لا تزال الحرب الغاشمة والدموية التي باشرتها الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا مستمرة ضد العراق تحت شعار "الحرية والسلام". وكما هي الحال في جميع الحروب، فإن الثمن الأكبر لا يدفعه غير الشعب الفقير، والأطفال والأمهات. وفي غضون ذلك يعتم إعلام المحتل تعتيماً تاماًَ على الحقائق. فنرى دونالد رامسفيلد، معمار هذه الحرب، القائد المنتصر. وهو يدعي، بأسلوبه الساخر والاحتقاري، أنهم جلبوا الحرية الى العراق. وباستثناء الجماعات الكردية المرتبطة بالطالباني والبرزاني، يعارض العراقيون الاحتلال. فكلما ازدادت مقاومة الشعب، ازداد ظلم المحتل وتنوعت أشكاله. وانتشار الاستنكارات والتظاهرات التي تعلوها الهتافات والشعارات، وتتحول بين وقت وآخر الى مصادمات، ما هي إلا إشارات أولية لمقاومة كبرى. والذين يعتقدون أن الظلم والاحتقار وتعزيز القوات في المنطقة تحول دون هذا التطور، هم على خطأ. ففي اللقاء الذي أجراه موقع NTVMSNBC لشبكة "الانترنت" مع الصحافي البريطاني روبرت فيسك، الذي قضى شهرين في العراق عاد بانطباعاته، وقال: "إذا ما نشبت حرب، فإن ذلك لن يكون بين السنّة والشيعة فحسب، بل سيشرع السنّة والشيعة معاً بحرب تحرير ضد أميركا". وبحسب خبر لوكالة BBC للأنباء أن غراهام بينس، قائد القوات البريطانية المحتلة في البصرة، يعترف بإمكان تمرد الشعب على القوات البريطانية، ويعرب عن احتمال تحول ذلك الى مقاومة مسلحة على الأمد البعيد. أما وضع الأكراد في هذه الحرب فوضع مختلف. فالبرزاني والطالباني يتعاونان في شكل علني. والظلم الصدامي حقيقة لا تنكر. إلا أنه يستحيل على أي شخص أن يقول ان هذا التعاون، بأي حجة من الحجج، تعاون محق ومشروع، لأنه لا يمكن تأمين خلاص شعب من طريق التواطؤ. إنها إهانة للشعب الكردي ولشعوب العالم كافة. ولا يمكن طمس هذه الحقيقة بأي شكل من الأشكال. فالذين لا يعارضون هذا الأمر، مثل الطالباني والبرزاني، هم من عونة الأميركيين. ان قولهم "لا بوش... ولا صدام"، ما هو إلا ذريعة للهروب من المسؤولية والوظيفة. إن استخدام شعار من هذا القبيل، في هذه المرحلة التي انهارت الإدارة الصدامية، يحول الكفاح ضد الاحتلال الى حال مبهمة. فليست المسألة هي شغل الأكراد مركزاً مهماً في النظام الجديد للمنطقة الذي تسيطر عليه الولاياتالمتحدة الأميركية فحسب، بل شغلهم الى المنصب الصحيح. فالحديث عن الحرية لا مغزى له في محل أعلنتم فيه امبراطورية أميركا. فقد دافع الطالباني والبرزاني عن فكرة "لا حرية من دون أميركا". فكيف يتمكن الذين لم يعارضوا الاحتلال، ولو بكلمة واحدة، من أن يدافعوا عن مصالح الشعب الكردي؟ فالاسلوب هذا لا يمكن تسميته إلا بالطالبانية والبرزانية. ان على الذين يصرحون ان "الموصل وكركوك تحت سيطرة الشعب" ان يخجلوا، وان تحمر وجوههم، وينتقدوا أنفسهم لعدم تمكنهم، على الأقل، من اجراء تحليل وافٍ للتطورات. كما ان الحرية التي تمتلكها المناطق الكردية وحدود هذه الحرية هي أمام الأنظار! فقول البرزاني اليوم: "ان بقاء القوات البريطانية والأميركية في هذا البلد سيؤدي الى النظر اليها كقوة محتلة"، لا يعني شيئاً كثيراً في التطبيق. فبينما يعارض الناس كلهم الاحتلال، يواجه الأكراد ضغوطاً للتحرك مع المحتل، لمدة طويلة. فلا يمكن أحداً أن يسكت، خصوصاً بعد أن تكلم رئيس المؤتمر الوطني أحمد الجلبي، وإن قليلاً، في الاحتلال، ولو كان ذلك مظهرياً. وفي غضون ذلك نجد أن الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تعلما الممنوعات مبكراً، فاتخذا قراراً بإعلان المنظمات الإسلامية غير قانونية في الاجتماع الذي عقداه مع الولاياتالمتحدة الأميركية في الموصل. ولكن استناداً الى أي قانون؟ بطبيعة الحال الى قانون المحتل. وفي مثل هذا الوسط الذي يُرفض الاحتلال في شكل قاطع، تواصل أميركا لعبة تشكيل الحكومة التي لا يمكنها ادارتها. فاجتماعات تشكيل الحكومة لا يمكنها منح الشرعية لهذا الاحتلال. ووصف رامسفيلد الأصوات التي تعلو ضد الاحتلال في كربلاء والنجف بأنها أصوات بعض الناهبين، وهم قلة لا أهمية لها، تعطي إشارة الى شكل الحكومة التي سيشكلها في العراق. فمن يسمي الشعب بالناهب والسالب، يصف انتخاباته على أنها أصوات بعض الناهبين والسالبين كذلك. والذين كانوا ينتظرون الديموقراطية في أفغانستان أمس، لا يزالون في انتظارها. والذين ينتظرون الديموقراطية اليوم في العراق، سينتظرونها كثيراً! لقد تحقق الاحتلال بسهولة، إلا أن منح الشرعية لهذا الاحتلال لن يكون بهذه السهولة. النمسا - شيرزاد زيباري