى حد بعيد. ففي كازاخستان وخصوصاً في الريف يعيش الكازاخ حالاً شبه معدمة، وتقول الاحصاءات ان أكثر من 26 في المئة هم تحت خط الفقر المدقع. ويشعر المواطنون الروس بالتفوق الثقافي والحضاري على الكازاخ، وتسعى الحكومة الى اعادة المهاجرين الكازاخ الذين توزعوا على مدى عقود على مونغوليا والصين وتركيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق، 3 ملايين لرفع عدد السكان والافادة منهم في الاقتصاد... أما رواتب الطبقة الوسطى وخصوصاً المعلمين والأساتذة الجامعيين والأطباء وموظفي الدولة فهي متدنية أقل من 100 دولار شهرياً، وينتشر الفساد في دوائر الدولة، على رغم رفع رواتب بعض القطاع العام والشرطة، بل ان مظاهره انتقلت الى بعض القطاع الخاص، في ظل ارتفاع كلفة المعيشة.
ومع المشكلات البيئية التي تعانيها البلاد وبفعل التلوث وبسبب مخلفات التجارب النووية التي أجراها السوفيات في المناطق النائية، يفاخر أبناء ألماتي بأن من القوانين المتشددة فيها، فرض الضرائب والرسوم على المنزل أو المبنى الذي لا يبدي اهتماماً بنمو الأشجار والنباتات المحيطة به.
ومع ان البعض يفسر قرار رئيس الجمهورية نقل العاصمة الى استنا، بأنه لإبعادها من تأثير الصين ونفوذها، خصوصاً أنها تتقاسم الحدود معها على مسافة 3 ساعات بالسيارة خلف الجبال المحيطة بالمدينة، فإن انتقال دوائر الدولة والوزارات الى العاصمة الجديدة لم يحولها الى محط أنظار الأجانب، فضلاً عن أنه سبّب خللاً في الحياة الاجتماعية لموظفي الوزارات والإدارات الذين اضطر كثير منهم لإبقاء عائلاتهم في ألماتي لان الحياة الاجتماعية فيها أفضل.
وعلى رغم ان معارضي نزارباييف يأخذون عليه تقييد حرية الإعلام، فإن حكومته تفاخر أيضاً بأنها فتحت باب الترخيص للمؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية وأن في البلاد 1586 مؤسسة اعلامية بينها 1047 صحيفة يومية وأسبوعية. لكن الرئيس الكازاخستاني الذي يتصرف بدهاء اغتنم فرصة عقد المنتدى الأورو - آسيوي ليعلن قبوله بقرار المجلس الدستوري في البلاد رد قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع، نظراً الى تناقض بعض بنوده التي تقيد حرية الإعلام مع الدستور، على رغم أن صلاحياته تتيح له الاصرار عليه والطلب الى البرلمان اعادة التصويت عليه. وهو فعل ذلك أمام الصجافة الأجنبية والشخصيات الغربية الحاضرة للمنتدى، والتي تدعو الحكم الى المزيد من الشفافية والانفتاح...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.