بدا المتحدثون في مؤتمر "مؤسسة الفكر العربي" عن "استشراف المستقبل العربي"، أكثر واقعية وصدقاً في التحدث عن الواقع الراهن للعالم العربي. إلا أنهم ذهبوا فوراً الى مناقشة المشاريع الأميركية المستقبلية للمنطقة وفي مقدمها الديموقراطية، ليختلفوا في تفسيرها وتحديد ماهيتها. الا أن المؤسسة التي هدفها "مد جسور بين الفكر والمال" بحسب ما عرفها رئيس مجلس ادارتها الأمير خالد الفيصل، أرادت من مؤتمرها الذي حشدت له مئات السياسيين والمفكرين العرب، "وضع تصور لمشروع استشرافي عربي شامل للجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية العربية يصلح للتطبيق العام على أرض الواقع لعقود من الزمن ويؤدي بخطوات منتظمة الى الخروج من النفق العربي المعتم"، كما قال. وكانت الأسئلة كثيرة في افتتاح المؤتمر وفي أولى جلسات عمله، بدأتها رئيسة لجنة تنظيم المؤتمر النائبة بهية الحريري اذ قالت: "هل أقلعنا عن العيش في رحاب أمجاد الماضي والتنصل من مسؤولية الواقع المرير واتهام بعضنا بعضاً بما آل اليه المصير؟ هل بدأنا نخجل من أنفسنا؟". كذلك سأل وزير الثقافة غازي العريضي: "هل ثمة تعريف للديموقراطية لكي نناقشه؟ فنحن في آن نتهم بالارهاب وتوجه الينا الدعوة الى اقامة نظم ديموقراطية". الا ان رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والسفير السعودي في لندن الأمير تركي الفيصل، ناقشوا تلك "الديموقراطية" وأدلى كل برأيه فيها وكان مختلفاً. وكذلك أجابوا عن أسئلة طرحها مقرر الجلسة ناشر جريدة "النهار" غسان تويني تتعلق بالواقع العربي. ورأى بري ان الدول العربية تواجه "جملة أزمات مركبة ويجمعها قاسم مشترك هو الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والجولان ومزارع شبعا في لبنان، والأميركي للعراق. والاحتلالان يتغذيان بعضهما من بعض ويحاول كل منهما اخضاع الموقف العربي وانتاج سلام بالشروط الاسرائيلية". وقال ان "العلة تكمن في سلطة القرار السياسي العربي وهي التي ضيعت فلسطين والعراق". وأضاف: "عندما نطالب بتعليق العلاقات مع اسرائيل تضامناً مع الشعب الفلسطيني، تبرز اصوات تقول ان هذا يمس بالقرار السيادي، لكن عندما تحتل اوطان عربية فهذا لا يعتبر مساً بالسيادة". وتابع: "هذه السلطة ضيعت الوقت واوطانها ولم تفتح أبوابها أمام الديموقراطية"، داعياً الى "بناء الثقة بين الشعب والدولة من خلال ممارسة المواطن حقوقه لأن استمرار تغييب الديموقراطية او تقطيرها سيؤدي الى فقدان السلام القطري". الا انه أوضح ان الديموقراطية التي يتحدث عنها هي ديموقراطية الاسلام القائمة على مبدأ "أمركم شورى بينكم" وليس على الديموقراطية القائمة على صراع حضارتي ال"تكنوالكترونية" الأميركية و"الديانات السماوية". وقال انه لم يعد يجروء على "القول بالوحدة العربية وبالتضامن العربي انما على الأقل بالتنسيق، لكنني أحلم بالوحدة ويجب ان نحافظ على الحلم". أما موسى فأقر "بأننا قصرنا ليس فقط في فلسطين والعراق بل في كل المجتمعات العربية، دولاً وشعوباً ومؤسسات، التي قصرت وهزلت ولم تكن جادة كفاية لتنافس المجتمعات الأخرى". وقال: "هذا لا يعني ان الوضع الاقليمي عادل، فهناك قضية فلسطين لكن ما علاقتها بادارة مرفق تعليمي؟". أما في ما يتعلق بالديموقراطية فلم يرَ موسى لها أشكالاً مختلفة "بل هي مطروحة على النمط الغربي، فاذا كانت مقبولة فلنسرع الى تنفيذها، واذا لا فليطرح بديل ولنسرع أيضاً الى تنفيذه". وتحدث عن مقترحات لاصلاح الجامعة العربية منها قيام برلمان عربي منتخب من الشعوب العربية ومركز استثمار عربي ومحكمة عليا عربية ومجلس للثقافة العربية. وأوضح ان هذا المشروع وزع على سبع دول عربية وانه اطلع الرؤساء المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي رئيس القمة المقبلة واللبناني اميل لحود في بعبدا أمس عليه ل"تحويله الى مستوى منظمة اقليمية". وسأل: "هل هناك ارادة سياسية تجعلها مؤسسة فاعلة؟ اذا لم نستطع ان نقوم بذلك فلن يكون مستقبل عربي بل مستقبل كل دولة على حدة. يجب ان نتحمل المسؤولية جميعاً لأننا اذا لم نصلح أمورنا ستكون كل دولنا مهددة وحتى مؤسسة الفكر العربي". أما الأمير تركي الفيصل فقال: "اننا مسؤولون عما نحن فيه في الصالح والطالح". واعتبر ان طرح فكرة برلمان عربي من "أهم الخطوات". وعرض تجارب ديموقراطية في أميركا وبريطانيا، ورأى ان "ليس هناك اختلاف بين ما يطرح وبين الطرح الإسلامي لأن الاسلام سن على الشورى وهي أسلم وسيلة للشرط المطلوب لممارسة الديموقراطية". وكذلك تحدث عن البيعة، الا انه رأى "اننا فشلنا في محاسبة الحاكم، وهذه المحاسبة غير موجودة في كثير من الانظمة العربية، ولا بد من ان تكون هناك وسيلة لمحاسبة الحاكم لنخرج من الأزمة، وكذلك يجب ان تضع الجامعة العربية شروطاً واضحة للانتساب اليها وللمحاسبة لا ان تحاسب في طريقة استنسابية". لكن الأمير لم يكن متشائماً بل متفائلاً كثيراً بالشباب "الذين ارجو ان يكونوا أنجح منا وأقدر".