قال وزير النفط والمعادن اليمني الدكتور رشيد صالح بارباع أن بلاده تلقت أخيرا طلبات من شركات خليجية مهتمة بالدخول في استثمارات جديدة في قطاعات النفط والغاز والمعادن. وأكد في مقابلة خاصة مع "الحياة" أن اليمن يسعى إلى تحقيق التكامل في الصناعة النفطية والمعدنية مع دول مجلس التعاون الخليجي والاستفادة من خبراتها الطويلة، مشيراً الى أن هناك توجهاً لتقديم كل الدعم والتسهيلات اللازمة. وأضاف أن شركة "هنت أويل" الأميركية لا تزال باقية في مشروع الغاز الطبيعي ولم تقدم طلباً بالانسحاب، فيما خرجت منه شركة "إكسون" الاميركية. واعترض بارباع على تقارير منظمات دولية في شأن احتمال تراجع إنتاج اليمن من النفط الخام في السنوات المقبلة، مشيراً إلى أن الزيادة في مخزون المسيلة وحدها بلغت 50 مليون برميل، فضلاً عن وجود نتائج مشجعة في القطاعين 9 و10 ستحافظ على مستوى الإنتاج الحالي وترفع معدلاته. وزاد أن تخصيص مصفاة النفط في عدن أصبح مسألة بعيدة التحقيق وهناك دراسة لوزارة النفط لتطويرها وتحديثها على مرحلتين بكلفة تصل إلى 170 مليون دولار بالقدرات الذاتية. وفيما يأتي نص المقابلة: نظم اليمن الشهر الماضي مؤتمراً دولياً عن النفط والغاز... هل هناك نتائج عملية تجنون ثمارها الآن من ذلك؟ وهل تقدمت شركات جديدة للاستثمار؟ - تقويمنا للمؤتمر الثاني للنفط والغاز أنه حقق نتائج إيجابية كثيرة وأعطى صورة جيدة عن فرص الاستثمار المتاحة في اليمن والتشريعات المميزة لجذب الشركات وخطط الحكومة في مجال النفط والغاز مستقبلاً. ما أود قوله أن كثيراً من الشركات أرسل رسائل إلينا لمعرفة المزيد من المعلومات التفصيلية في مشاريع معينة سواء في النفط أو الغاز أو المعادن وأكثر هذه الشركات من منطقة الجزيرة والخليج العربي. وهذا كان أحد أهداف المؤتمر بحيث يتم جذب الشركات القريبة منا في الخليج بالإضافة إلى الشركات الدولية الكبيرة. ومن خلال لقاءاتنا مع الوفود المشاركة ردد الجميع ما قاله ممثل البنك الدولي من أن الإستثمار في اليمن واعد ونشجع الشركات على استكشاف الفرص فيه. من الملاحظ أن هناك سعي يمني لتفعيل العلاقات النفطية مع دول الخليج... هل لدى اليمن حيثيات لتكوين شراكة ومنافع تغري الشركات الخليجية؟ - التوجيهات العليا للقيادة السياسية في اليمن ممثلة في الرئيس علي عبدالله صالح تمثل بالنسبة لنا خطوطاً عريضة ننطلق في العمل من خلالها لتوطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول الخليج. ونفكر في كيفية اقامة استثمارات مشتركة وجذب المستثمرين من هذه المنطقة. لدينا في اليمن ثروات كبيرة سواء في القطاع المعدني أو النفط والغاز ولم تستكشف بعد. في موضوع النفط دول الخليج لديها باع طويل في تجربة استكشاف النفط والغاز، في الوقت نفسه اليمن لديه ثروات معدنية لم تخرج إلى النور والبعض منها غير موجود في الخليج. وفضلاً عن التقنيات والخبرة الواسعة لدول الخليج منذ الثلاثينات ووجود شركات كبيرة فيها عندها تجربة واسعة في ابرام الاتفاقات النفطية والخدمات. بالفعل نحن جذبنا الكثير من هذه الشركات للعمل في اليمن حتى نخلق مناخاً تنافسياً في السوق النفطية. بلادنا مفتوحة للشركات الصغيرة والكبيرة على حد سواء والمناقصات هي الفيصل الأخير في الاختيار. نحن نسعى إلى جذب الاستثمارات في الشركات الخدمية. ونؤكد أن اليمن بعدما أنجز قضايا حدوده مع السعودية وقبلها مع سلطنة عمان استطاع أن يجذب شركات برأس مال كبير، وآخر هذه الشركات شركة سعودية أميركية للتنقيب عن النفط في القطاعين 57 و58 شمال اليمن. من ناحية أخرى دخلت اليمن استثمارات سعودية - اماراتية لبناء مصفاة النفط في المكلا وهو من المشاريع الضخمة التي يمكن أن تعطي ثمارها فيما بعد وتساعد في التهيئة لتأسيس الصناعة النفطية في مناطق لم تكن تشهد مثل هذا النشاط من قبل. أيضاً وقعنا اتفاقاً مع "الشركة المتحدة للأنابيب" لدرس فكرة إنشاء وبناء أنبوب يصل بين حقول النفط السعودية إلى البحر العربي جنوباً في أحد موانئ المهرة أو حضرموت أو مكان آخر يتم إختياره. أعطينا للشركة 18 شهراً قابلة للتمديد ستة أشهر أخرى لدرس الموضوع وهو أول اتفاق من نوعه في اليمن. وما هي الفوائد التي ستعود على اليمن من تمديد أنبوب النفط؟ - الفوائد كثيرة، منها زيادة الاستثمارات في مجال التكرير كما أن بناء الأنابيب سيوفر فرصاً كثيرة للعمل للكوادر اليمنية، ومن الفوائد تحريك نشاط الموانئ وجذب السفن إلى اليمن بما يتبعه ذلك من بناء ميناء جديد للتصدير. وهل تنوون تقديم تسهيلات إضافية للشركات الخليجية الراغبة بالعمل في اليمن؟ - القوانين الإستثمارية في اليمن نعتقد أنها ممتازة وتساعد الشركات على العمل. وفي مشاريع النفط نقدم التسهيلات في اتفاقات المشاركة ونتعلم مما هو موجود في العالم ولا نصيغ إتفاقات من دون دراية بما يدور في عالم النفط والغاز أو المعادن في الخارج. لدينا 25 شركة إنتاجية واستكشافية فضلاً عن عشرات الشركات الخدمية التي تعمل في مجال المقاولات من الباطن أو النشاط الخدمي. وأود التأكيد أننا نراعي اعتبارات معينة مع الشركات المستثمرة في مشاريع استراتيجية من خلال منحها حقوقاً حصرية معينة. وفي مشروع مصفاة المكلا أعطينا للشركة الحق في ألا يتم بناء مصافي في بعض المناطق القريبة منها لأن هذه المصفاة ستساعدنا في تلبية الطلبات المتزايدة على المشتقات والتي يراوح نموها بين 5 و6 في المئة سنوياً. نحن نضع في الاعتبار عند الاتفاق قاعدة لا ضرر ولا ضرار ونراعي مصالح الدولة أولاً وأيضا فإن مصلحة المستثمرين مصانة ونعطيهم حقوقاً ومزايا معقولة. بالاضافة إلى ذلك فان الاتفاقات النفطية تصدر بقوانين رسمية وتضمنها الجهات التشريعية ويصادق عليها رئيس الجمهورية واليمن مصنف في هذا المجال بشكل جيد على مستوى بلدان العالم. ما هي أولويات وبرامج وزارة النفط والمعادن خلال الفترة المقبلة؟ - من المهم جداً أن نحافظ على الإنجازات الموجودة وأن نسير بخطى حثيثة في اجتثاث العثرات الإدارية والتي يبدو أن الفساد الإداري أحد مظاهرها وذلك في إطار برنامج الاصلاح المالي والاداري وترجمة لتوجيهات القيادة السياسية. ونعتزم بذل المزيد من الجهد لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومواجهة آفة الفساد في مرفق كالنفط يتعامل مع الشركات الأجنبية والعالم الخارجي والاستثمارات. نحن ندرك أن العملية ليست سهلة وقد تتطلب تغيير بعض الأشخاص إذا وجدنا أن هناك سبباً قانونياً واضحاً يستدعي ذلك من أجل المصلحة العامة. ونركز في الفترة المقبلة على ربط اليمن مع دول الخليج في مجال التجارة المعدنية، اذ وقعنا بروتوكولات مع سلطنة عمانوالإمارات وقطر وقريباً سنوقع مع الكويت. في اليمن تتوافر الصخور الصناعية والانشائية والمعادن المختلفة ويمكن الاستثمار المشترك في مجال النيكل والمواد الفلزية واللافلزية. لدينا مادة الزولايت الموجودة في الصخور البركانية وهي تساعد في تقليل مياه الري في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية وفي سلطنة عمان أبدوا اهتماماً واسعاً بشراء هذه المادة من اليمن بدلاً من أماكن بعيدة ونتوقع إبرام اتفاقات تجارية في هذا الجانب قريباً. لقد اهتمت وزارة النفط والمعادن بدعم المستثمرين المحليين في مجال إنتاج وتصدير الأحجار المعدنية وساعدتهم في تأسيس جمعية لتطوير أدائهم وفتحت أمامهم المجال للترويج في الخارج، ما أثمر عن وجود أسواق في دول الخليج بالذات الإماراتوعمان وكذلك السعودية ولكن طموحنا مستقبلاً زيادة الصادرات والدخول معا في إستثمارات في استكشاف النيكل والفضة والذهب والكوبلت والتعاون في إنشاء منطقة صناعية تعمل بالغاز في اليمن. مددت الحكومة اليمنية للشركاء في مشروع الغاز حتى سنة 2006 وأعلن عن إنسحاب شركتي "هنت" و"إكسون" ... هل سيؤثر ذلك في سير المشروع وما هي رؤيتكم لانجازه؟ - الحكومة أعطت اربع سنوات تمديد للشركات وهذا يدل على أنها واثقة في نجاح هذا المشروع. نحن نعرف من خلال الدراسات المتوافرة لدينا أن سوق الغاز ستكون صعبة خلال السنوات الثلاث المقبلة. شركة "إكسون" الوحيدة التي أعلنت إنسحابها إلى الآن من المشروع مع العلم أن قرارها ليس له علاقة بالثقة في اليمن لأن مصالحها موجودة في اليمن وتعمل في قطاع 18 النفطي ولكنها مهتمة بدراسة فرص أخرى للاستثمار في اليمن. المشكلة الحالية هي السوق ، لدينا كميات من الغاز تجعلنا نفكر في الاستثمارات الداخلية، نحاول أن ندرس فرصاً لجذب الاستثمار في استغلال جزء من الغاز لبناء محطة صناعية للبتروكيماويات وإذا نفذنا المشروع سيكون في المنطقة الحرة سواء في عدن أو غيرها داخل اليمن. أما شركة "هنت" فقد أعلنت في البداية أنها مع التمديد للشركاء، لكن حينما أعلنت الحكومة قرار التمديد لم نستلم من "هنت" أي معارضة ولم تبلغنا أنها ستخرج من المشروع حتى بعد الأيام الخمسة التي كانت مقررة بعد التمديد. وهذا معناه أن "هنت" باقية في مشروع الغاز إلى جانب الشركاء الآخرين وهم "الشركة اليمنية للغاز" و"توتال فينا الف" الفرنسية و"سنكيونغ" و"هوينداي" الكوريتين. ومن المفترض أن يعاد تقسيم الحصص على بقية الشركاء في ضوء المعطيات الجديدة سواء بتوزيع حصة "إكسون" عليهم أو جذب شريك آخر لكن هذه المسالة لم تحسم بعد. تشير تقارير دولية إلى احتمال تراجع إنتاج اليمن من النفط الخام في السنوات المقبلة. ما مدى صحة ذلك؟ وهل لديكم بدائل أخرى من خلال إستكشافات جديدة؟ - في الحقيقة أن قطاع 18 في مأرب يتناقص إنتاجه نوعاً ما بسبب زيادة الإستغلال وهذه مسألة طبيعية، لكن مع ذلك وجدنا أن الإنتاج الكلي لليمن يزيد. ننتج اليوم في حدود 475 ألف برميل يومياً وهناك على سبيل المثال زيادة جديدة في مخزون المسيلة بنحو 50 مليون برميل عبارة عن استكشافات في طبقات الآبار القديمة. هناك زيادة أيضا في القطاع 14 في المسيلة وحفرنا آباراً في القطاع 10 ووجدنا نتائج ممتازة وهذه يمكن أن تحسن الإنتاج والمخزون. كذلك هناك اكتشاف في القطاع رقم 9 ولا نريد الاعلان عنه إلا بعد أن نحصل على الوثائق الخاصة بالاختبار حيث تم حفر بئر تحتوي على مبشرات نفطية. ما هي آخر أخبار تخصيص مصفاة النفط في عدن؟ - بالنسبة للتخصيص قلنا أنه لا تخصيص لمصفاة عدن ولكن نحاول أن نقوم بتحديثها على مراحل. لدينا في وزارة النفط دراسة تقترح تنفيذ مرحلتين أساسيتين، الأولى بسيطة وهي عبارة عن تجهيزات وإصلاحات بقيمة 50 مليون دولار وتقريباً تم إنجاز معظم الأعمال فيها بصورة هادئة جدا وبقدرات ذاتية. المرحلة الثانية ربما تتجاوز كلفتها 120 مليون دولار وتتعلق بتحديث المصفاة وفيها يجب التشاور مع أصحاب الرأي في الحكومة واللجنة العليا للتخصيص، لكننا نؤمن إيماناً عميقاً أنه من دون تخصيص يمكن أن نطور مصفاة عدن وبقدراتنا الذاتية. صحيح أن المبالغ المطلوبة للمرحلة الثانية كبيرة ولا تستطيع الحكومة تدبيرها بسهولة ولكن يمكن أن نفكر أيضاً في جذب شركات أو السعي للحصول على تمويلات من البنوك بشروط ميسرة. الرؤية لم تتضح إلى الآن بشكل نهائي بالنسبة للمرحلة الثانية وأعتقد أننا قادرون على اجتيازها والحفاظ على المصفاة الوطنية القديمة التي لم تبخل في عطائها لليمن وتوفير المشتقات النفطية للسوق المحلية.