الفريق الفتحاوي يرفع درجة الجاهزية.. و"قوميز": مباراة الوحدة موسمٌ كامل في 90 دقيقة    الإعلان عن أندية الدرجة الأولى الحاصلة على الرخصة المحلية    إدارة نادي الخليج تستقبل وفد اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    أوامر ملكية: تغييرات في إمارات المناطق وتعيينات قيادية رفيعة    أولوية وطنية.. نقلة نوعية في مصادر الطاقة    مؤتمر الاتصال الرقمي: القيمة والتفاعل    الراقي والعودة الكبيرة    الرواية والسينما وتشكيل الهوية البصرية    قيمة المثقف    الحج لله.. والسلامة للجميع    اضطرابات نفسية.. خطر صادم    مرضى الكلى.. والحج    نائب الرئيس الأميركي: الأزمة بين الهند وباكستان «ليست من شأننا»    الزيارة الثانية    اللغة العربية والهوية الوطنية    بتكوين ترتفع إلى 102385 دولاراً    ترامب يدعو إلى وقف إطلاق نار "غير مشروط" بين روسيا وأوكرانيا لمدة 30 يوماً    تشيلسي يهزم يوجوردينس السويدي ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    الزمالك يطالب بحسم أزمة مباراة قمة الدوري المصري قبل مواجهة بيراميدز    العدالة يبدأ استعداداته لمواجهة نيوم في دوري يلو    بمشاركة (90) لاعباً .. اختتام تجارب أداء لاعبي كرة قدم الصالات    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    الحجيج والهجيج    إحباط تهريب (43) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر بجازان    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان    الهلال الأحمر يُفعّل اليوم العالمي للهلال الأحمر تحت شعار "الإنسانية تجمعنا"    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم الملتقى العلمي الرَّابع لطلبة المنح الدِّراسيَّة    رئاسة الشؤون الدينية تدشن أكثر من 20 مبادرة إثرائية    الربيعة يطمئن على صحة التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا"    اللغة تسهل اجراءات مبادرة طريق مكة في إسلام آباد    جامعة نايف للعلوم الأمنية تنال اعتمادا دوليا لكافة برامجها    تعليم جازان ينظم لقاءً تربويًا بعنوان رحلة التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم لمديري ومديرات المدارس    منظومة رقمية لإدارة دوري روشن بالذكاء الاصطناعي    جائزة البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية لمجمع الملك سلمان العالمي    قمة بغداد: نحو نهج عربي جديد    ريم العبلي وزيرة في المانيا حظيت باهتمام الناشطين العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟    إنجازان جديدان لجامعة إماراتية التنبؤ بالجلطات الدموية والعزل بمخلفات النخيل    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة/ جواهر بنت بندر بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    "النقل" تمهل ملاك القوارب المهملة شهرًا لمراجعتها    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    أخبار وأسواق    ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    90 مليار دولار إسهام "الطيران" في الاقتصاد السعودي    نُذر حرب شاملة.. ودعوات دولية للتهدئة.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يهدد ب«كارثة نووية»    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    الرُّؤى والمتشهُّون    ألم الفقد    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    أحمد الديين الشيوعي الأخير    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام المفقود وخفايا الصراع على المنطقة في التسعينات
نشر في الحياة يوم 20 - 11 - 2004

تبدو النتيجة التي يتوصل اليها دنيس روس في آخر كتابه: "السلام المفقود" متوقعة. فقد مهَّد لها الرجل - الذي عمل في وزارة الخارجية الأميركية، وفي مفاوضات السلام منذ العام 1988 وحتى العام 2000، تارةً مراقباً، وتارةً مفاوضاً، وتارةً كبير مفاوضين، وأخيراً مبعوثاً شخصياً لوزير الخارجية أو للرئيس كلينتون - على مدى صفحات الكتاب الألف تقريباً.
