خادم الحرمين الشريفين فحوصات طبية في العيادات الملكية في قصر السلام بجدة    وزير الصحة الماليزي: نراقب عن كثب وضع جائحة كورونا في سنغافورة    مستشفى دله النخيل ينهي معاناة عشريني يعاني من خلع متكرر للكتف وكسر معقد في المفصل الأخرمي الترقوي    رياح مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من الشرقية والرياض    موسيماني: ما زالت لدينا فرصة للبقاء في "روشن"    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    وادي "الفطيحة" أجواء الطبيعة الخلابة بجازان    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    «هيئة العقار»: 18 تشريعاً لمستقبل العقار وتحقيق مستهدفات الرؤية    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    طبخ ومسرح    مواقف مشرّفة    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب على العراق تختلف عن افغانستان خصوصاً اذا خيضت بتحالف مع اسرائيل - نهاية الغرب
نشر في الحياة يوم 11 - 09 - 2002

قبل عام، ومباشرة بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر كتبت في مجلة "بروسبكت" عن ضرورة قيام الولايات المتحدة وحلفائها بعملية رد قوية جداً على تلك الهجمات. ولا أزال اعتقد ان ذلك الرد كان ضرورياً. فأزيلت حركة "طالبان" وبعثرت "القاعدة". إلا ان طبيعة البلاد وقرب مناطق القبائل من باكستان وكذلك قلة حماسة القادة الأميركيين لاستعمال أعداد كبيرة من الجنود على الأرض، حالت دون اكمال الانتصار كما كان يمكن له أن يكون. ان معظم قادة "القاعدة" لا يزالون طليقين. والوضع الحالي في أفغانستان لا يزال غير مستقر. إضافة الى ذلك، قتل مئات من المدنيين الأفغان نتيجة أخطاء ارتكبتها القوات الأميركية، وقتل عدد من السجناء، ومنهم من قضى جوعاً أو عذّبهم حلفاؤنا الأفغان، كما ان قيام الولايات المتحدة بتقويض معاهدة جنيف كان عملاً طائشاً وغير مسؤول.
مع ذلك حاولت القوات الأميركية جاهدة، بشكل عام، وضمن الضوابط العسكرية المعقولة، ان تمنع وقوع خسائر بين المدنيين وان تعامل الأسرى معاملة انسانية. كما ان ادارة الرئيس جورج بوش ذهبت في بعض اجراءتها الداخلية الى حدود مقلقة، لكن هذا ليس مستغرباً في ضوء الهجوم الفظيع الذي تعرضت له الولايات المتحدة يوم 11 أيلول، كما ان الاجراءات الشديدة يوقفها القضاء الأميركي الذي نستطيع ان نمنحه ثقة كبيرة. لذلك فإنني لا أتعاطف مع اليساريين في أوروبا الذين عارضوا الحرب ضد "القاعدة" والذين ينغمسون في انتقاد السياسة الأميركية في شكل عشوائي.
لقد أيدت الحرب في أفغانستان لأنها كانت حرباً أميركية دفاعية عن نظام عالمي وحضارة - بما فيها الحضارة الإسلامية - ضد قوى بربرية ومعوقة للتطور. لكن حرباً ضد العراق هي موضوع آخر، خصوصاً إذا كانت تلك الحرب ستخاض بالتحالف مع اسرائيل تحت زعامة آرييل شارون. إذ ان حرباً كهذه ستتضمن مخاطر كبيرة، منها التسبب بمشكلة كارثية مع جزء كبير من العالم العربي وتؤدي الى احتلال طويل الأمد لأراضٍ عربية. إضافة الى ذلك، فإن "صراع الحضارات" الذي سينشب، والذي سيؤدي حتماً الى هجمات أخرى ضد الغرب، قد يتسبب على المدى البعيد بتوجه الديموقراطيات الغربية نحو الدكتاتورية وينهي مرحلة العولمة الليبرالية الحالية. هذا هو تماماً ما يسعى اليه الأصوليون الراديكاليون. إضافة الى ذلك، فإن حرباً كهذه هي خطأ في الوقت الذي لا يزال أسامة بن لادن ومساعدوه طلقاء و"القاعدة" تهدد استقرار باكستان ودول أخرى فيما لا تزال احتمالات الحرب بين الهند وباكستان قائمة.
