ولي العهد يلتقي القادة المشاركين في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار    السعودية: مواقفنا راسخة وثابتة تجاه فلسطين وشعبها    السعودي الألماني الصحية تستعرض شراكاتها وإنجازاتها الريادية في ملتقى الصحة العالمي 2025    الذهب يتراجع والدولار يصعد والأسهم الآسيوية تحلّق    أمير جازان يرعى انطلاق فعاليات النسخة الثانية من "موسم التشجير الوطني    وزير الصحة يزور ركن تجمع الرياض الصحي الأول ويطّلع على أبرز مبادراته في ملتقى الصحة العالمي 2025    الجلاجل يطلق مركز القيادة والتحكم الأول من نوعه بالعالم لمتابعة حالات السكري    طيران دلتا يعلن عن تدشين أولى رحلاته المباشرة بين أتلانتا والرياض اعتباراً من 2026    مركز الملك فهد لأورام الأطفال : 3318 عملية زراعة خلايا جذعية و150 سنويًا للأطفال    الكاراتيه ينهي بطولته المفتوحة    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    رئيس وزراء جمهورية ألبانيا يصل إلى الرياض    الشورى يقر توصيات لتدريب وتأهيل القاصرين لاستثمار أموالهم بفاعلية    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود جمعية "انتماء وطني"    يايسله يختار بديل رياض محرز    انطلاق أعمال اليوم الثاني من القمة العالمية للبروبتك 2025 بمناقشة التحول العقاري الذكي والابتكار المستدام    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت فنسنت وجزر الغرينادين بذكرى استقلال بلادها    الاحتلال الاسرائيلي يعتقل 20 فلسطينياً    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    والدة الإعلامي أحمد الغامدي في ذمة الله    جمعية نماء للخدمات الاجتماعية تطلق دورة "تصميم الجرافيك للمبتدئين" بجازان    تحت رعاية خادم الحرمين.. انطلاق النسخة ال9 من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض    لأن النفس تستحق الحياة".. جمعية "لهم" تُطلق فعالية توعوية مؤثرة في متوسطة 86 عن الصحة النفسية والإدمان    أوكرانيا تستهدف موسكو بعشرات الطائرات المسيرة    لبناء القدرات وتبادل الخبرات وزارة الدفاع توقّع مذكرات تعاون مع 10 جامعات    إنطلاق الملتقى العلمي الخامس تحت عنوان "تهامة عسير في التاريخ والآثار "بمحايل عسير    أمانة نجران 4287 جولة وزيارة خلال أسبوع للصحة العامة    فريق مصري يبدأ عمليات البحث في غزة.. 48 ساعة مهلة لحماس لإعادة جثث الرهائن    الدروس الخصوصية.. مهنة بلا نظام    «التعليم»: لا تقليص للإدارات التعليمية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير أداء جهات حكومية للمجلس    إنستغرام يطلق «سجل المشاهدة» لمقاطع ريلز    إسرائيل تحدد القوات غير المرغوب بها في غزة    تمهيداً لانطلاق المنافسات.. اليوم.. سحب قرعة بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ في الرياض    قيمة الدعابة في الإدارة    2000 زائر يومياً لمنتدى الأفلام السعودي    الصحن الذي تكثر عليه الملاعق    المخرج التلفزيوني مسفر المالكي ل«البلاد»: مهندس الصوت ومخرج المباراة يتحملان حجب أصوات جمهور الاتحاد    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    يامال يخطط لشراء قصر بيكيه وشاكيرا    إثراء تجارب رواد الأعمال    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    علماء يطورون علاجاً للصلع في 20 يوماً    كلية الدكتور سليمان الحبيب للمعرفة توقع اتفاقيات تعاون مع جامعتىّ Rutgers و Michigan الأمريكيتين في مجال التمريض    480 ألف مستفيد من التطوع الصحي في الشرقية    غوتيريش يرحب بالإعلان المشترك بين كمبوديا وتايلند    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    8 حصص للفنون المسرحية    صورة نادرة لقمر Starlink    المعجب يشكر القيادة لتشكيل مجلس النيابة العامة    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنفيذ البرنامج التثقيفي لمنسوبي المساجد في المنطقة ومحافظاتها    الضمان الصحي يصنف مستشفى د. سليمان فقيه بجدة رائدا بنتيجة 110٪    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تكون قبرص بوابة تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وأي دور للعرب والمسلمين في دعم "العدالة والتنمية"؟
نشر في الحياة يوم 24 - 11 - 2002

أنقرة - "الحياة" - على عكس ما كان متوقعاً، ولعل الظروف هي التي رتبت هذا الامر، باتت سياسة تركيا الخارجية أمانة بين يدي زعيم حزب "العدالة والتنمية" رجب طيب أردوغان على رغم عدم توليه أي منصب وزاري أو حكومي، وعلى رغم خبرته البسيطة في شؤون العلاقات الدولية واللغات الاجنبية في مقابل درايته المشهودة في ادارة الامور المحلية.
