بغض النظر عن قوة اسرائيل، والدعم الأميركي الشامل غير المشروط لهذه الآلة العسكرية الغاشمة، فإن باستطاعتنا ان نجعل من قضية فلسطين قضية ضمير عالمي يتحقق بنفسه من الهمجية الإسرائيلية التي انفلتت من عقالها وارتكبت من المجازر ما تقشعر له ابدان البشر. ونحن نشهد في هذه الأيام بالفعل صحوة للضمير العالمي ونهوضاً للشعوب ضد الوحشية الإسرائيلية حيث اصبحت قضية فلسطين مكوناً عضوياً في نسيج الوعي العالمي، ما وضع اسرائيل على رأس قائمة الأنظمة الإرهابية والدول العنصرية في العالم. يمكن ان نستشعر هذا التغير في المشاعر والقناعات في ما ينشر على موقع البرلمان العالمي للكتاب على شبكة الإنترنت عنوانه: http://www.autodafe.org إذ تحول الموقع في الأيام الأخيرة ليصبح موقعاً فلسطينياً خالصاً يتلقى رسائل المحاصرين في رام الله وبقية مدن الضفة الغربية، ويستضيف مجلة الكرمل على موقعه، وقصائد وقصصاً فلسطينية، اضافة الى ما تنشره الصحف عما يدور في فلسطين من حصار وقتل ودمار ومجازر. كل ذلك الى جانب ما كتبه عدد من اعضاء وفد البرلمان العالمي للكتاب الى فلسطين خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وما أجري معهم من حوارات صحافية. وفي ما كتبه كل من الروائي الإسباني خوان غويتيسولو، والروائي والمسرحي النيجيري وول سوينكا، والروائي الأميركي راسل بانكس، والروائي الإيطالي فينشينزو كونسولو، والشاعر والروائي الجنوب - افريقي برايتن برايتنباخ، نعثر على التحول الواضح في رؤية المثقفين في الغرب للتراجيديا الفلسطينية. لقد شاهد هؤلاء الكتاب عناصر ونتفاً من المأساة التي يخلقها الاحتلال، واستطاعوا ان يلتقطوا الخيط الأساسي للصراع، ليتيقنوا من ان الاحتلال الذي يرفض الرحيل هو جوهر الصراع لا الأمن والإرهاب كما تروج الدعايتان الصهيونية والأميركية في الغرب. فكل شيء يبدو واضحاً: الإذلال وجعل الحياة مستحيلة، والتدمير والقتل، والمذابح التي ترتكب بدم بارد، ما يجعل الضمير الثقافي العالمي يعيد النظر في الكذبة الساطعة التي اقنعت اجيالاً من المثقفين في الغرب ان اسرائيل هي "واحة الديموقراطية الغربية في الشرق التوتاليتاري الاستبدادي"! إذ أزاح شارون الغطاء عن هذه الكذبة المدوية التي لا يصدقها إلا جورج بوش ووزير خارجيته الموفد الى المنطق كولن باول. ليس البرلمان العالمي للكتاب منحازاً للفلسطينيين تماماً، فهو يوجه انتقادات مباشرة او ضمنية للعمليات الاستشهادية. لكن من كتبوا ملاحظاتهم عن رحلتهم الى فلسطين من اعضاء الوفد يضعون هذه العمليات في سياق الرعب المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويؤشرون باتجاه الأسباب الفعلية التي تجعل شاباً أو شابة يفجران نفسيهما في جمع من الإسرائيليين. وما يهمنا كفلسطينيين، وعرب، هو ان فلسطين استطاعت ان تتخلل الضمير الثقافي العالمي، وتصبح شيئاً فشيئاً قضية اخلاقية كبرى بالنسبة الى الكثيرين من البشر في هذا العالم، ولم تعد قضية الفلسطينيين او العرب وحدهم. وعلى المثقفين والناشطين العرب في الغرب ان يدركوا ان هذا التحول في مشاعر الشعوب الغربية نحو قضية فلسطين يحتاج الى عمل منظم دؤوب لكي لا ينسى الناس ان ما يحدث في فلسطين هو قضية احتلال وعنصرية واغتصاب حقوق وأرض، وأن حل هذا الصراع الجهنمي يبدأ بجلاء اسرائيل عن الأرض الفلسطينية التي احتلتها عام 1967. وأظن ان الجبهة الثقافية في الغرب قد بدأت تتغير لمصلحة الفلسطينيين بفضل جهود المثقفين العرب الذين يتمتعون بعضوية برلمان الكتّاب العالمي، ومن بينهم ادونيس ومحمود درويش وسليم بركات، وبفضل الزيارة التاريخية التي قام بها وفد البرلمان الى فلسطين قبل الاجتياح الإسرائيلي الوحشي لمدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها. ولعل ما كتبه اعضاء الوفد في الصحافة الغربية من يوميات عن رحلتهم الجماعية الى فلسطين، وما يسمعون عنه من دمار وتخريب وقتل بعد الاجتياح، يمثل الأثر الفعلي لهذه الزيارة التي عدها محمود درويش في احاديثه الصحافية "زيارة تاريخية"، بل اختراقاً للضمير الثقافي العالمي.