لا يمكن إلا أن ينجرف المرء لكتابة مرثاة ما في رحيل ميخائيل عيد، الشاعر والمترجم السوري عن 68 عاماً. فهو في غيابه أخذ معه نوعاً من الخصوصية التي لا يمكن توافرها في سواه. فإضافة إلى تأليفه ما يفوق الخمسين كتاباً وترجمته ما يناهز الحجم ذاته، فهو من الأشخاص النادرين الذين استطاعوا امتلاك شخصية دمثة متواضعة ومحبة لا تُعنى بالفوارق الإيديولوجية بين شخص وآخر. هذا إضافة إلى أنه من الذين دمجوا بين الثقافة كخيار نظري في المقام الأول، وطريقة الحياة، في المقام الثاني. ونشر في محيطه الاجتماعي محبة وسلاسة في التعامل تصل إلى أي حد ممكن لاغياً الفواصل بين أب وابن أو بين قديم وجديد. كان آلة من العمل المتواصل في التأليف والترجمة والعمل والصحافي. أعرف ميخائيل عيد منذ نحو الخمسة عشر عاماً ودائماً كنت أحتفظ له بمحبة داخلية كبيرة من دون أن أتمكن يوماً من التصريح بها له مباشرة. ولم أعرف السبب. ربما لأن العمل الثقافي يخلق نوعاً من "العقد" فلا يمكن واحداً التصريح بحبه لشخص إلا بآلية معقدة غامضة. أعرف أنني تأخرت؟ تأخرت كثيراً جداً. لقد غاب ميخائيل عيد من دون أن أتمكن من التعبير له عن تقديري ومحبتي. ربما يشاركني الكثيرون تأخري في التعبير عن هذه المودة الداخلية العميقة والخاصة. حتى في غيابه يكون الأكثر حباً وعطاء. لهذا ستكون كلماتنا الفقيرة تلك وردةً لا تذبل على قبره في مشتى الحلو واعترافاً بفضله هذا الأديب والإنسان. وكيف لي أن أنسى حينما قرر اتحاد الكتاب العرب بدمشق حذف مقاطع من كتابي "وردة الإصغاء" عام 1996 . وكان القرار يشدد على الحذف كي تأتي موافقة النشر. فجاء ميخائيل، وبطريقته الخاصة، ومحبته، وحادثني على انفراد مطولاً. وخرجت من اجتماعي معه موافقاً على الحذف. وطبع الكتاب. حتى أن زميلاً لميخائيل هو الشاعر فايز خضور قد ألّف دعابةً بعد هذا الحذف حيث قال: "إذا "الكرملين" حذف لك فماذا تفعل"؟ قاصداً انتماء ميخائيل الى الحزب الشيوعي السوري وكونه أشرف على الحذف شخصياً مع أنه ليس صاحب القرار بالحذف بل سهّل عليّ، بطريقته الخاصة العميقة، حذف المقاطع. خبر وفاة ميخائيل عيد جليلٌ مؤلمٌ . بغيابه يختفي نموذج نادرٌ : الإيديولوجي والمثقف والشاعر والإنسان. وداعاً وداعاً ميخائيل عيد.