من يدخل "واحة السجّاد" في مؤسسة الموانئ يُفاجأ ب"جدارية" تحتل أعلى الواجهة الداخلية ممتدةً زهاء مئة متر. المفاجأة لا تكمن فقط في ارتفاع تلك "الجدارية" وسط معرض ضخم لأنواع شتى من السجاد العالمي بل في جمالها وفرادتها كلوحة كبيرة تنقسم الى لوحات عدة متواصلة في مشهديتها الخليجية وفي اساليبها المختلفة. اللوحة - الجدارية رسمها الفنان التشكيلي السعودي عبدالله حمّاس مواليد أبها 1953 وشاءها الأولى خليجياً سواء في بلوغها المئة متر طولاً ومترين ارتفاعاً أم في استعادتها ما يشبه التاريخ الحضاري الذي عرفته شبه الجزيرة العربية قاطبة. لوحة "عملاقة" ولكن في المعنى الفني لا الاستعراضي وفي مادتها التصويرية ومناظرها والتقنيات المستخدمة وليس في الحجم الضخم فحسب. تحضر شبه الجزيرة العربية هنا في عاداتها وتقاليدها ورموزها ومشاهدها اليومية الأليفة ومناظرها الطبيعية التي تتلاقى فيها زرقة السماء والبحر وذهب الرمل وخضرة الواحات والشجر والنبات. المراكب الشراعية تلوح من وراء الشواطئ المسوّرة والمساجد ترتفع وسع المدى وكذلك العمارات القديمة والحديثة وقد تمثل في احيان خلفية بعض المشاهد المرسومة. الأسواق تحفل بناسها وبعض الساحات تحتلها حلقة "العرضة" بينما الأيدي تضرب على الدفوف... حارات ما برحت تحافظ على طابعها الأصيل وربوات مزروعة بالشجر ونخلات تسطع تحت الشمس وحول الكعبة يطوف المصلّون في حركة دائرية... غير ان عبدالله حمّاس لم يكتف بما تشاهد العين ولا بما تختزن الذاكرة بل عمد ايضاً الى فنّ الحروفية ليضفي ابعاداً اخرى على لوحته "العملاقة". وحروفيته تسعى بوضوح الى التحرر من الطابع الكلاسيكي الجامد منفتحة على آفاق الشكل واللون. وبدت بعض اجزاء اللوحة كأنها تميل الى التجريد متحولة الى "معلّقات" بصريّة مشبعة بالرموز والألغاز والتعرّجات الخطية والمساحات التي تغامر الريشة فيها للوصول الى المعنى المفقود والشكل الغائب. تتجلى براعة الرسام عبدالله حماس في جعله تلك اللوحة الطويلة اشبه ب"السمفونية" البصرية القائمة على حركات عدة، منفصلة وملتحمة في الحين نفسه. عمل شبه ملحمي يروي بعض معالم الحضارة العربية والتاريخ الإسلامي وبعض التفاصيل الواقعية والراهنة عبر حركة من التنامي الأفقي والتموّج... فاللوحة تكمّل الأخرى من دون ان تكررها حتى لتبدو الواحدة صدى للوحة السابقة وللوحة التي تليها. اما سر اللوحة - الجدارية فيكمن اكثر ما يكمن في الانتقال البارع الذي يحققه الرسام بين مدارس أو أنواع مختلفة وربما متناقضة في احيان. هكذا تتآلف المدارس التشكيلية او الاتجاهات والتقنيات عبر المقاربة البصريّة التي اعتمدها الرسام موظفاً خبرته في التشكيل والتلوين والحروفية والتجريد... فعين الرسام تعيد تركيب المنظر انطلاقاً من معطياته الأولى، ولا تلبث ان تمنحه شكله المفترض فنياً كاسرة رتابته الواقعية ومفجّرة جمالياته الداخلية ألواناً وخطوطاً وأحجاماً وأبعاداً... في هذا المعنى يكتب الرسام تاريخ شبه الجزيرة من خلال عينه ومخيّلته، من خلال احساسه بالألوان والأشكال والإيقاعات التي تنفرد بها تلك البيئة التي تجمع بين حضارة الصحراء وحضارة الشواطئ، بين الأصالة والحداثة.