يقام حالياً في متحف الحرية في مدينة أوساكا اليابانية المعرض التذكاري "مئة شهيد - مئة حياة"، الذي ينظمه مركز خليل السكاكيني الثقافي، ومقره في رام الله، في إطار جولة تشمل أربع مدن يابانية أخرى، هي: طوكيو، كيوتو، أوكيناوا، وماتسوموتو. ورافقت المعرض سلسلة من المحاضرات ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية والفن الفلسطيني، قدمها فنانون وأكاديميون يابانيون وكوريون وفلسطينيون. وتلاقي الجولة إقبالاً جماهيرياً وإهتماماً إعلامياً كبيرين، على رغم الضغوطات التي مارستها بعض المؤسسات الاسرائيلية واليهودية الأميركية على منظميها. وجاءت فكرة المعرض الجوال الذي استضافته ست مدن عربية في الأردنوالإمارات العربية المتحدة والبحرين ولبنان، علاوة على فلسطين نفسها، من الفنانة التشكيلية اليابانية ميزوكو ياكوا، المعروفة بنشاطاتها التضامنية مع الشعب الفلسطيني. وكانت الفنانة عبرت إثر إحدى زياراتها إلى الأراضي الفلسطينية، عن رغبتها باستضافة المعرض في اليابان، خصوصاً أنه يسلط الضوء على التفاصيل الصغيرة لحياة أول مئة شهيد في "انتفاضة الأقصى"، من خلال عرض حاجاتهم الشخصية، التي كانت تربطهم بها علاقات من نوع خاص، وذلك بأسلوب إنساني وفني حيادي، يسهل في تقريب المعاناة الفلسطينية الى الجمهور الياباني. كما قامت سيدة يابانية تقيم في الإمارات العربية المتحدة بالاتصال بعادلة العايدي، مديرة مركز خليل السكاكيني الثقافي، وبالفنانة اليابانية صاحبة فكرة المعرض، مبدية رغبتها بالعمل على نقله الى اليابان، خصوصاً بعد أن شاهدته في الشارقة، فأوصلتها العايدي بمواطنتها التشكيلية وتحقيق هذا الغرض. تم التنسيق في ما بينهما، وانضمت ياكوا الى لجنة تشكلت من عشرين فناناً وأكاديمياً ومثقفاً يابانياً، للعمل على تنظيم المعرض "بالشكل اللائق" في اليابان. ويتطوع كل من الأعضاء بخدماته ومهاراته وجهده أو استثمر علاقاته من أجل توفير الدعم المادي واللوجستي للمعرض، خصوصاً أن تكاليف نقل المعروضات من عمّان إلى طوكيو مكلفة جداً، علاوة على تكاليف الاستضافة نفسها، وترجمة وطباعة كتاب المعرض والمحاضرات المرافقة له. ونجحت اللجنة في استقطاب الأموال اللازمة من عدد من المؤسسات اليابانية الخاصة، إضافة إلى الدعم الذي وفرته السيدة اليابانية المقيمة في الإمارات، والتي لم ترغب في نشر اسمها. وأشارت العايدي إلى أهمية المحاضرات التي رافقت المعرض، ومنها مثلاً محاضرة المصور الياباني ريوشي هروكاوا، الذي كان أول من التقط صور مجزرة "صبرا وشاتيلا" عام 1982، والذي تحدث عن تجربته هذه، وغيرها من التجارب التي كان آخرها في الأراضي الفلسطينية قبل فترة وجيزة. كما ألقى الأستاذ الكوري الأصل، كيونغسيك سوه، محاضرة ذكر فيها كيف اتخذ المثقفون الكوريون من غسان كنفاني نموذجاً لهم، إبان فترة حكم الدكتاتورية العسكرية لبلادهم، إضافة إلى محاضرات عدة في مدن أخرى، شاركت في كل واحدة منها العايدي، علاوة على الفنان سمير سلامة، مصمم المعرض، وعدد من الأكادميين اليابانيين، من المختصين في الدراسات العربية، أو الفلسفة، أو النقد الفني. كما عرض عدد من الأفلام الوثائقية عن فلسطين. ولم يكن اختيار الأماكن التي استضافت العروض خالياً من الدلالة، ففي مدينة أوساكا، أقيم المعرض في "متحف الحرية"، الذي يختص بتخليد التمييز الذي عانت منه فئات مختلفة من المجتمع الياباني على مر القرون، من الأقليات العرقية: النساء الكوريات، أقلية البوراكومين المنبوذة، إضافة إلى النضال من أجل الحقوق المدنية في اليابان، ويعتبر صرخة يابانية في مجال حقوق الإنسان. وفي كيوتو استضاف "متحف السلام" التابع لجامعة ريتسو ميكان المعرض، وهو يعرض ويوثق مواد عن أهم "الانتهاكات البشرية التي ارتكبت بقرارات سياسية"، منها: الاحتلال الياباني لكوريا والصين، وإلقاء الأميركيين للقنابل الذرية على اليابان، والهولوكوست، وحرب فيتنام، وغيرها... أما في أوكيناوا فتستضيف المعرض قاعة قريبة من القاعدة العسكرية الأميركية في الجزيرة... وفي بقية المدن أقيم المعرض في قاعات عرض ومتاحف فنية. وشهد المعرض في مختلف محطاته إقبالاً كبيراً، واهتماماً واسعاً من مختلف الشرائح اليابانية، بما فيها وسائل الإعلام، وكانت الفاعليات المرافقة له بمثابة تعبير شعبي ياباني عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته. وقالت العايدي: "شعرت أن ثمة تقديراً يابانياً لمعاناتنا وثقافتنا وإنسانيتنا على أكثر من صعيد... كان معرضاً ناجحاً بجميع المقاييس، واستطاع أن ينقل شيئاً عن إنسانية الفلسطينيين، في الوقت الذي تركز فيه بعض وسائل الإعلام على تثبيت صورة نمطية للفلسطيني في ذهنية اليابانيين وغيرهم من شعوب العالم".