إطلاق عام 2024 بوصفه «عام التحوّل الإعلامي»، ثم إعلان 2025 «عام التأثير».. خطواتٌ ليست مجرد شعارات مرحليّة، بل محطات استراتيجيّة في مسار يرتقي بقطاع الإعلام السعودي من التجديد إلى التمكين، ومن الأداء إلى الأثر.. في زمنٍ لم يعد فيه التأثير ترفًا، بل شرطًا وصوتًا من أصوات الرؤية التي تمضي بالمملكة نحو الصدارة دومًا.. بالرغم من انتمائي المهني للهيئة العامة لتنظيم الإعلام، إلا أن ما سأكتبه هنا ليس مقالة موجهة، بل شهادة مهنيّة ككاتب صحفي وممارس اتصالي، وقراءة موضوعيّة لمشهدٍ يستحق الإشادة، فحتى لو جاء الصوت من الداخل؛ فالانتماء لا يُقصي الرؤية، والوظيفة لا تمنع الإعجاب، ولا تُقيّد القلم حين يرى النجاح حين يكون الإنجاز واضحًا للعين قبل البيان. التقرير الصادر مؤخرًا من الهيئة العامة لتنظيم الإعلام عن "حالة الإعلام في السعودية وفرص الاستثمار" كشف عن تحولات نوعيّة في التغيير التنظيمي والتقني، إلى إعادة رسم ملامح القطاع برمّته. حيث ستة مسارات كبرى قادت هذا التحوّل، بدءًا من تغير في معدلات الطلب، تطوّر في البنية التحتيّة، تسارع في التمكين المالي، قفزات في دعم المواهب، واعتماد لافت على التقنيّة، وتنظيم رشيق يفتح الأبواب دون أي حواجز. سنبدأ بلغة الأرقام، حيث بلغ حجم القطاع الإعلامي نحو 6 مليارات دولار في 2023، ويتوقّع أن يتجاوز 11 مليار دولار بحلول 2030. وبلغت مساهمته في الناتج المحلي 4 مليارات دولار في 2023، مع طموح للوصول إلى 12 مليار دولار في 2030، بينما قفزت عدد الوظائف في القطاع من 60 ألفًا في 2023 إلى 150 ألفًا خلال سبع سنوات بحلول 2030م. ولعلّ أبرز معالم هذا التحول، أن المملكة صارت تنتج محتوى ينافس عالميًا. فعلى سبيل المثال باتت الأفلام السعودية تحصد جوائز دولية، وصعدت شركات ك"تلفاز 11" بفيلم مثل "سطّار" ليحطم مشاهدات "أفاتار" في شباك التذاكر المحلي. أما قطاع الألعاب الإلكترونية، فقد تضاعف حجمه ليصل إلى 6.06 مليارات ريال بحلول 2030، مع استضافة المملكة فعاليات عالمية، كموسم "الجيمرز" الذي حصد ما يقارب 1.2 مليار مشاهدة. وفي البنية التحتيّة، تحتضن المملكة اليوم أكثر من 35 استوديو إنتاج مميز بمساحات عالمية، بينما تغطي 78% من أراضيها بالجيل الخامس، ومتوسط سرعة الإنترنت بلغ 322 ميجابت/ث، أي أعلى ب59% من المتوسط العالمي. أما على صعيد تنمية الكفاءات، فقد أُنشئت منظومة الإعلام ثلاث أكاديميات متخصصة، لتدريب أربعة آلاف إعلامي خلال عامين، بالتعاون مع أرقى الجامعات العالمية. وترافق ذلك مع برامج تمويل ودعم تستهدف الشركات الناشئة والابتكار في صناعة المحتوى. ولا بد من التوقف عند قطاع الإعلانات، الذي سيقفز من 8.1 مليارات ريال في 2024 إلى 13.8 مليار ريال في 2030، مع تحول رقمي لافت، يعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحليلات الرقمية، ويُبسط دخول الشركات الدولية إلى السوق السعودي. أما النشر، ورغم التحديات العالمية، فشهد حراكًا تقوده مبادرات نوعية، على سبيل المثال "معلقة 45" التي خصصت جوائز تصل إلى مليون ريال للشعر العربي، ومجمع الملك فهد الذي أنتج أكثر من 18 مليون نسخة من المصحف الشريف باستخدام أحدث تقنيات النشر. القائمة تطول والأرقام مبهجة في تقرير قطاع الإعلام، وتثبت أن ما يحدث ليس صدفة، بل نتيجة عمل مؤسسي وتناغم بين الجهات الحكومية والخاصة. وبدورها، الهيئة العامة لتنظيم الإعلام مع إنسجام تكاملي مع منظومة الإعلام، وفرت بيئة تشريعية مرنة، ضمنت حماية المستهلك، وشجّعت على المنافسة، وفتحت المجال للاستثمار الأجنبي والمحلي في سوق يناهز سكانه 35 مليون نسمة، معظمهم من فئة الشباب. ختامًا، وللأمانة يُحسب لمعالي وزير الإعلام سلمان الدوسري أنه لم يكتفِ بإدارة حاضر وواقع الإعلام، بل استشرف مستقبله، مع إطلاقه عام 2024 بوصفه "عام التحول الإعلامي"، ثم إعلانه 2025 "عام التأثير". خطواتٌ ليست مجرد شعارات مرحلية، بل محطات استراتيجية في مسار يرتقي بالإعلام السعودي من التجديد إلى التمكين، ومن الأداء إلى الأثر في زمنٍ لم يعد فيه التأثير ترفًا، بل شرطًا وصوتًا من أصوات الرؤية التي تمضي بالمملكة نحو الصدارة دومًا.