انهم يخشوننا
لا بد لي من أن أؤيد رأي مايكل ليند بروسبكت نيسان/ ابريل 2002 الذي عبّر فيه عن الدور الخطر الذي تلعبه قوى الضغط الأميركية - الاسرائيلية في هذا الموضوع - خصوصاً في ما يتعلق بمصلحة اسرائيل البعيدة الأمد. فهذه القوى لا تعير اهتماماً عن رغبة أميركا في نشر الديموقراطية في العالم العربي. إن الدافع الحقيقي لإسرائيليين متشددين وصانعي السياسة الأميركية عبر عنه عضو مهم في اللوبي الاسرائيلي في مؤتمر مصغر حضرته، إذ قال: "ليس مهماً ان يكرهنا العرب طالما انهم يخشوننا". وكما يجادل "ليند" ان هذا المنطق، إضافة الى عوامل أخرى، يدفع ادارة بوش للخلط بين الأعداء والدوافع، مع ان الفصل بينهما واجب إذا كان للحرب ضد الإرهاب ان تنجح. وفي حين يتعين على الأميركيين والأوروبيين أن يؤيدوا تأييداً كاملاً وجود اسرائيل كدولة، الا ان هذا يجب ألا يتضمن تأييد الحكم الاسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة، أو لوجود المستوطنات الاسرائيلية هناك. تلك السياسات الاسرائيلية تشجع المدافعين عنها في اسرائيل والولايات المتحدة على اعتماد آراء عسكرية خالصة، كما ورد على لسان وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أخيراً، إذ قال: "ان التركيز على المستوطنات في الفترة الراهنة ليس هو الموضوع. مستوطنات في أجزاء عدة مما يسمى الأراضي المحتلة... كانت نتيجة حرب كسبها الاسرائيليون". ان هذا المنطق جدير بميلوشيفيتش وزبانيته.
في الولايات المتحدة هناك حملة ناجحة لاستغلال "الحرب ضد الارهاب" من أجل اسكات البحث في هذا الموضوع باستخدام اتهامات "العداء للسامية" أو تحت شعار "تبرير الارهاب". ان هذا الأسلوب يؤدي الى الاساءة الى العقل الأميركي في شكل كبير، بل أن النقاش في موضوع المستوطنات مفتوح داخل اسرائيل نفسها أكثر مما هو في الولايات المتحدة.
بدأ الحلف الأميركي - الاسرائيلي يأخذ أبعاداً كارثية مشابهة للارتباطات الروسية مع الصرب عام 1914، الى درجة ان بإمكان المرء ان يقول ان الولايات المتحدة واسرائيل تبادلتا المراكز نتيجة لهذا التحالف.
ذلك ان الولايات المتحدة وهي محمية بمحيطات وقوة عسكرية لا تعادلها قوة في العالم، تجد نفسها في دور دولة شرق أوسطية مهددة من دول لا تملك جزءاً بسيطاً من قوتها. في حين ان اسرائيل، وبسبب الدعم الأميركي، أصبحت قوة كبرى قادرة على تحدي المنطقة بكاملها إضافة الى أوروبا. ان هذا وضع مخالف للواقع. فاسرائيل ليست قوة عظمى. انها غنية وقوية، لكنها تبقى دولة شرق أوسطية صغيرة يتعين عليها ان تعمل من أجل تسويات مع جيرانها إذا أرادت ان تعيش بسلام.
اغفال اسرائيل
في مقالة روبرت كيغن عن الولايات المتحدة وأوروبا في "بروسبكت"، آب/ أغسطس، 2002 كان غريباً ان الكاتب لم يُشر بأي شكل الى اسرائيل، علماً ان التأييد غير المشروط الذي تمنحه أميركا للدولة العبرية هو أهم دواعي تأزم العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، كما ان الانتقادات الأوروبية لاسرائيل وان كان بعضها غير محق، مثل اتهامها بارتكاب مجزرة في مخيم جنين، تشكل السبب الأساسي للهجمة الشرسة التي تتعرض لها أوروبا في الصحافة الأميركية.
ان سبب اغفال ذكر اسرائيل هو، من الناحية "الواقعية" واستناداً الى المصالح القومية الأميركية، ان اسرائيل تعتبر في الحرب على الارهاب عبئاً أساسياً وليست حليفاً مفيداً.
لذلك، فإن هناك فعلاً ما يبرر ازالة صدام حسين وأسلحة الدمار الشامل، وما يجعل الحرب على العراق في هذا الوقت خطيرة جداً هو الوضع الراهن للنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني، واصرار اسرائيل على الاحتفاظ بسيطرتها على مساحات واسعة خارج حدود 1967. ولولا ذلك لكان الموضوع أكثر سهولة للولايات المتحدة حين تعلن انها تشن تلك الحرب دفاعاً عن السلام العالمي، ولكانت الحرب لإطاحة صدام حسين تلقى دعماً أكثرية دول المنطقة.
ان اقتراحي بأن هجمات 11 أيلول الارهابية قد تؤدي الى اعادة النظر بالتأييد غير المشروط الذي تمنحه أميركا لاسرائيل يبدو اليوم رأياً ساذجاً. ان خليطاً من عوامل عدة، هي 11 أيلول، اللوبي الاسرائيلي، وكذلك اتجاهات قديمة في التاريخ والثقافة الأميركية، قد ساهم في احياء القومية الأميركية، موجهة في شكل أساسي ضد العالم الإسلامي، وكذلك ضد أوروبا وأي دولة أو مجموعة تقاوم السياسة الأميركية. الى هذا الخليط، زاد 11 أيلول خوفاً وغضباً مبررين" ولكن أيضاً ذلك الأشد تيهاً من كل أنواع الكحول، وهو الشعور الفريد بكون الوطن ضحية، وبالفضيلة.