يقول روس ان عرفات وفي ما بين كامب ديفيد الثانية وطابا على الخصوص أظهر في شكل حاسم أنه لا يستطيع انهاء النزاع... ففي الأسبوع الأول على تولي بوش الرئاسة، توجه المفاوضون من الجانبين الى طابا بمصر... ولم يكن الهدف الحقيقي الوصول الى اتفاق، بل محاولة من الجانب الاسرائيلي لتقييد ما يمكن أن يفعله شارون ومحاولة من الجانب الفلسطيني لإقناع ادارة بوش بأفكار كلينتون. وما تحقق أي من الهدفين... أما لماذا لم يحصل ذلك؟ فإنه ليس بسبب الأخطاء التي ارتكبها باراك أو تلك التي ارتكبها كلينتون. "فقد كان كل منهما، بصرف النظر عن الأخطاء التكتيكية، مستعداً لمواجهة التاريخ والخرافة. وكان قائد واحد فقط غير قادر على مواجهة التاريخ والخرافة، أو غير راغب في ذلك: ياسر عرفات!". وتبدو هذه العبارات طعنةً في الظهر لعرفات، ولبعض مساعديه، الذين ظلوا لسنواتٍ طوالٍ بعد أوسلو مقتنعين بنزاهة دنيس روس بالذات، وعدم غلبة التحيز عليه. بيد أن الأهم من ذلك ان هناك سرديتين أو قصتين للمفاوضات بين كامب ديفيد الثانية وطابا، واحدة اتفق عليها في ما بين عام 2001 و2003 الاسرائيليون والأميركيون، وأخرى اجتمع عليها الفلسطينيون، وبعض الأوروبيين. والمعروف أن ايهود باراك تدخل شخصياً في النقاشات وكتب مقالات عدة في "نيويورك ريفيو اوف بوكس" بمشاركة بعض المؤرخين الاسرائيليين، وردَّ عليه الفلسطينيون في مقالاتٍ مشتركةٍ بالمجلة نفسها كتبها أحمد الخالدي وحسين آغا وبوب ماليه الذي كان مشاركاً في المفاوضات من ضمن الوفد الأميركي. عرفات يقول انه لم يوافق لثلاثة أسباب: القدس وحق العودة بالدرجة الأولى، ثم احتفاظ اسرائيل بأراضي المستوطنات الكبرى. والأميركيون يقولون ان رسالة كلينتون الأخيرة اليه تحل أكثر هذه المشكلات" لكن الحقيقة انه لم يوافق، لأنه ليس مقتنعاً وهو الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني بالتنازل عن 80 في المئة من أرض فلسطين للدولة اليهودية! والطريف ان هذا هو ما يذكره بعض الأميركيين ودنيس روس ليس منهم في هذا الكتاب عن الرئيس الأسد. فقد كان بوسعه، من وجهة نظرهم، استعادة الجولان كله تقريباً، لكنه لم يرد، وهو القومي العربي، توقيع سلام مع اسرائيل يضع في يدها أكثر فلسطين التاريخية! لكن إذا كانت قناعات عرب كثيرين، بأن الكيان الصهيوني هو كيان استعمار واستيطان واغتصاب" والاعتراف به أياً يكن السلام شاملاً وعادلاً! صعب جداً" فماذا يقال عن الصهاينة حتى المعتدلين، الذين سارعوا لضم الجولان، وهو ليس جزءاً من أرض فلسطين الموعودة، كما سارعوا لاقامة المستوطنات حتى في غزة، حتى يصبح خروجهم صعباً ان لم يكن مستحيلاً من القدس، ومن الضفة الغربية!
لكن كتاب دنيس روس شديد الأهمية على رغم تحيزه أو بسبب تحيزه. فهو الرواية الأكثر تفصيلاً ودقة لمفاوضات السلام بين العرب والاسرائيليين الفلسطينيين والسوريين على الخصوص منذ مدريد في العام 1992 وحتى طابا ورسالة كلينتون في العام 2000. وكنت قرأت من قبل كتباً عدة عن المفاوضات بين العرب والاسرائيليين، أهمها كتاب وليام كوانت: عملية السلام. لكن كوانت ما كان مرةً قريباً من المفاوضات قربَ دنيس روس حتى أيام الرئيس كارتر، ثم انه يركّز على ما بين كامب ديفيد الأولى 1977 وأوسلو 1993 مروراً بمدريد، وتأتي السنوات اللاحقة بمثابة ملحقات في الطبعة الثانية من الكتاب. لكن كما سبق القول، ليس هذا هو الفارق الوحيد بين الكتابين" بل هناك قرب دنيس روس من المفاوضات، ومشاركته عملياً في القرار على الأقل منذ العام 1993 وحتى العام 2000. ثم هناك الاختلاف بين طبيعتي المقاربة. فكوانت أكاديمي معروف وبارز" بينما دنيس روس ديبلوماسي لا يميل كثيراً الى التنظير، بل الى التركيز على تصوير الدوافع والأمارات البارزة للأشخاص وللأحداث، لأنه لا يريد الوصف واصدار الأحكام" بقدر ما يريد الانجار. على ان هناك فارقاً أخيراً ومهماً بين الكتابين المكتوبين من جانب رجلين أميركيين، يعرفان جيداً دور الولايات المتحدة في انشاء اسرائيل وفي رعايتها، وفي التحالف الاستراتيجي معها، والذي يتوثق يوماً بعد يوم" بحيث صارت السياسة تجاه اسرائيل عاملاً حاسماً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، كما بدا أخيراً في صراعات بوش وكيري على الفوز بالرضا الاسرائيلي.