وفي الجانب الآخر وجد عبدالله غول نائب أردوغان، ووزير تركيا السابق للعلاقات الخارجية، نفسه مسؤولاً عن ترتيب الاوضاع الداخلية في تركيا بصفته رئيس وزرائها الجديد. لذا فان المشهد يبدو معكوساً بالنسبة لمن كانوا يرون ان الامر الطبيعي هو في تولي أردوغان رئاسة الحكومة وادارة غول سياسة تركيا الخارجية. وعلى هذا فان ما حققه أردوغان من قبول خلال جولته الاوروبية بين دول الاتحاد الاوروبي ولقاءاته مع زعماء تلك الدول، فاق كل التوقعات، وان بدرت عنه بعض الهفوات في اولى جولاته الى قبرص التركية، الا أنه تدارك ذلك في أثينا ومدريد و بريطانيا وبروكسيل، وفاجأ الجميع بما قدمه من طرح يربط بين ثلاث قضايا حساسة ومهمة بالنسبة الى تركيا، عكفت الخارجية التركية على الفصل بينها رسمياً في الأعوام الماضية. اذ اقترح أردوغان على شركائه الاوروبيين بحث مواضيع عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي، والقضية القبرصية، وقوة التدخل السريع الاوروبية في اطار واحد، فيما كانت سياسة أنقرة الخارجية سابقاً تصر الفصل بين القضية القبرصية وحلها، وعضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي.
وطرح أردوغان على جرأته يضع النقاط فوق الحروف ويختصر المسافات والوقت ويجنب الجميع الاحراج والمناورات السياسية في حلقات مفرغة، اذ أن الجميع في تركيا وأوروبا يدرك أن هذه القضايا الثلاث مرتبطة ببعضها بعضاً وهي تراكيب سياسية مكملة لبعضها بعضاً في اطار مقايضة سياسية بين تركيا وأوروبا عموماً.
ودخل أردوغان التاريخ التركي على الاقل اذ كان أول مسؤول تركي مع التحفظ عن كلمة مسؤول يبدي مرونة ويعرب عن اصراره على حل القضية القبرصية سريعاً، معتبراً "ان السياسة هي فن الممكن وحصد النتائج ، وماذا يفيد التعنت والتشدد وكوننا صقوراً أو حمائم في حال لم نحصل على نتيجة؟". بل يبدو ان الزعيم التركي أحرج الاتحاد الاوروبي بحديثه معه بهذه الصراحة، وبعد قوله ان قمة كوبنهاغن ستكون اختباراً لنيات الاتحاد الحقيقية حيال تركيا، كما انها ستكون اختباراً لارادة أنقرة وتصميمها. وهو كرر أمام المسؤولين الاوروبيين أن بلاده أقرت الاصلاحات السياسية المطلوبة لارتقائها الى معايير كوبنهاغن، وأنه كأحد ضحايا تقييد حرية الرأي والتعبير لتنفيذ هذه الاصلاحات على أرض الواقع من دون تجزئة أو تقصير، كما أن النتيجة الضعيفة التي حققها حزب الشعب الديموقراطي الكردي التركي في الانتخابات، لا تفسح في المجال امام أوروبا لمطالبة أردوغان باصلاحات أكثر لمصلحة الاكراد بعدما تبين حجم قوتهم السياسية. وفي مقابل ذلك يسأل أردوغان عن الحجج التي يمكن أن يستند اليها الاتحاد في رفضه تحديد تاريخ لبدء التفاوض على عضوية تركيا خلال قمة كوبنهاغن، بعدما فند كل الحجج التي كان الاتحاد يتذرع