بوش ليس أميركا
الا انه لا يمكن لأي شخص ذي حسّ بالتاريخ أن يؤيد وطنية هجومية لأي دولة، بغض النظر عن الهجمات التي يمكن ان تكون قد تعرضت لها. أمم كثيرة تستطيع ادعاء انها تعرضت لهجمات غير مبررة، لكن هذا لا يعني انه يمكن اعفاؤها من أن تُحاسَب على مدى تناسب ردها مع الهجمات التي تعرضت لها. اننا نعلم علم اليقين استناداً الى تاريخ أوروبا خلال ال150 عاماً التي سبقت 1945 الى أين يمكن أن تؤدي سياسة قوية هجومية. أما بالنسبة إلى "الرد الأحادي الوقائي"، فإن هذه العبارة أجدر بأن تنسب الى جورج أورويل. ان قومية عنيفة على هذا الشكل مضرة للولايات المتحدة كونها المستفيد الأول من النظام العالمي، ولها مصلحة كبيرة في المحافظة على الوضع الراهن وتدعيمه بقواعد متفق عليها عموماً. لم نصل بعد الى النقطة التي يتوقف عندها "الغرب" عن الوجود، على الأقل، كما سأناقش لاحقاً، كون ادارة بوش لا تمثل سوى وجه واحد من أميركا، وليس البلد كله. إلا انه إذا ذهبت الولايات المتحدة الى الحرب ضد العراق، وإذا تعثّرت الحرب في شكل خطير، فإن نهاية الغرب كوحدة ثقافية وسياسية ستصبح أقرب.
من الممكن القول ان 11 أيلول أثبت ان الولايات المتحدة تواجه فعلاً أخطاراً هائلة. وقبل اعتماد ذلك كتبرير لآراء القوميين الجدد - أو الواقعيين، كما يسمون خطأ - يتعيّن قراءة ما كانوا يكتبونه قبل 11 أيلول. يتضح عندها، كما قال أحد مسؤولي ادارة بوش، اننا "أخذنا 11 أيلول وقمنا بتحميل كامل برنامجنا عليه".
حروب متعددة
كتاب من مجموعة مقالات نشر عام 2000، قام بإعداده كل من روبرت كاغان ووليم كريستول، بعنوان "أخطار قائمة: أزمة وفرصة في السياسة الخارجية والدفاعية الأميركية"، مثير من هذه الناحية. يتضمن الكتاب هجوماً قوياً ضد ادارة كلينتون، وأيضاً مجموعة من التوصيات الحازمة لسياسات ادارة جمهورية مستقبلية. الكاتبان، وفي شكل يتلاءم مع خط ما قبل 11 أيلول الواقعي، لا يعيران اهتماماً للارهاب وأمور العنف والهدوء داخل المجتمعات، بل انهما مهووسان بما يريان انه خطر على الولايات المتحدة. وآخر مقال في ذلك الكتاب، على سبيل المثال، هو بحث يطغى عليه الهلع ويرى ان موقف الولايات المتحدة من الصين يشبه موقف بريطانيا من المانيا خلال الثلاثينات.
وكما ذكر جونستون كلارك في "ناشيونال انترست": "لو طبقت المقترحات الواردة في الكتاب كاملة وفي الوقت نفسه، لكانت الولايات المتحدة وجدت نفسها تخوض حرباً على خمس جبهات، وفي الوقت نفسه تحض اسرائيل على التخلي عن العملية السلمية واعتماد مبدأ المواجهة غير المحدودة مع الفلسطينيين".
بدأت استراتيجية ادارة بوش تجاه العالم تأخذ ذلك الاتجاه، ان أميركا غارقة في مواجهة في أفغانستان التي لها انعكاسات كبيرة على جنوب آسيا. كما انها تخطط لحرب ضد العراق قد تؤدي الى احتلال عسكري طويل الأمد ليس فقط للعراق، بل لدول أخرى أيضاً. ان خطاب بوش عن "محور الشر" أضاف عدوين آخرين، ايران وكوريا الشمالية. والمريب أيضاً، ان دراسة من إعداد مجلس السياسة الدفاعية، الذي يترأسه ريتشارد بيرل كبير خبراء السياسة الدفاعية في الإدارة، دعت الى تهديد المملكة العربية السعودية باحتلال آبار نفطها إذا رفضت اعطاء دعم غير مشروط ل"الحرب على الارهاب". وذكر التقرير أيضاً ان التهديد يجب ان يلزم السعودية بوقف التصريحات المناوئة لإسرائيل. كما ان عدد 15 تموز يوليو من "الويكلي ستاندرد"، التي يحررها كريستول، ترى المملكة العربية السعودية عدواً أساسياً للولايات المتحدة ومنطقة صالحة للتدخل العسكري.
