يتحدث حسام 27 سنة عن معاناته مع غياب خصوصيته عند مواجهة الضغوط الاجتماعية المحيطة به. فيقول: "نشأت في ظل اسرة فقيرة، خمسة أفراد في غرفة واحدة في احدى المناطق العشوائية المزدحمة في قلب القاهرة، كنت صغيراً عندما كنت أجد أبي عامل بناء عائداً في المساء بعد أن يكون تعاطى المخدرات مع اصدقائه. كنت اشاهد ممارسة ابوي الجنسية. كانا يظنان أنني واخوتي نائمون ولكننا منذ المرحلة الابتدائية كنا نفطن الى مثل هذه الامور". ويضيف: "لم أعرف طعم الخصوصية، فغالباً ما اسمع والدتي تتحدث مع جاراتها في الغرف المجاورة - وهن زوجات لعمال بناء مثل والدي - عن علاقتها بأبي وتفاصيل حياتها الخاصة معه. لم أعرف معنى الخجل منذ الصغر، كل شيء مستباح. عندما دخلت المرحلة الاعدادية، بدأت اشياء كثيرة تحدث في حياتي، بدأت اتلصص على جيراني وجاراتي. دورة المياه مشتركة، كنت احاول أن أنظر من خلف الباب عما يحدث في الداخل. في احدى المرات اكتشف أمري وشكتني احدى الجارات الى والدي الذي انهال عليّ ركلاً وسباً. ضربني في شدة امام الجميع. كبرت وكبرت معي هذه العادة السيئة. بالكاد حصلت على الشهادة الاعدادية ثم عملت في احدى الشركات "عامل بوفيه" وفرضت علي هذه الوظيفة دخول كل المكاتب والتعامل مع الموظفين والموظفات جميعاً. تطوعت لنقل أخبار العاملين في الشركة الى المدير، لم يطلب مني ذلك لكنني سعيت الى ذلك. عندها أغدق علي المدير الامتيازات المالية، وقمت بالتجسس لسنوات عدة الى ان عيّن مدير آخر. حاولت أن أفعل معه ما كنت أفعله مع المدير السابق الا انه نهرني في شدة في الوقت الذي شاع في الشركة انني انقل اخبار العاملين لبعضهم بعضاً ولرؤسائهم. لم أستطع مواصلة العمل في الشركة في ظل النظرات القاسية والتلميحات الجارحة. إذ كنت كلما ادخل حجرة يسكت الموجودون الى ان أغادرها. عندها، شعرت انني منبوذ وغير مرغوب فيه. تركت العمل في هذه الشركة، وذهبت للعمل في "بوفيه" أحد الأندية الرياضية. تعلمت الدرس. فللمرة الأولى في حياتي اعرف طعم الخصوصية، كنت اظن ان كل شيء قابل للحديث عنه، الدرس القاسي الذي تعلمته في عملي السابق جعلني اغيّر حياتي تماماً. لم أعد كما كنت في السابق، اعتدت على حياة مختلفة. لم أعد أتحدث عن الناس او اخوض في حياتهم الخاصة. وأكثر من ذلك لم أعد أقبل أن يخوض احد في حياتي الخاصة. في ذلك الحين، تركت الغرفة التي تعيش فيها اسرتي، واستأجرت غرفة صغيرة اعيش فيها وحدي. عشت في هذه الغرفة في عزلة تامة حتى انني لم أكن اعرف اسماء جيراني. في سن الخامسة والعشرين كان عملي في البوفيه يدر عليّ ربحاً وفيراً، استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين صغيرتين وصالة، فرحت بها لأنها المرة الأولى التي تحافظ جدران الشقة على خصوصيتي التي لم تعد مستباحة كما كانت من قبل. سعيت للارتباط، إذ تعرفت الى فتاة طيبة من أسرة متدينة تعمل "عاملة" في مستشفى عام في وسط العاصمة القاهرة وتسكن في حي شعبي. لاحظت أنها - في بداية العلاقة - تميل الى الحديث عن الامور الخاصة لمن حولها فحاولت برفق اقناعها بالابتعاد عن ذلك، إلا أنه طبع شخصي. عندها خشيت ان تعيد زوجتي في المستقبل الحياة نفسها التي عشتها في كنف اسرتي في السابق. فحاولت ان اقنعها بأن الحياة بيننا لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة. قلت لها انني أحب أن أعيش في عالمي الخاص، لا أود أن أعرف شيئاً عن غيري وفي الوقت نفسه لا أحب أن أكشف حياتي الخاصة امام الآخرين. لم تدم العلاقة بيننا، إذ انفرط عقد الخطوب وعدت وحيداً، أبحث عن شريكة الحياة. لا أود أن أعيش المسلسل نفسه الذي عاشته اسرتي. لا أريد أن أعيش في مجتمع الفرجة. الكل يتفرج على الكل من دون عوازل شخصية تحمي خصوصية الفرد في المجتمع. أشعر بأن جميع الذين أتعامل معهم في النادي يحترمون فيّ احترامي لنفسي واحترامي لخصوصية غيري. فبعد ان كنت في عملي السابق شخصاً منبوذاً مكروهاً، أصبحتُ موضع ثقة في عملي في النادي. كل ما يؤرقني ايجاد شريكة حياة تشاركني القيم والمبادئ التي أبحث عنها وأطلب من الله أن يوفقني في بحثي".