بها. وهو وجه ضربة قاسية لخصومه الاوروبيين عندما قال انه لا يعتبر الاتحاد الاوروبي نادياً مسيحياً ولا يريد ان يراه كذلك، ولكن رفض الاتحاد التجاوب مع المطالب التركية بعد كل ما ابداه أردوغان من ضمانات، سيفسح المجال للكثيرين لرؤية الاتحاد ك"ناد" للمسيحيين فقط، وهذا ربما يكون أقسى ما يمكن أن يوصف به الاتحاد الاوروبي بعد أحداث أيلول سبتمبر وما تلاها من طروحات حول صراع الحضارات، في وقت يبرز فيه حزب "العدالة والتنمية" كنموذج لتفاهم الحضارات وللسياسات الاسلامية المعتدلة التي ان لم تجد من يحتضنها ويدعمها في الغرب، فان البديل الذي سيبقى هو اسلام الحركات الجهادية.
وفي الجانب الآخر تتعالى في الاتحاد الاوروبي أصوات مطالبة بدعم حزب "العدالة والتنمية" من أجل كسر شوكة المعارضين للاتحاد في تركيا او المستترين وراء مواقف الاتحاد المتعنتة تجاه انقرة لوقف توسيع هامش الديموقراطية والحرية، وهؤلاء ليسوا قلة. وفي هذا السياق رفض البرلمان الاوروبي أخيراً وبغالبية كبيرة مشروعاً تقدم به المسيحيون الديموقراطيون المحافظون الذين يعارضون دخول تركيا الاتحاد، في شأن عرض عضوية منقوصة ذات طبيعة وشروط خاصة على تركيا بدل العضوية الكاملة. كما أن اليونان التي سترأس الاتحاد في النصف الاول من السنة المقبلة تبدو الآن أكثر المتحمسين والداعمين لدخول تركيا الاتحاد الاوروبي، على عكس مواقفها السابقة، و ذلك بعد ما أبداه أردوغان من مرونة في الملف القبرصي حين أعلن في البداية موافقته على حل يقوم على النموذج البلجيكي، وعلى اعتبار ما تقدم به الامين العام للامم المتحدة كوفي انان من سلسلة افكار حول المسألة القبرصية، اساساً لبدء مفاوضات الحل، على رغم امتعاض الرئيس القبرصي التركي رؤوف دنكطاش لما جاء في تلك المسودة.
ومع عرض أردوغان الاخير بتناول قضايا قبرص والاتحاد الاوروبي وقوة التدخل السريع الاوروبية الجيش الاوروبي في اطار واحد، فإنه يضّيق الخناق على الاتحاد، اذ أنه يعرض حل القضية القبرصية وفق ما جاء في مسودة انان ولكن بعد اجراء بعض المفاوضات والتعديلات عليها في شأن عودة المهجرين التي وافق على مناقشتها الجانب اليوناني أيضاً، ويعرب عن نيته حل الخلاف بين أنقرة والاتحاد الاوروبي حول قوة التدخل السريع الاوروبية، وكل ذلك في مقابل حصول تركيا على العضوية في الاتحاد الاوروبي. وفي اختصار يضع أردوغان أوروبا أمام تحدي تحديد موقفها: فهو اذا قبل بتركيا عضواً كاملاً بين أعضائه، لن يكون في مصلحتها أن تخالف او تستمر على مشاكلها مع الاسرة التي ستنتمي اليها بعد حين، اما اذا كانت العضوية مجرد جزرة يرمي بها الاتحاد الى تركيا لتقدم تنازلات في قبرص وغيرها من القضايا، فإن تركيا لن تأمن جانب أوروبا ويستوجب عليها اعادة النظر في كل مشاريع الشراكة.