خلال التسعينات، كان المواطنون أنفسهم يحاولون اعطاء صورة عن روسيا كدولة عدوانية لها ميول قوية للعدوان والتسلط. جاء ذلك في وقت أقدمت روسيا على أكبر انسحاب سلمي في التاريخ، مستسلمة للولايات المتحدة في كل المواضيع المهمة، في وقت كان الجيش الروسي يتفكك.
هستيريا قومية
في إمكان المرء ان يبدي تعاطفاً مع الهستيريا السياسية والوطنية للفلاحين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود في الدول النامية الذين يسعون جاهدين للتعويض عن حياتهم البائسة. ولكن كيف يستطيع المرء ان يبرر هذه المشاعر في صحيفة "وول ستريت جورنال"؟ ان أساس هذه الروح هو موضوع خارج نطاق هذا البحث، ولكن بغض النظر عن ذلك الأساس، فإنها ظهرت الآن بقوة كبيرة في مواقف الأميركيين والاسرائيليين القوميين، ليس فقط تجاه العالم العربي بل تجاه المنتقدين للسياسة الأميركية في أوروبا أيضاً. لقد تحدثت مع مثقفين أميركيين رفضوا تصديق ان قوات فرنسية شاركت في حرب الخليج، وان قوات حفظ سلام فرنسية في البوسنة تعرضت لاصابات على يد الصرب أكثر من الخسائر التي تعرض لها الأميركيون في أفغانستان حتى الآن، أو أن الجنود الفرنسيين تعرضوا لاصابات نسبية أكبر في الهند الصينية من الجنود الأميركيين، وأنهم حاربوا بصعوبة أكبر.
إلا انه على رغم ازدياد الشعور بالقومية الأميركية نتيجة 11 أيلول يجب عدم الاعتقاد بأن العناصر المتشددة داخل الادارة الحالية تمثل كل أميركا، أو ان سيطرتهم في المستقبل أمر مفروغ منه. هناك اشارات الى ان الحياة العامة الأميركية بدأت تخرج من فيضان الشعور بالقومية الذي أغرق المناقشة خلال الشهور التسعة التي تلت 11 أيلول. فقد بدأ المعتدلون في الكونغرس بالالتفاف حول معارضة حرب آحادية ضد العراق، كما التحق بهم الآن عدد من قدامى المؤسسة الأمنية للحزب الجمهوري مثل برنت سكوكرفت. وهم بذلك يتلقون دعماً خفياً من كولن باول ووزارة الخارجية وكذلك من عناصر مهمة داخل البنتاغون. هذا يشكل جزئياً قلقاً معيناً من خطط الحرب التي يجرى تداولها، والتي يرى بعض القادة العسكريين المهمين انها تدل الى جنون، كما ان معارضة القوة العسكرية الأميركية للحرب على العراق تدعو في الواقع للاعجاب داخل المؤسسة العسكرية، التي هي حتماً غير متحمسة لحملة عسكرية غير محسوبة.
دروس فيتنام
في أميركا، ذكريات حرب فيتنام نُسيت من الجيل السابق عموماً، الى درجة ان نسبة كبيرة ممن هم اليوم في سن المراهقة يعتقدون ان أميركا ربحت تلك الحرب، طبعاً ليس الموضوع بهذه السهولة بالنسبة الى المؤسسة العسكرية. كتابان جيدان، عن ضباط أميركيين، يظهران أن هناك دروساً استفيد منها، كما يُظهران ان هناك فارقاً نفسياً وحتى حضارياً بين بعض العسكريين والقوميين العقائدين. الأول هو "اهمال الواجب: جونسون، ماكنمارا، القيادة الموحدة، والأكاذيب التي أدت الى حرب فيتنام"، كتبه ه.ر. مكماسترر، وهو عقيد حارب ببسالة في حرب الخليج، والكتاب هجوم عنيف على روبرت ماكنمارا و"التكنوقراط" الذين دفعوا الولايات المتحدة الى حرب فيتنام، وفيه انتقاد لأخلاقية جنرالات لم يعارضوا استراتيجية كانوا يعلمون انها خاطئة.
الكتاب الثاني هو قصة "يوم مانسر" كتبها انتون مايرر، وهو بحار سابق في الحرب العالمية الثانية. انها تروي ما تعرض له جندي أميركي من وقائع ما بين 1917 - والستينات. الكتاب يوزع على جميع ضباط البحرية وله شعبية كبيرة بينهم، وقد وصفه قائد المدرسة الحربية البحرية بأنه "البوصلة الأخلاقية لي ولعائلتي من الجنود لأكثر من جيلين".
