انضمّ الكاتبان جوزيه ساراماغو وول سوينكا الفائزان بجائزة نوبل الى لائحة الأدباء "المعادين للسامية" ومعهما زملاؤهما الذين رافقوهما الى رام الله في زيارة تضامنية مع الشعب الفلسطيني: راسل بانكس، برايتن برايتنباخ، كريستيان سالمون، خوان غويتسولو وفيشنزو كونسولو... اللائحة التاريخية التي كانت أطلقتها أصلاً الحركة الصهيونية في العالم ستطول أكثر فأكثر وستشمل أسماء أخرى من الذين لا يستطيعون ان يصمتوا حيال المجزرة الكبيرة التي ترتكبها الآلة الاسرائيلية الجهنمية في فلسطين. بدا جوزيه ساراماغو جريئاً جداً في مقارنته بين المجازر الاسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني ومخيّمات أوشفيتز وفي تشبيهه روحية الاحتلال الاسرائيلي بالروحية النازية. وكان لا بدّ من ان تثير شهادته في رام الله حفيظة المثقفين الاسرائىليين سياسياً وعرقياً. فهو عرف كيف يحك "العنجهيّة" الاسرائىلية وكيف ينكأ تلك الدمل لا الجروح التي تعتري "الجسد" الاسرائىلي غير متهيّب العواقب التي قد تنجم عن مثل هذا الموقف النقديّ الجريء. ولعلّ أولى هذه العواقب اتّهامه بمعاداة السامية والوقاحة ثم تهديده بسحب كتبه المترجمة الى العبرية من السوق... طبعاً لم يبالِ ساراماغو بما هدّد به الاسرائىليون وتوعدوا، وأعلن أمام الصحافة الاسرائىلية أنه لن يندم على ما قاله. أما الاسرائىليون الذين هاجموه واتّهموه ففاتهم حقاً ان هذا الكاتب الحازم والجريء خاض معارك قاسية عدّة من غير ان يتراجع عن مواقفه. وحصلت احدى معاركه الشهيرة مع الكنيسة الكاثوليكية في البرتغال غداة صدور كتابه "الانجيل بحسب يسوع المسيح" وكادت الكنيسة ان تحلّ به الحرم إن لم تكن حلّته. وفي كتابه الذي رفضته الكنيسة وحاربته يقرأ ساراماغو على طريقته السردية وبحرية مطلقة ظاهرة يسوع ابن الانسان متخيلاً سيرة وأحداثاً لا علاقة لها بالتاريخ المسيحيّ والكتابي. يصعب إذاً، بل يستحيل اتّهام ساراماغو بالعصبية الدينية أو "اللاسامية" أو الشوفينية... فهذا الكاتب "الأممي" المتمرّد على المدارس والايديولوجيات لم يستطع أن يظلّ صامتاً أمام القتل اليومي و"المبرمج" للأطفال والنساء في فلسطين ولا أمام هدم المنازل واحتلال المزيد من الأراضي والأحياء. ولم يكن اتهامه اسرائيل بالنازية إلا اتهاماً حقيقياً نابعاً من إحساسه المأسوي بمعاناة الشعب الفلسطيني المحاصر والأعزل ومن انحيازه العفوي الى الضحايا الأبرياء والمضطّهدين. وكان ساراماغو واضحاً جداً في مقارنته بين النازية والآلة الاسرائيلية. فهو لم ينفِ اضطهاد النازيين الألمان والأوروبيين للشعب اليهودي بل تذكّره عندما شاهد اضطهاد الاسرائىليين للشعب الفلسطيني في أرضه. أما أجمل ما ورد في بيان "البرلمان العالمي للكتّاب" الذي صدر في رام الله فهو فضحه مقولتي "العرق النقي" و"التمييز العنصري" اللتين تسعى اسرائيل الى إرسائهما عبر حربها الشعواء التي تخوضها ضدّ الفلسطينيين. وفضح هاتين المقولتين "النازيّتين" يضع الثقافة الاسرائىلية على المحكّ ويجعل مستقبل السلام العربي - الاسرائىلي في موقع التساؤل والظنّ والشك: هل ستظلّ اسرائيل متمسّكة بمقولة "العرق النقي" وسواها من المقولات الخرافية والتاريخية؟ لائحة "معاداة السامية" ستطول وستضمّ أسماء جديدة ما دامت الثقافة الاسرائيلية على أهبة لتخوين كلّ من يوجّه نقداً ولو يسيراً الى الدولة العبرية... علاوة على اتهام المثقفين العالميين الذين لا يستطيعون ان يصمتوا إزاء الظلم المستشري في اسرائيل. أما المؤسف فهو تراجع الكاتب الاسرائىلي عاموس عوز عن اعتداله السياسي والثقافي أمام مقارنة ساراماغو بين النازية والمقتلة الاسرائىلية. انتفض عاموس عوز فجأة متذكّراً أنه اسرائيلي وتناسى ما كان كتبه قبل أيام في احدى الصحف الاسرائىلية محذراً الفلسطينيين والاسرائىليين بأنهم سيندمون على الدم الذي يراق، عندما يتمّ التمثيل الديبلوماسي بين القدسالشرقيةوالقدس الغربية... وكان من الجميل ايضاً ان يلتقي أعضاء الوفد العالمي بعض الأدباء الاسرائىليين وان يتناقشوا معهم في "القضية" التي تقضّ حياتهم و"المأساة" التي باتت تفوق الوصف. هذا الانفتاح خير دليل على "رسولية" هذه الزيارة التاريخية وعلى براءتها وانحيازها الى الضحية...