ويقول أردوغان ذلك من دون مجاملة ومن دون الدخول في تفاصيل المساومات السياسية والفصل بين القضايا، ويلقي بالكرة في ملعب الاتحاد الاوروبي. اذ أن الامين العام للامم المتحدة يتوقع أن يوقع الجانبان القبرصيان التركي واليوناني اتفاقاً مبدئياً خلال قمة كوبنهاغن، أي أن اعلان الاتحاد عن موقفه من تركيا واعلان تركيا موقفها من الحل في قبرص متزامنان وكل منهما رهن بالآخر. ولن تؤثر تصريحات أردوغان الاخيرة حول ضرورة تزامن دخول تركيا وقبرص في عضوية الاتحاد الاوروبي على موقفه او موقف الاتحاد، اذ ان ذلك يدخل في اطار رفع سقف المساومات، كما انه ليس موقفاً سياسياً بقدر ما هو تفسير منطقي ضمن التفسيرات التي وردت نتيجة ما طرحه انان من حل للقضية القبرصية يقوم على اساس تشكيل دولة قبرصية اتحادية جديدة بين دولتين قبرصيتين مؤسستين، اذ يضمن هذا الطرح ما طالبت به تركيا دوماً من حق القبارصة الاتراك في السيادة على شطر من الجزيرة والمساواة السياسية في الحكم على رغم قلتهم العددية في الجزيرة ربع السكان، كما انه يطرح تساؤلاً حول أي قبرص تلك التي ستلتحق بالاتحاد الاوروبي: قبرص القديمة التي تمثلها الجمهورية القبرصية اليونانية والتي انهت مفاوضاتها على العضوية، ام دولة قبرص الاتحادية الجديدة التي سيكون للاتراك فيها سيادة وحق في تحديد سياساتها الخارجية؟
وفيما يعتبر الاتراك ان الحل المطروح سيقدم اعترافاً بجمهوريتهم القبرصية التركية ولو من طريق غير مباشر كدولة مؤسسة، ونهاية لجمهورية قبرص اليونانية، فان اليونانيين يقرأون الحل من زاوية ان جمهورية قبرص التي يمثلونها اليوم ستتغير وتتوسع لتكون الدولة الجديدة امتداداً لها. واللافت هنا أنه على العكس مما كان متوقعاً، لا تبدي المؤسسة العسكرية أي معارضة لسياسات أردوغان، بل ان رئيس الاركان السابق كنعان ايفرين الذي لعب دوراً مهماً في عملية احتلال قبرص، لم يجد حرجاً في الظهور على شاشة احدى القنوات التركية ليقول ان الجيش التركي أخذ من أراضي قبرص أكثر مما كان مخططاً له، ولذلك فإنه لا يجد حرجاً في الانسحاب من اجزاء واسعة من تلك الاراضي، وهو ما يدعم مخطط انان ويفسح في المجال أمام اردوغان ليقايض مع اليونان على المزيد من الاراضي في مقابل حصر عدد من سيعودون من القبارصة اليونانيين الى الشطر الشمالي التركي من الجزيرة الى أقصى درجة. ويعتبر ايفرين ان السيادة والحقوق السياسية أهم بالنسبة لاتراك قبرص وتركيا من نسبة الارض المتاحة لهم.
ولا يقف أمام أردوغان كمعارض لاطروحاته الجديدة سوى بيروقراطيي وزارة الخارجية وبعض الاوساط السياسية التقليدية التي تؤمن بأن اوروبا لا يمكن الوثوق بها ولا تريد أن تنسى ما حدث اثناء الحرب العالمية الاولى، ويرون أن ما يقوم به اردوغان يخالف ما يسمونه "سياسة الدولة التركية". ويبدو أن هؤلاء سيكونون هدفاً لعملية تصفية ستقوم بها حكومة غول، خصوصاً مع تعالي أصوات اعلاميين وسياسيين حول احتكار الملف القبرصي من عدد محدود من البيروقراطيين والمستشارين الاتراك منذ أعوام عدة، وهم من وضعوا ما يسمى "سياسة الدولة" القائمة على ان اللاحل هو الحل.