"يوم مانسر" ليست قصة عظيمة، إلا انها أخلاقية بشكل كبير. من أهم أركانها احتقار العمل العسكري غير المنظم والذي يتم بدوافع سياسية أو شخصية أو للاستغلال القومي، وكذلك للجنود الذين يتعاونون مع عمليات كهذه. الا ان بطل القصة يقبل حجة ان تكون السلطة النهائية على العسكر لشخص مدني منتخب. يذكّر هذا الكتاب بأن وراء الخطاب العنيف - ولا تزال هناك أميركا جذابة في القوات المسلحة وكذلك في المجتمع عموماً -: اميركا لينكولن، غرانت، مارشال وايزنهاور، ذات الوطنية القوية ولكن غير العدوانية، وكذلك ذات الشعور العميق ولكن الواقعي بالواجب، شعور بالأخلاقيات الرومانية مخففة بالديانة المسيحية وعصر النهضة.
القفز فوق العسكريين
ومع ان ريتشارد بيرل حاول ان يقول ان التخطيط للحرب يعود الى السياسيين وحدهم، إلا انه وغيره من العقائديين القوميين عليهم أن يكونوا حذرين من القفز فوق العسكريين في موضوع العراق. العسكريون هم عرفاً مؤسسة لا يمكن الضغط عليها للسكوت من طريق اتهامها بعدم الوطنية. وهذا صحيح في شكل خاص، لأن عدداً قليلاً من القوميين المتشددين بين المثقفين سبق لهم ان خدموا في الجيش الأميركي. وخلال حرب فيتنام بذل بعضهم جهداً كبيراً للتهرب من الخدمة العسكرية.
الولايات المتحدة بلاد كبيرة تحوي خليطاً وكثيراً ما تناقض نفسها. فأميركا جمعية البندقية وجون آشكروفت هي أيضاً أميركا نادي السيرّا واتحاد الحرية المدنية. حتى ان بعض الجمهوريين هم أقرب في انكارهم الى زملائهم الأوروبيين من كثير من زملائهم الأميركيين.
لو انتخب غور
وفي هذا السياق، من المفيد التفكير كيف كان من الممكن ان تكون عليه السياسات الأميركية لو أن آل غور انتخب رئيساً. بعض الأشياء الكبيرة كانت ستبقى كما هي، الا انه في مسائل مهمة مثل محكمة الجزاء الدولية، ومعاهدة حظر التجارب النووية وكذلك معاهدة خفض الأسلحة النووية مع روسيا، إذ كان غور سيحاول على رغم معارضة شديدة من الكونغرس، كان يمكن أن يتبع سياسات أقرب الى الأوروبيين. وكان يمكن لآل غور ان يزيد الضرائب على الحديد المستورد ومواد أخرى من أجل ان يكسب أصوات اتحاد العمال، ولكن من غير المرجح ان يعطي معونات كبيرة للمزارعين. استناداً الى سجل كلينتون. كان غور اتبع موقفاًَ أكثر مسؤولية تجاه أميركا اللاتينية من الناحية الاقتصادية. وفي موضوع معاهدة كيوتو وارتفاع الحرارة في العالم، كان موقف غور ليكون مختلفاً تماماً عن موقف بوش، أو على الأقل كان سيحاول ذلك. وبدل الجهد الحالي الأميركي لزيادة انتاج البترول وتنويعه، كان من الممكن ان نرى الآن محاولة لتحويل عدم الاستقرار في الشرق الأوسط الى حجة من لادّخار الطاقة الأميركية والاستثمار في تكنولوجيا ايجاد بدائل للنفط كمصدر للطاقة. هذه ليست فوارق صغيرة، وكان يمكنها وضع "المجتمع الأوروبي - الأطلسي" في وضع جيد، بدل ان يكون مريضاً للغاية أو حتى في حالة قريبة من الموت.
بعض الذين ينتمون الى اليمين الأميركي واليسار الأوروبي ولا يبالون باحتمال موت الغرب يسيئون الى بلادهم، وكذلك الى الانسانية عموماً. ذلك انه من دون الولايات المتحدة فإن عدداً كبيراً من المواضيع الخطيرة ستصعب معالجته. كما ان الولايات المتحدة من دون أوروبا ستهمل مسائل لا تلبث ان تصبح ذات تهديد مباشر لها. وإضافة الى ذلك، من دون قوات حفظ سلام وأموال أوروبية سيكون من المستحيل تحويل انتصارات عسكرية أميركية قصيرة الأجل الى أي شيء يشبه نجاحات طويلة الأمد. من دون قوات حفظ السلام في كابول وعمليات اعادة اعمار ممولة من الأوروبيين في أفغانستان، فإن تلك البلاد ستعود الى النزاعات العرقية - الدينية وتعود "القاعدة" الى مناطق البشتون.
