لقد سنحت الفرصة باستمرار لإدراك الحقيقة البسيطة ان التأسيس لحل سياسي عادل وشامل، على اساس الشرعية الدولية، هو البديل عن كل السياسات. ولكن الادارة الاميركية أغمضت عينيها. وكرّست جهدها وطاقتها لإعلان الكراهية للفلسطينيين، واعتبار كل مقاومة إرهاباً، وان اسرائيل تدافع عن نفسها بكل هذا الاجتياح والحصار والقتل والاعتقال المذل، وكل انواع ارهاب الدولة الرسمي الذي تمارسه. لقد وضع هذا الموقف غير الاخلاقي، وغير الانساني، والبعيد من العدالة وحقوق الانسان والمواثيق الدولية، القائم على قمع ارادة المجتمع الدولي القيام بمهماته في التحقيق بجرائم الحرب الاسرائيلية المتمادية وما حدث بمخيم جنين وضع الشعب الفلسطيني في موقف إحساس عميق بالظلم والإحباط، واستدعى القيام بأعمال تذكر العالم بما يرتكب في حقهم. وينبغي ان يفهم شارون والمؤسسة العسكرية الاسرائىلية التي تواصل الحصار والتدمير والاجتياح والقتل اليومي، ان العمليات العسكرية الارهابية، مهما كانت مسمياتها، لن تنجح في تحقيق اهدافها، وان ما تقدمه هو ما يحدث الآن من هذا الارهاب العنيف الذي يدفع المدنيين على الجبهتين ثمنه غالياً. وسيظل الأمر كذلك. والبديل هو إلغاء كامل للشعب الفلسطيني وإبادة، او العكس. وبما ان ذلك كله غير ممكن، فان الارهاب سيظل يرتفع، ويشتعل، وتذوق اعداد متزايدة من الطرفين طعم الموت وجحيم الدمار والعذاب. ولن يفلح الموفدون الاميركيون في فعل شيء، لأنهم يأتون ويذهبون محملين بانحيازهم الى اسرائىل، وتجاهلهم للمسؤولية السياسية والأخلاقية للدول الأوروبية، وتفردهم بالقرار المجحف والمتسلط الموصوف بالغطرسة والذي يمضي الى حد الاستهانة بكل ما هو خارج اميركا واسرائىل. لقد بدا ذلك واضحاً اكثر من اي وقت مضى. المطلوب اميركياً من الفلسطينيين كل شيء، وغير مطلوب من الاسرائيليين شيء. فاسرائيل التي تجتاح المدن والقرى والمخيمات، والتي تقوم قواتها العنصرية بربط الشباب الفلسطيني من معاصمهم وأيديهم الى الخلف، والتي تنتهك كل الأعراف والقوانين وحقوق الانسان في معاملة المعتقلين، لا تزال تلقى كل الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري من الولاياتالمتحدة الاميركية، ومن بريطانيا التي استقبلت شارون بعد واشنطن ومنحته الدعم. ان عالم اليوم لا يستقيم بالهيمنة والسيطرة والتهديد بالقوة والاحتلال العسكري او الفكري. انه عالم تنمو فيه قيم تقع في مركزها حقوق الانسان والشعوب، والمقاومة المشروعة في مواجهة الاحتلال، وكل ما يقع تحتها، وفي اطارها من قيم اخرى اقلها الكيل بمكيال واحد، وانتهاج سياسة حكيمة تستند الى العدالة، وليس الى العربدة والاستقواء. وعلى رغم اننا ندين العمليات الارهابية التي تستهدف المدنيين على الجبهتين، إلا ان المسألة ليست مسألة شكل او مجرد اعلان او تصريح، بقدر ما هو فعل على الارض لنزع فتيل الارهاب حتى تأخذ العملية السلمية سمتها، وتنطلق نحو تحقيق سلام وطيد وأكيد. يجب اعطاء الفلسطينيين أفقاً، وضمان مقتضيات الأمن الاسرائيلي التي اصبحت ذريعة هشة لكل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة. ولا يمكن تحقيق هذا او ذاك من دون الامتثال الى آلية واضحة، وبعبارات غير مبهمة، وبخط سير ثابت ومؤكد لانتشال الفلسطينيين من الاحباط، والاسرائيليين من احتلالهم لأنفسهم باعتقاد ان احتلال الارض يمكن تسييجه بالقوة القاهرة. وهنا تقع مسؤولية الشرعية الدولية متمثلة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومسؤولية الولاياتالمتحدة وأوروبا قبل كل شيء، والتي يجب ألا تظل محكومة بالرؤية الأحادية للإدارة الاميركية. والسلام ليس مسألة معقدة. وسؤاله لم يعد سؤالاً بعد كل هذه التجارب الممهورة بدم الأبرياء والفقراء. وما دامت طريقة معروفة فإن كل مضي خارجها هو مضيعة للوقت، واستنزاف مضاف للدم يذهب هدراً، قبل ساعة من بلوغ الحقيقة التي علينا جميعاً الامتثال لها. وقد يكون على الجميع الاستنتاج ان ذروة العنف تستدعي استحقاق السلام العاجل. لبنان - إحسان الجمل صحافي وكاتب فلسطيني