ولفت الصحافي والكاتب الشهير التركي جنكيز شاندار الى ان هذه الزمرة القليلة التي تحتكر الملف القبرصي من البيروقراطيين و المستشارين وعلى رأسهم مستشار الرئيس القبرصي التركي وزير الخارجية السابق ممتاز صويصال، ذات توجه سياسي معروف ومعارض أولاً لحزب "العدالة والتنمية" وثانياً لدخول تركيا الاتحاد الاوروبي، ولذلك لا يمكن ائتمانه على الملف القبرصي، مشيراً الى أن حزب اليسار الديموقراطي بزعامة بولنت أجاويد الذي يمثل توجهات هذه الزمرة سياسياً ويمثل الصقور في تركيا حصل على نسبة واحد في المئة فقط من اصوات الناخبين في الانتخابات الاخيرة، وأن أردوغان وجماعته المؤيدين لانضمام تركيا الى الاتحاد وحل المسألة القبرصية حصلوا على اجماع 34 في المئة من الناخبين. ولذلك فان ما يسمى "سياسة الدولة" سقطت في الانتخابات، وان الديموقراطية لا تحكمها سياسات متسمرة وضعتها زمرة تمثل اقلية تعتبر نفسها وصية على مصالح تركيا وأدرى من الشعب بمصالحه. كما أن استطلاعات الرأي في كل من تركيا وقبرص التركية تشير الى تعطش الاتراك الى دخول الاتحاد الاوروبي وحل المسألة القبرصية.
وهنا يبدو أردوغان وكأنه يحارب على جبهتين: الاولى داخلية مع البيروقراطيين والمستشاريين الذين لا يستهان بقوتهم خصوصاً انهم حكموا تركيا فعلياً في العامين الماضيين بعد ما اصاب أجاويد وحكومته من شلل اثر الازمة الاقتصادية والتي أفسحت المجال امام فرض صندوق النقد الدولي وصايته على تركيا بالكامل. ولعل الامر يزداد صعوبة في ظل انتهاج هؤلاء البيروقراطيين خصوصاً في الخارجية التركية سياسات متوافقة مع السياسات و المصالح الاميركية تنعكس بوضوح على بيانات الخارجية في العامين الأخيرين، ومنها المسارعة الى التنديد بشدة بالعمليات الانتحارية الفلسطينية ووصفها ب"الارهابية"، وغض النظر عن العمليات الاسرائيلية او الاكتفاء بالقول انها "لا تساعد على احلال السلام".
أما الجبهة الثانية التي يحارب فيها أردوغان فهي خارجية، وتنصب على اقناع رؤساء دول الاتحاد الاوروبي بمنح تركيا تاريخاً لبدء التفاوض معها على العضوية يمثل ضماناً وعهداً بضم تركيا كعضو، ولو بعد حين، الى الاتحاد. ويدرك أردوغان القلق الذي يساور هؤلاء تجاه هذا الموضوع نظراً الى هوية تركيا الاسلامية و تعداد سكانها الكبير.
ولا يلقي أردوغان بالاً لما تحاول واشنطن الترويج له من أنها تضغط على الاتحاد لتلبية طلبات تركيا، اذ يدرك المخاوف الأوروبية من سعي واشنطن الى تحويل تركيا حصان طروادة ثانياً داخل الاتحاد بعد بريطانيا. الا أن ما لا يراه الاوروبيون ربما هو ما حدث من تطورات مهمة في العلاقات الاميركية - التركية في الأعوام الاربعة الماضية. فعلى صعيد العلاقات التركية - الاميركية قوبل رفض واشنطن تزويد انقرة التكنولوجيا العسكرية بمقاطعة رئيس الاركان التركي السابق حسين كفرك اوغلو لواشنطن ورفضه تلبية دعوة وجهت له لزيارتها طوال مدة خدمته التي استمرت أربعة أعوام. وكما ان الفجوة بين الجيش التركي وواشنطن زادت بعد شكوك انقرة في نيات واشنطن لاقامة دولة كردية في شمال العراق وعدم وضوح الخطط الاميركية في شأن عراق ما بعد صدام، وكذلك تجاهل واشنطن تعهداتها المالية بدفع 28 مليون دولار لتركيا في مقابل ما يقدمه الجيش التركي في أفغانستان من خدمات ضمن قوات حفظ السلام، والتهرب من تنفيذ وعد بالغاء ديون عسكرية اميركية على تركيا بقيمة اربعة بلايين دولار. كل ذلك وغيره مما خفي من تفاصيل يجعل بعض او حتى كثيراً من الاوساط العسكرية التركية تشكك في ما تصفه الولايات المتحدة ب"علاقة الحلف الاستراتيجي" التي تجمع بين انقرة وواشنطن.