الديموقراطية الأميركية
بغض النظر عن مظاهر الخداع في الديموقراطية الأميركية، فإن المؤسسات الديموقراطية الأميركية شكلت أساساً للديموقراطية في العالم، وهذا ليس فقط لأنه بين عامي 1941 و1989 شكلت القوة الأميركية العسكرية والاقتصادية أساساً في الدفاع عن الديموقراطية الغربية ضد أعدائها الشموليين. بل ان عمال المطاحن في القرن التاسع عشر في لانكشاير الذين أيدوا الاتحاديين خلال الحرب الأهلية الأميركية، مع ان مصالحهم كانت مع الجنوب، كانوا مصيبين. فلو ربح الجنوب الحرب الأهلية لكان الواقع السياسي في بريطانيا وأوروبا اتخذ اعتباراً من 1860 مساراً ذا منحى ديكتاتوري.
للديموقراطية الأميركية مكانة كبيرة حتى في العالم الإسلامي، وهذا واضح خصوصاً بين الشباب في ايران. وتشير احصاءات الرأي الى ان الغالبية بين المسلمين معجبة بديموقراطية أميركا ومؤسساتها وكذلك بنجاحاتها الاقتصادية.
إن احدى الأمور المذهلة لدى القوميين الأميركيين انهم يرفضون الاعتراف بأنهم انتصروا انتصاراً كاملاً في الحرب الباردة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والعقائدية. وكما كنت أشرت مباشرة بعد 11 أيلول الى أن "القاعدة" نفسها هي مؤشر على ذلك. فإن النموذج البديل الوحيد للحداثة مات، وقادة الدول المهمة أصبحوا متداخلين في العالم الرأسمالي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة ولهم مصالح في المحافظة عليه. وبالتالي فان المعارضة العقائدية لهذا النظام اندفعت صوب الاطراف القصوى للدين وما يشابه الدين: التطرف الاسلامي والمحاربين الاقتصاديين.
خداع النفس
من الواضح ان الولايات المتحدة تسيطر على النظام العالمي القائم، وبالتالي فإن من المنطق ان تتصرف كدولة محافظة، كما فعلت بريطانيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومن البديهي ان يكون في مصلحة اميركا ان توجد إطاراً من القوانين الدولية وموانع ومؤسسات تساعد على تجميد الوضع القائم. لماذا إذاً تمتنع ادارة بوش عن القيام بذلك؟ السبب هو القومية الاميركية المطعمة بالقومية الاسرائيلية وهيجان 11 ايلول.
يعيدني هذا الى مقالة كاجان، التي هي دفاع لبق عن عقيدة خداع النفس التي تحكم ادارة بوش اليوم. السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا هو: اذا كانت اوروبا تجادل من منطلق ضعف عسكري، هل هذا يعني ان الحجج التي تقدمها هي حجج خاطئة؟ أليس من الممكن ان تكون اوروبا تعلمت بعض الدروس المفيدة من تاريخها الفظيع قبل 1945؟ وإذا رفضت اميركا واسرائيل ان تصغيا الى تلك الدروس، هل يكون محكوماً عليهما ان تعيدا تجربة اوروبا؟
امثولات استعمارية
إضافة الى ذلك، هناك دروس يجب استخلاصها من حروب اوروبا الاستعمارية - خصوصاً الفرنسية منها في كل من الهند الصينية والجزائر. ومع ان فرنسا هزمت في الهند الصينية إلا انها لم تنسحب من الجزائر لأنها لم تعد قادرة على الصمود عسكرياً فيها، وهنا مثلها مثل انسحاب اميركا من فيتنام حيث لم تهزم في ارض المعركة. انسحبت فرنسا من الجزائر لأن الاحتلال كان سيعني حرباً مستديمة، ولأن طبيعة الاساليب الفظيعة التي كان تتطلبها ادامة الاحتلال بما فيها التعذيب المبرمج، شكلت عناصر مؤذية للديموقراطية الفرنسية تحطم عنصرها ومكانتها الثقافية، وأيضاً لأن المردود الاقتصادي وكذلك الجغرافي - السياسي للجزائر لم يكن يوازي الدمار والتضحيات المطلوبة للاحتفاظ بها. والأسباب نفسها، الى حد ما، دفعت بريطانيا الى الانسحاب من افريقيا بعد الهزيمة الساحقة التي ألحقتها بقبائل الماو ماو في كينيا. وأميركا ايضاً كانت لها تجارب مع فظائع مماثلة في فيتنام، إلا انه كان في الامكان طمس تلك الذكريات الى حد كبير.
