تقول الطرفة: الابن يسأل اباه عن الثورة البلشفية فيجيب الأب: لا اعرف. فيسأله الابن عن عاصمة بيرو فيجيب الأب: لا أعرف... فتتدخل الأم: اسكت يا ولد ودع والدك يرتاح فيجيب الأب: اتركيه إن لم يسأل كيف سيتعلم. الطرفة السابقة تشخيص للسلطة المعرفية التي عادة ما يمارسها الآباء تجاه الأبناء في سياق ان الكبار يعرفون كل شيء. لكن في عصر الكومبيوتر اصبح الوضع مختلفاً، فعلاقة المعرفة تبدو مقلوبة رأساً على عقب، بات الطفل الذي لا يتعدى العاشرة ينجد اباه في كثير من الحالات التي تعيق عمله على الجهاز ملغياً مظاهر الهيبة المعرفية التي تحيط بالأب. سامي 12 عاماً احد النماذج الفذة في هذا المجال. الكومبيوتر يكاد يكون محور حياته اليومي والطريقة التي يقدم بها ذاته. يقول: "في بدايات تعلمي التعامل مع الجهاز لطالما خلقت لأبي المشكلات إذ كنت اتسبب في دخول الفيروسات او حذف ملفات ذات اهمية... الخ". ويضيف: "لكن الوضع تغير الآن وبت اساهم في حل المشكلات التي يتسبب فيها والدي. وهو يسعد لذلك ولا يجد حرجاً في الأمر، بل يردد في احيان كثيرة انه فخور بي وأمام الناس. ويستمتع بذكر طرائف الأمر امام زملائه". الكم المعرفي الذي يستطيع الاستفراد به الطفل يساعده على تميزه في وسطه العائلي خصوصاً في حال كان الأبوان غير آبهين بالثورة التكنولوجية، غير ان الآباء القادرين على التعامل مع الكومبيوتر بسهولة غدوا قادرين على توسيع دائرة السلطة على الطفل. فبعض المدارس الخاصة في مدينة جدة التي تتبع نظام الفصول الإلكترونية تشترط على الطلاب الملتحقين بها اجادة اولياء امورهم استخدام الحاسب حتى تتمكن المدرسة من التواصل مع المنزل في سبيل الاهتمام بالطفل. يقول استاذ علم النفس في جامعة الملك سعود سابقاً ورئيس مكتب النافع للبحوث والاستشارات التعليمية الدكتور عبدالله النافع "ان الوضع الجديد يتطلب تغييراً في اسلوب التربية والتعامل مع الطفل، اذ اصبحت هناك مصادر اخرى منافسة للوالدين في تنشئة الطفل وتربيته وإمداده بالمعارف والمعلومات التي تنمي شخصيته ومداركه ومهارات تفكيره. ويحتم ذلك ان يكون دور الوالدين الدخول في هذه المنافسة بطريقة تمكنهما من ان يبقيا مصدراً للمعرفة وموجهاً ومرشداً للطفل في انتقاء المعلومات من المصادر الأخرى". وأشار الى "دخول عناصر جديدة كمصدر للمعرفة والمعلومات وهي البرمجيات والإنترنت التي تتيح للطفل منذ صغره امكان الحصول على المعلومات والمعرفة من دون الحاجة الى وسيط من الوالدين او المعلمين. ويتمكن الطفل وهو في منزله او في غرفة نومه من التواصل مع جهات بعيدة منه وربما تختلف عنه في اللغة والثقافة والقيم والتقاليد، والحصول على المعلومات ومصادر المعرفة التي يحتاج إليها. بل ان الطفل نفسه قد يصبح مصدراً للمعلومات لوالديه اللذين لم تتح لهما هذه الوسيلة من قبل بل ويستطيع ان يقوم بتعليمهما كيفية التعامل مع هذه التقنية الجديدة وأسلوب الحصول على المعلومات". وأضاف ان التحدي الذي يواجه اولياء هؤلاء الأطفال هو "التعود على التفكير المنتظم في انتقاء المعلومة وكيفية التعرف الى موثوقية المصدر وانتقاء المعلومات التي لا تتعارض مع القيم والتقاليد".