كما يهمل الاتحاد الاوروبي ما قد يقع من تطورات في العراق تضع الولايات المتحدة في مواجهة العالم في حال أصرت على ضرب العراق خارج اطار قرارات مجلس الامن، وما قد ينشب من خلاف حقيقي بين واشنطن وانقرة حول مستقبل شمال العراق، خصوصاً في ظل الحكومة الحالية وما تنوي القيام به من حملة تغيير في سياسات تركيا داخلياً وخارجياً. ولذا فان أي دعم يقدمه الاتحاد لحكومة أردوغان سيعود لمصلحة الاتحاد.
وفي الجانب العربي، فان المصلحة العربية تكمن في دفع تركيا - التي أرسلت حكومتها الجديدة اشارات ايجابية كثيرة الى الدول العربية - الى الخيار الاوروبي من أجل ابعادها عن الخيار الاميركي القائم على الحلف العسكري مع اسرائيل والهند، عبر تقوية ما في يد تركيا من أوراق امام الاتحاد الاوروبي، والاقدام، مثلاً، على قبول طلب عضوية جمهورية قبرص الشمالية التركية في منظمة المؤتمر الاسلامي، والقيام بزيارات ولو شبه رسمية للشطر الشمالي من الجزيرة ودعوة الرئيس القبرصي التركي رؤوف دنكطاش الى بعض الدول العربية او الاسلامية، من أجل ايصال رسالة الى الاتحاد الاوروبي مفادها أنه في حال تخلى عن وعوده بخصوص عضوية تركيا ، فان تركيا لن تكون مضطرة لحل القضية القبرصية وستكتفي باعتراف الدول الاسلامية بجمهورية قبرص الشمالية التركية. و لطالما تذرع العالم الاسلامي بقرارات الامم المتحدة من أجل عدم الاعتراف بتلك الجمهورية، لكن هذه الحجة ستصبح واهية، بل ربما تنقلب الى تساؤلات واتهامات يوجهها القبارصة الاتراك الى العالم الاسلامي، بعدما قبل القبارصة الاتراك بمسودة كوفي انان لحل القضية القبرصية والتي تعترف بهذا الكيان السياسي وتعتبره شريكاً اساسياً في تركيبة قبرص الاتحادية الجديدة وعلى قدم المساواة مع قبرص اليونانية. بل ان القبارصة اليونانيين انفسهم سيكونون اعترفوا بذلك فعلاً بعد التوقيع على هذه الوثيقة، فلماذا يبقى العالم العربي والاسلامي بعيداً من هذه التطورات التي ستؤثر في مستقبله، لا سيما في ظل ما تحاول واشنطن تشكيله من حلف عسكري لمحاربة ما تسميه الارهاب، واستهدافها اعادة رسم الخريطة الدولية في الشرق الاوسط. فالاعتراف بجمهورية قبرص الشمالية التركية او التلويح بذلك هو أهم ما يمكن أن يقدمه العالم الاسلامي والعربي من دعم لحكومة أردوغان وغول ولمستقبل تركيا والمنطقة.
اما اذا تمنعت الدول العربية والاسلامية عن ذلك تحسباً للخروج في سياساتها الخارجية عن حدود المسموح به أميركياً، فان أحداً من تلك الدول لا يجب أن يلوم تركيا بعد ذلك على ما قد تضطر للمداومة عليه من علاقات لها مع واشنطن ولو كان ذلك على حساب مصلحة منطقة الشرق الاوسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.