من منطلق سياسة القوة، لا يمكن مقارنة اميركا اليوم بوضع الدول الاوروبية قبل 1945. في الماضي، كثيراً ما تعمد القوميون الاوروبيون تضخيم قوة الدول الاوروبية الاخرى وعداءها، لكن دولهم كانت فعلاً مهددة. لم تملك اي دولة اوروبية قبل 1914 او قبل 1945 أو تعادل بأي شكل كان التفوق العسكري والتقنية العسكرية التي تملكها الولايات المتحدة حالياً. كان لبريطانيا اقوى اسطول، إلا انها كانت تملك ايضاً اسباباً قوية للخوف من البحرية الألمانية التي كانت تقوى باستمرار، وبخاصة بسبب غواصاتها. وكان لألمانيا الجيش الأقوى - إلا أن فرنسا وروسيا كانتا تملكان جيوشاً اكبر، وبالتالي فان أملها الوحيد كان بارتكاب مخاطرة كبيرة وفاشلة، كما تبين لاحقاً. وكانت النمسا مهددة بشكل اكبر من التفوق الروسي، كما ان روسيا كانت حتماً مهددة من جانب النمسا وألمانيا. إلا انه اليوم، فإن الموازنة الدفاعية للولايات المتحدة توازي 40 في المئة من موازنة مجموع انفاق الدول الاخرى على التسلح، وبالتالي لا تستطيع اي دولة ان تطمح للانتصار على الولايات المتحدة عسكرياً حتى في عملية محدودة. لكن خطر الارهاب لا يمكن الانتصار عليه في النهاية بدحر واحتلال دولة اسلامية بعد اخرى. إضافة الى ذلك، فإن الصورة التي يعطيها كاجان عن عالم تتصارع فيه كل دولة مع الاخرى هي بكل بساطة غير صحيحة بالنسبة الى معظم بقاع العالم، بما فيها اميركا اللاتينية - حديقة اميركا الخلفية - كما انه في معظم المناطق الاخرى حيث تنطبق تلك النظرية، فانها لا تؤثر في المصالح الاميركية ولن تستخدم فيها القوات الاميركية. ان قوة حفظ السلام في سيراليون كانت بريطانية، كما ان استراليا هي التي ارسلت قوات حفظ السلام الى تيمور الشرقية. وفي جنوب آسيا هناك خطر حقيقي من صراع بين دول، إلا ان مهمة الولايات المتحدة في المشكلة بين الهند وباكستان، والتي تابعها كولن باول بشكل يثير الاعجاب، هي مشكلة ديبلوماسية تخلط التهديد والرشاوى والتوازن. بمعنى آخر، مزيج بين الديبلوماسية الاميركية والاوروبية. ان الخطر على الغرب من معظم الدول النامية ينبع من داخل هذه الدول: حرب اهلية، امراض، هجرة وكذلك مشكلات بيئية تعاملت معها ادارة بوش باحتقار. هذه لا تستطيع القوة العسكرية الاميركية حلها ولو شاءت ذلك.
المساعدة الأوروبية
لا شك ان المعسكر الليبرالي في اميركا تلقى ضربة بسبب 11 ايلول، ذلك ان فكرة التعاون غابت في الوقت الراهن، وهناك شعور منتشر، ليس فقط بين اليمين، بعدم اهمية اوروبا. وهكذا، كتب كاجان: "هل تستطيع الولايات المتحدة ان تمسك العالم من دون مساعدة تذكر اوروبا؟ الجواب هو انها تفعل ذلك الآن. لقد حافظت الولايات المتحدة على الهدوء الاستراتيجي في آسيا من دون مساعدة اوروبا. وفي حرب الخليج كانت المساعدة الاوروبية رمزية، وكذلك في افغانستان، وهكذا ستكون أيضاً في العراق. منذ نهاية الحرب الباردة، لم يكن لدى اوروبا سوى القليل لتقدمه الى الولايات المتحدة من الناحية العسكرية الاستراتيجية".
الناخبون الاوروبيون والنخب السياسية، وطبعاً المثقفون، يتعين عليهم جميعاً ان يتحملوا اهانات كهذه مرة تلو الاخرى، الى ان تتمكن اوروبا من تطوير قوة حربية حقيقية، والإرادة السياسية لاستعمالها.
هذا لا يعني ان عليها بناء حاملات طائرات من اجل ان تحارب في الشرق الاوسط او جنوب آسيا، انما تعني القدرة على دخول حرب من اجل تهدئة البلقان. ان الفشل المهين لأوروبا في البوسنة في اوائل التسعينات شلّ اوروبا نفسياً، كما ادى بها الى اللحاق بأميركا الى حرب كوسوفو التي اثبتت في شكل ساحق فارق القوة العسكرية التكنولوجية الكبير بين اوروبا والولايات المتحدة.
