يتحضر حوالى خمسة ملايين طالب وطالبة في كل المناطق السعودية خلال هذه الفترة، للدخول الى قاعات الامتحانات لإنهاء سنة دراسية طويلة. مشاعر الخوف والقلق تسيطر على الغالبية العظمى منهم، وسؤال دائم يعتصر اذهانهم "كيف ستكون الأسئلة؟". وتأتي الإجابة سريعة مع مغلف اوراق الامتحان. والطلاب بين تردد واستعجال. تردد من قراءة الورقة التي قد تحمل بين طياتها مفاجأة لم تكن في الحسبان، واستعجال للانتهاء من الاجابة ضمن الوقت المحدد وتقديم الورقة للمراقب بكل ما تتضمنه من معلومات صحيحة او... محبطة. بدأت ملامح القلق وخشية اليوم الاول تظهر على وجوه الطلاب في جميع المراحل الدراسية، فيما سعت المدارس الى تهيئة الاجواء الاكاديمية المناسبة. ولم تقتصر التحضيرات على الطلاب واهلهم بل شهدت الشوارع السعودية عموماً دوريات امنية مكثفة لفك اختناقات حركة المرور وضمان وصول الطلاب الى مراكز الامتحان. محمود طالب في المرحلة الثانوية تنتابه حالات من التوتر المرضي اثناء المذاكرة المنزلية. هاجسه الوحيد "ماذا سيحصل غداً؟". ويقول محمود: "مع بداية الأيام التي تمنحنا اياها المدرسة للمراجعة النهائية، تبدأ مرحلة التوتر والقلق وبعض عوارض الاكتئاب من جراء ما يفرضه علينا الأهل من مراقبات دورية على مدار الساعة. أضف الى ذلك الأسئلة المتكررة، هل استوعبت المواد؟ هل تحتاج الى مدرّس لأي مادة؟ ناهيك بالآمال الكبيرة التي يعلقونها على نتائج الاختبارات. بالفعل نعيش مرحلة ضغط نفسي رهيبة لا يعيها الأهل بشيء من التعقل، الأمر الذي يصيبني ويصيب الكثير من زملائي بالتوتر الشديد، ما يعطي في معظم الأحيان نتائج محبطة لكلا الطرفين". فدوة المظلوم من المرحلة المتوسطة لديها مشكلة تعتبرها السبب الرئيس وراء إخفاقها في كثير من المواد الدراسية اثناء تأدية الامتحانات النهائية "لا أشعر برهبة الاختبارات طوال ايام المذاكرة وحتى عند دخول قاعة الامتحان الى ان تصبح ورقة الأسئلة امامي، فبمجرد وصولها الى طاولتي اشعر بالمغص يعتصر معدتي، وأتصبب عرقاً في شكل كثيف لا أستطيع السيطرة عليه، وتساورني حالة من القلق والخوف ما يفقدني التركيز على الإجابات المطلوبة ويجعلني قابعة داخل القاعة حتى آخر الوقت". وقال مدير عام التربية والتعليم في العاصمة المقدسة مكةالمكرمة عليوي القرشي: "للأسرة والمجتمع دور مهم في فترة الاختبارات لاعطاء الطلاب جرعات من الهدوء والاستقرار النفسي لعدم اشعارهم بالخوف وازاحة شبح القلق عن اذهانهم". وتواصل الوحدات الصحية المدرسية استعداداتها والقيام بجولات على المدارس لمواجهة حالات الاغماء، كما سبق ان قدمت الاجهزة الطبية في المملكة تنبيهات تدعو الطلاب الى الابتعاد عن الافراط في السهر خلال فترة المراجعة او استخدام الحبوب المنبهة. في المقابل هناك من يجد ان فترة الاختبارات النهائية تشبه بقية الأيام الدراسية، خصوصاً في ظل تغير الأساليب القديمة في طريقة التصحيح، او حتى في كيفية تقبل الإجابات التي تنم عن فهم الطالب للمادة. هذا حال خالد الفقيه الطالب في الثانوية العامة: "اختلف اسلوب الترهيب الذي طالما كنا نعاني منه سابقاً ليحل مكانه كثير من التفهم لحالات الطلبة في هذه الفترة، بل ان هناك عدداً من المدرسين الذين يعملون على مساعدة الطلبة والطالبات في تقريب المعلومة لدرجة كبيرة ويجعلك تراجع ما كتبته على الورقة اكثر من مرة علك تجد ضالتك، او تتذكر معلومة كنت قد نسيتها. لذا لا داعي للخوف والقلق". ويضيف الفقيه: "اعتبر فترة الاختبارات ممتعة جداً لأننا ننتهي باكراً، ما يسمح لنا بتناول وجبة الإفطار في احد المطاعم المجاورة للمدرسة مع عدد من الزملاء، اضافة الى اننا في بعض الأيام نقوم بجولات تسويقية، او التنزه على البحر وأعتقد ان هذا مفيد جداً لأنه يخرج الطالب من التوتر الذي عاناه داخل قاعة الامتحان". عن الاختبارات وما تسببه من حالات عصبية ونفسية، تقول منال غازي مفتي الأخصائية النفسية في جدة: "قلق الامتحان يتجسد في الانزعاج والانفعال، وهما ابرز عناصره. ويحدد الانزعاج على انه اهتمام معرض لأن يصبح خوفاً من الفشل. ويحدد الانفعال على انه رد فعل الجهاز العصبي، ويأتي نتيجة عاملين اساسيين، الأول هو الجانب المعرفي ويتضمن التفكير في الفشل وتبعاته كالعقاب، او الخشية من فقدان المكانة والتقدير. والعامل الثاني هو الانفعال والتوتر او الهلع من اداء الامتحان. اما الجانب الفيزيولوجي فينتج عن تنبه الجهاز العصبي اللاإرادي وابرز مظاهره زيادة إفراز العرق وبخاصة منطقة الكفين، هز اليدين، طرقعة الأصابع، النفس العميق، التنهد، ارتفاع معدل النبض، ازدياد عدد مرات التنفس، الصداع المستمر الذي لا يهدئه الأسبرين، برودة الأطراف، شحوب الوجه، ارتفاع ضغط الدم، الدوران والغثيان، القيء والإسهال، الانتفاخ وعسر الهضم، وجفاف الفم. ومن هنا يتبين ان هناك علاقة وثيقة بين قلق الامتحانات وكل من الأداء والتحصيل الأكاديمي في شكل سلبي". ولعلاج هذه المشكلة تضيف مفتي: يتعين الاهتمام بعملية الإرشاد الأكاديمي وتوجيه الطلبة عموماً وطلاب الثانوية العامة خصوصاً، فذلك يعمل على تقليل حدة القلق، اضافة الى انه يتوجب على القائمين على امور التعليم والمربين ان يضعوا نصب اعينهم ان المشكلة غير سهلة وتعوق مسيرة العملية التعليمية. كذلك لا بد من العمل على تخفيض حدة التوتر التي تشوب مواقف الاختبارات عامة واستبدال قائمة الأوامر والنواهي بإشاعة جو الطمأنينة والثقة، اضافة الى العلاج البيئي، بمعنى تعديل العوامل البيئية ذات الأثر الملحوظ، مثل تخفيض حدة الضغوطات التي تمارس من قبل الأسرة في زيادة عدد ساعات المذاكرة اليومية، ومن الممكن اللجوء الى بعض العلاجات الطبية التي اثبتت نجاحاً في منع حدوث نوبات القلق، وهي مأمونة الى حد بعيد".