الفارق الذي أقصده ان وليام كوانت ديموقراطي ليبرالي، يريد أن تكون أميركا وسيطاً نزيهاً فعلاً، وأن تعمل من ضمن المجتمع الدولي" بينما دنيس روس، الذي عمل مع ادارتين جمهورية وديموقراطية، والذي قضى ثماني سنوات مع كلينتون الديموقراطي، يهودي محافظ، ولا يرى أن ذلك مخل بنزاهته" لإيمانه بأن السلام بين العرب واسرائيل، في ظل القوة الاسرائيلية المتفوقة، والتحالف مع أميركا، فرصة سانحة ومن مصلحة اسرائيل، وينبغي انتهازها من أجل حاضر الدولة العبرية ومستقبلها.
عقد دنيس روس فصلين لما قبل أوسلو. الأول تحدث فيه عن رؤية كلٍ من الاسرائيليين والعرب والفلسطينيين للنزاع. والثاني عن الطريق الى مدريد. وكان قد تحدث في التمهيد عن نشأته الليبرالية، والتزامه اليهودي، وتعرفه على الشرق الأوسط من خلال دراسته عند مالكولم كير، المختص بالشرق الأوسط والإسلام، والذي قُتل ببيروت عام 1984 عندما كان رئيساً للجامعة الأميركية. فصلا روس الأولان ليسا رائعين، لأنه كان يشارك من موقع وظيفي منخفض، ولأنه ركز على المسائل الرؤيوية، وهو ليس كبير القدرة فيها. لكن الفصول الباقية، والبالغة أربعةً وعشرين فصلاً، تقدم فعلاً بانوراما هائلة ودقيقة لسنوات كلينتون الثماني.
هناك فصلان عن الملك حسين واتفاقية وادي عربة 1994. وخمسة فصول عن المفاوضات مع سورية. و18 فصلاً عن المفاوضات مع الفلسطينيين أيام ثلاثة وزراء اسرائيليين: إسحاق رابين أوسلو والبدء بتنفيذها، وشيمون بيريز فترة قصيرة بعد مقتل رابين، ونتانياهو، ثم ايهود باراك. وعلى رغم أن تفاصيل الأحداث ما عادت واضحة للكثيرين" فإن المهم في الكتاب، ليست هذه التفاصيل، بل هذا التقويم الذي يقدمه دنيس روس للشخصيات واللأخلاق وللقدرات ولإرادة السلام، وللصراعات على السلطة في ادارات كل من عرفات ونتانياهو وباراك. وروس معجب بأبو مازن وأبو علاء ومحمد دحلان - ومعجب بعرفات، لكنه لا يثق به ولا يحبه، ويستغرب من أين يأتي بكل هذه القوة، وتلك الثقة. ورأيه بنتانياهو أكثر ايجابية من رأيه بباراك. بل ان باراك يكاد يكون السياسي الاسرائيلي الوحيد الذي لا يعجب دنيس روس، لتقلبه، وتردده.
ظهر كتاب دنيس روس قبل ستة أشهر. وظهر قبل أيامٍ بالعربية، في هذه الترجمة الرائعة. وهو يكتسب الآن بالذات أهميةً اضافيةً بسبب ظروف غياب الرئيس عرفات، وتبدل الوضع من حالٍ الى حال" كيف سينظم الفلسطينيون أمورهم بعد عرفات؟ ثم كيف ستعود المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين فعلاً على رغم عدم تحمس ادارة بوش ولا شارون؟ وما هي الدروس التي يمكن تعلمها من المفاوضات السابقة التي أسست للوضع الحالي أوسلو، والتي تعود المشكلات لخروج الطرفين عليها: عرفات والفلسطينيون بالانتفاضة، والاسرائيليون بانتخاب شارون، الذي لا يزال يقول انه ضد أوسلو من الأساس! والطريف هنا أن حماس قالت ذلك أيضاً قبل ثلاثة أيام.
كتاب دنيس روس كتاب جاد. نختلف معه في كثير من الأمور. لكننا نستطيع أن نتعلّم منه كثيراً عن السياسات الأميركية تجاه العرب، وعن اسرائيل حاضراً ومستقبلاً.
* دنيس روس: السلام المفقود، خفايا الصراع حول سلام الشرق الأوسط. دار الكتاب العربي، بيروت 2004. ترجمة عمر الأيوبي وسامي كعكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.