إلا ان زيادة الانفاق الدفاعي هو اصعب بالنسبة الى أوروبا مما هو للولايات المتحدة. لا يمكن وصف الانفاق الدفاعي الاميركي على انه تضحية، لأن جزءاً بسيطاً منه يذهب خارج البلاد. ان القسم الاكبر منه هو تحويل اموال من دافعي الضرائب الى المجمع الصناعي العسكري والملايين من مستخدميه، وهو بالتالي يتمتع بدعم كبير من الكونغرس. والى هذا التاريخ يشكل الانفاق العسكري قوة كبيرة في زيادة حجم الاقتصاد والاختراعات التكنولوجية. اما في اوروبا، فيتطلب الاستثمار العسكري الضروري تجميع المصادر، إذ تذهب اموال دافع الضرائب الفرنسي لشراء غواصات بريطانية او دبابات ألمانية، وبالتالي فان فوائده الاقتصادية تكون اقل ظهوراً بالنسبة الى المقترعين. غير انه، خلافاً للخطاب القومي الاميركي، حتى لو لم تقدم اوروبا جندياً واحداً للحرب الاميركية في الشرق الاوسط فانها تلعب دوراً رئيسياً في تلك الحرب وتأخذ على عاتقها مخاطر كبيرة جداً نتيجة لذلك. والمساهمة الاوروبية هي موافقتها بالسماح للولايات المتحدة باستعمال قواعد اوروبية وإعطائها حقوق الطيران العسكري. من دون تلك المساهمة، فان تزويد القوات العسكرية الاميركية في الشرق الاوسط يكون اكثر صعوبة. إلا ان وجود تلك القواعد يزيد من احتمال ان تصبح اوروبا هدفاً لهجمات ارهابية.
اذا كانت الحكومات الاوروبية تعتقد حقاً ان سياسات الولايات المتحدة في الشرق الاوسط تشكل خطراً كبيراً على اوروبا، وعلى المنطقة والعالم، فانه يتعين عليها الامتناع عن اعطاء الحق للجيش الاميركي باستعمال تلك القواعد على اراضيها وبالتالي تتحمل المسؤولية في الدفاع عن نفسها. وطالما ان روسيا وتركيا بقيتا وديتين مع اوروبا، فانه لا يوجد خطر تقليدي يواجههما.
وفي هذا السياق، فان الكثير من الانفاق البحري العسكري لأوروبا هو غير ذي جدوى، حتى ان تدخلاً افتراضياً في شمال افريقيا يعتمد في شكل رئيسي على القوة الجوية المتمركزة في اسبانيا وإيطاليا.
أوروبا والناتو
الصحافي الاميركي وليم بفاف كتب أخيراً في "الهيرالد تريبيون": "بإمكان الحكومات الاوروبية المنضوية في حلف الناتو ان ترفض اعطاء اميركا حق استعمال قواعد ومعدات الحلف في الحرب على العراق... لن يُدمَّر الناتو لأن الولايات المتحدة تحتاج اليه اكثر مما تحتاجه اوروبا. وهذه الحقيقة ليست معروفة تماماً. الناتو لم يستخدم في الدفاع عن اوروبا من اي خطر، لقد انتهى الخطر، وبالنسبة الى الأوروبيين، الناتو يشكل اثاراً باهظة الكلفة من الحرب الباردة. لكن بالنسبة الى الولايات المتحدة، لا بد للناتو من ان يكون موجوداً. واشنطن قد تكون غير مهتمة برأي الحلفاء، او غير محتاجة الى الدعم العسكري من الحلفاء، إلا انها تحتاج الى الحلف الاوروبي وذلك لأن الناتو يوفر لها البنية التحتية الضرورية لنشر القوة العسكرية الاميركية في الشرق الاوسط روسيا اوروبا وأفريقيا".
إذا تورطت الولايات المتحدة باحتلال عسكري دموي في الشرق الاوسط، فان الحفاظ على تلك القواعد سيصبح قضية اساسية في السياسة الاوروبية. مثل اسرائيل، قد تصبح اميركا مصدر خطر اكثر من ان تكون عنصر قوة لأوروبا في ما يتعلق بخطر الارهاب. وكما اشار بفاف، سيكون ذلك في وقت لا تشعر فيه اوروبا بأي خطر من الشرق. وهو لاحظ أيضاً ان الانتقادات الاوروبية لاسرائيل لم تدعمها حتى اليوم اجراءات عملية. ولكن في حال قرر الاوروبيون توقيع عقوبات اقتصادية كأداة للضغط، يمكنهم مع الوقت ان يتسببوا بأضرار فادحة للاقتصاد الاسرائيلي.
مثل هذه التطورات ستضع بريطانيا امام حيرة هائلة، إذ ان تأييدها السياسات الاميركية بما فيها ما يتعلق بالعراق هو محاولة مستميتة من جانبها لمنع استفحال الامور ووصولها الى لحظةالاختيار بين اوروبا واميركا. وهي تأمل من جراء ذلك بأن يكون لديها نفوذ على الولايات المتحدة، لتفادي عواقب اسوأ. ان وضع بريطانيا اليوم يشبه وضع رجل يساعد صديقه السكران على عبور طريق مظلم، فهو من ناحية يساعده ولكن ايضاً يمنعه من شتم المارة ومهاجمتهم. ولكن عندما ينتهي صبر الأكثر تحملاً وقد يتعين على الصديق ان يقول لصاحبه الثمل ان عليه ان يصحو او يتابع طريقه الخطر لوحده.
* باحث مشارك أساسي في "معهد كارنيجي للسلام العالمي" في واشنطن.
خدمة "نيويورك تايمز"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.