كنت قد كتبت مقالاً سابقاً عن الخدمات الصحية في الحج وما تقوم به حكومتنا الرشيدة من توفير سبل الراحة والطمأنينة في المجالات المتعددة ومن أهمها الجانب الصحي. واليوم سوف أتطرق إلى ما شاهدته بنفسي في جميع المشاعر المقدسة والتطور المتسارع في سنوات ليست بالطويلة؛ بل هي قفزات متسارعة لا أحد يصدقها إلا من شهدها، فقد أديت فريضة الحج في عام 1408 للهجرة تقريباً، وكانت منى تمتلئ بالحجاج، وفي خيام قد تكون في وقتها هي الأنسب في ذلك الحين، وكنا نمكث فيها بالليل لتحقيق شرط المبيت ثم نذهب إلى العزيزية لنبقى في النهار تحت برودة التكييف الذي لا بد منه ثم نعود قبل غروب الشمس؛ وهكذا، وكانت الخدمات تقدم بشكل مستمر في المشاعر من قبل الجهات المعنية. وفي عام 1418 هجرية تقريباً ذهبت لأداء فريضة الحج، ولكن عن طريق حملة للحجاج داخل مخيمات خاصة تتوفر بها أجهزة التكييف والبرادات والوجبات المتنوعة تحت إشراف وزارة الحج، ووجدنا الخدمات تزداد تحسنًا وتطورًا أكثر وأكثر رغم وجود من يفترشون الأرصفة والشوارع. وفي هذا العام ذهلت ذهولاً شديدًا عندما وصلت إلى الطائف للانتقال مع الحملة إلى مكةالمكرمة ثم إلى منى، حيث كان التركيز من الجهات الأمنية على التحقق من نظامية دخول الحج والتأكد من تصاريحهم، وهذا هو المنطلق الأول والأساس لنجاح خطة الحج حيث (لا حج بلا تصريح)، وبعد فراغنا من طواف القدوم توجهنا بالحافلات المخصصة إلى مشعر منى من خلال تنظيم محدد بالساعة والدقيقة من قبل الشركة المتعهدة حسب خطة وزارة الحج لضمان انسيابية الحركة بين المشاعر، ثم وجدنا ما يثلج الصدر في المكان المخصص للمبيت بجميع الخدمات التي يحتاجها الحاج وكأنه في منزله بل وأكثر من ذلك، والتوجيه الإعلامي من قبل الحملة بتعليمات وزارة الحج ووزارة الصحة للمحافظة على الحجاج لأداء نسكهم بيسر وسهولة الأمر الذي أكسب جميع الحجاج الثقة في هذا العمل المنظم. ويشمل المخيم: الإرشاد الديني لتعليم الحجاج بالنسك الصحيح سواء المفرد أو القارن أو المتمتع والخدمات الصحية داخل المخيم. والوجبات الصحية التي تقدم للحجاج والتأكد من سلامتها من قبل الجهات ذات العلاقة وإرسال الرسائل عبر الجوال لكل حاج باللغة العربية والإنجليزية خطوة بخطوة، وهذا هو التطور التقني المتميز. عن ماذا أتحدث، هل أتحدث عن قطار المشاعر أو عن الطواقم الطبية والإسعافية والأجهزة الأمنية التي تسهر ليل نهار، حتى أن المياه توزع على كل من يسير في المشاعر والممرات وبنفس طيبة. ورجال النظافة يسيرون مع الحجاج جنبًا إلى جنب، بل كثير منهم يقابل الحاج وهو يحمل كيس النفايات مفتوحًا ويجعله يتخلص من العلب الفارغة دون الذهاب إلى سلة النفايات. ليس بعد هذا العمل شيء، والله ثم والله ما شاهدته لا يمكن أن يكفيه صفحة كاملة في صحيفة "الرياض" أو في برنامج إعلامي، وما شاهدناه من النقل عبر القنوات هو جزء يسير من عمل كبير. تخيل أن رجل المرور ورجال الأمن بكل رتبهم يقفون تحت أشعة الشمس ويرشون الماء على الحجاج وهو همهم الأكبر لتلطيف الجو لهم وهم يبتسمون ولا يزجرون أحدًا، رغم ما يجدونه من صعوبة في التوجيه بسبب اختلاف اللغة والثقافة والسلوكيات التي يجدونها من البعض، ومع ذلك فهم يتحملون هذا الأمر لأنهم يعتبرون ضيوف الرحمن ضيوفًا عندهم. هذه الأعداد الهائلة التي توجد في منطقة جغرافية محددة وفي وقت محدد لا بد أن نعلم أن تفويجها بهذا الشكل والانسيابية المتقنة لهو أمر يدعو للفخر بكل المقاييس، ولم تأتِ هذه النجاحات المتوالية إلا بتوفيق الله عز وجل ثم بجهود هذه القيادة الرشيدة والعاملين في جميع القطاعات. حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين ذخرًا للإسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين.