تكاد الاوساط الايرانية على مختلف توجهاتها، الاجتماعية والسياسية والشبابية، تجمع على ان الأزمة مرّت بسلام حتى الآن، اذ لم يصدر أي اتهام عن الدوائر الأميركية والعالمية يحمّل ايران مسؤولية ما حدث في مدينتي نيويورك وواشنطن. وعلى رغم ضخامة الحادثة، التي عبّر عنها البعض بالفاجعة والكارثة، إلا ان الشارع الايراني، وخصوصاً الشباب، ممن سعت "الحياة" الى استطلاع آرائهم عما حدث في أميركا، اختلفت ردود فعلهم، بين الأسف وغير المبالي، او المتتبع لأدق التفاصيل في محاولة لرصد ما اذا كان الاتهام سيوجه الى ايران ام لا. وتتفاوت آراء هؤلاء بين مدينة طهران العاصمة، ومدينة قم - مركز الحوزة العلمية والتشدد الدين مع ان المسافة بينهما لا تتجاوز مسافة 150 كلم. ففي اتصال مع احد الشبان الذين يسكنون في مدينة قم قال علي اصغر بهبهاني، انه والكثير من اصدقائه سيطر عليهم شعور بالرضى الى حد ما، "لأننا وضعنا الحدث"، كما يقول علي اصغر في خانة الرد على كل الظلم الاميركي الذي لحق بالشعوب الاسلامية والمستضعفة. لكن اللافت في ردّه كان ربطه بين هذه الاعتداءات وبعض الاعتقادات الدينية التي تتحدث عن اقتراب نهاية الدنيا وبدء زوال مراكز الفساد والظلم، إلا انه لم ينف احتمال ان يكون الاعتداء او الهجوم انذاراً للمقدرة الاميركية بأن زمن سيطرتها على العالم قد اقترب من نهايته. وبين الأبعاد العقائدية والغيبية لكلام علي اصغر، يأتي تعبير محمد الموسوي الشاب الطهراني الذي يستعد لدخول "الحوزة العلمية الدينية" بعد ان انهى المرحلة الثانوية من دراسته، اكثر مرارة وتعبيراً عن مدى الاحاسيس المتناقضة، فهو من عائلة مبعدة من العراق ذات اصول ايرانية، وما زال له اقارب هناك، يتهددهم خطر التحالف الدولي الأميركي، فقال عن ردّ فعله عندما سمع بالخبر وشاهد بعض الصور التي بثتها التلفزة الايرانية، انه "في البداية كانت مشاعره محايدة، خصوصاً امام ما يتعرض له العراق، والشعب الفلسطيني الذي يعاني الموت اليومي بفعل الاسلحة والدعم الاميركي للكيان الصهيوني". ويضيف "ولكن امام هول الكارثة التي شاهدتها، اعتقد ان أي دين لا يقبل بأن يقتل اناس أبرياء ومن دون ذنب، لقد شعرت بالتعاطف مع هؤلاء الناس وأصابني الذهول، فهذه جريمة بحق الانسانية، بغض النظر عن أي ابعاد اخرى ولا يمكن ان يقبل بها أي عقل او ضمير". وهنا تدخلت شقيقته حوراء التي تبلغ من العمر 16 عاماً، ولا تزال في المرحلة الثانوية، فقالت: "عندما رأيت مشهد السيدتين اللتين انهارتا ارضاً وهما تشاهدان المبنى الضخم ينهار وقد اجهشتا بالبكاء، تذكرت عندها مئات الأمهات الفلسطينيات اللواتي يبكين على اولادهن امام العالم". وأضافت "من الناحية الانسانية، لا استطيع ان اتصور كيف كانت حال الذين كانوا داخل الطائرات، وكذلك في اماكن الانفجارات، اذ لا ذنب لهم، وإذا كان كلامي في البداية نابعاً من الألم الذي نعانيه، لكن لا يمكن ان أقبل بقتل بريء بحجّة الانتقام من السياسة الاميركية". وفي احد مقاهي الانترنت في طهران، قال شاب في بداية العشرينات من العمر: "لا ابالي بما حدث، فلا دخل لي بكل هذه الامور، واذا كان على احد ان يجيب عن هذا السؤال فهو رئيس الجمهورية، اذهب واسأل السيد خاتمي فهو الذي يجب ان يرد"، لكنه اضاف: "هل تريد الحقيقة، لقد رأيت بعض المشاهد عبر الاقمار الاصطناعية، وعلى بعض الصفحات على الانترنت، انها فاجعة، ويمكن ان يكون الفاعل اميركياً، وليس كما يدّعون انه من الافغان". في هذه الاثناء يعلو صوت احد الرجال كان يتحدث على الهاتف مع اميركا، التي يعيش فيها ابنه، فيسأله عن الاوضاع وعن ردود الفعل تجاه المهاجرين وهل تعرضوا لهم؟ ويضيف "انهم يتحدثون عن المسلمين والافغان، وقد يؤثر ذلك في اوضاعكم، والانتباه هو المطلوب حتى لا تحدث ردود فعل عشوائية". وعن مؤشر الاتصالات الخارجية من المقهى قال بهروز صاحب المقهى ان اكثرها الى اميركا، الامر الذي يؤيده وجود عائلات عدة في قاعة الانتظار للاتصال باقاربهم في تلك البلاد. امام تشديد الاجهزة الامنية الاميركية والاعلام العالمي على ضلوع اسامة بن لادن وحركة الطالبان الافغانية بهذه التفجيرات، كان لا بد من زيارة بعض الشباب الافغاني في طهران، لاستطلاع رأيهم بالموضوع، وكيف ينظرون الى الحدث وآثاره المتوقعة؟ في البداية تحدث مصطفى الذي مرّ على تهجيره من كابول الى ايران نحو 10 سنوات، فقال: "ان هذه التفجيرات قد يكون لها تأثير سلبي كبير في مسار حياتنا في المستقبل القريب، لأن السفارة الأسترالية في طهران وافقت على طلب هجرتنا الى استراليا، ونحن في طور الإعداد للسفر القريب، وأعتقد ان الوضع اصبح معقداً بعد الاتهامات التي توجه للأفغان، وعلى رغم اننا لا نستطيع العودة الى بلادنا، خصوصاً اننا نعتبر من احزاب المعارضة التي كانت تسيطر على جزء من كابول، اضافة الى ان اوضاعنا هنا في ايران ليست على ما يرام، لكن اشعر بنوع من التعادل مع الأميركيين الآن، لقد ذقنا طعم الاحتلال السوفياتي، وعندما اقتربنا من الراحة النسبية، خرجت علينا حركة الطالبان التي كانت اشد من الجميع تحت لواء الشعار الديني الذي ترفعه، وهي مدججة بالسلاح الاميركي وبدعم منهم، والآن اذا كان صحيحاً ما يقولونه، فقد ارتد السحر على الساحر، فأنا اعتقد ان بن لادن هو صناعة اميركية، وهم الذين اوصلوه الى السلطة، وخرج عن السيطرة، وتحول الى عدو لهم". شقيقه غلام الذي يصغره في السن قال: "انا ضد العنف، ولم اشاهد ما جرى في افغانستان، لكن الامر يمكن ان يشكل رسالة الى العالم ليرى ما تعانيه الشعوب الأخرى، واذا كان الطالبان مسؤولين عما جرى، فمن المسؤول عن الصواريخ التي سقطت على كابول في الليلة نفسها؟". في سيارة أجرة كان يقودها رجل في اواسط العمر ويجلس خلفه شابان لم يتجاوزا الخامسة عشرة، قال السائق: "ان الخوف يعتريه من ان تُقدم اميركا على توجيه ضربة الى ايران اذا ما ارادت ذلك، خصوصاً انها تقول ان الطالبان والأفغان مسؤولون عن ذلك"، فردّ عليه احد الشباب الجالسين في الخلف: "نحن لا نعلم أي شيء عن الموضوع"، في هذه الاثناء اجاب الشاب الآخر: "كل القوات الاميركية في الخليج في حال استنفار قصوى وعلى استعداد لشن أي هجوم سريع"، فقاطعه السائق متسائلاً عن هذه المعلومات في حين كان قبل قليل يؤكد جهله وعدم اهتمامه بالأمر؟ فرد عليه قائلاً: "ليس من الضروري ان اتحدث في الموضوع، ونحن نعيش في هذا البلد، فهم على مقربة منّا، واذا ما تعرضت افغانستان الى أي ضربة، فمن يضمن ألا يصيبنا شيء في الطريق؟ لقد ضربت القوات الاميركية كابول بصواريخ بعيدة المدى". رفض حميد ان يغادر منزله وبقي جالساً وراء جهاز الكومبيوتر، وعندما حاولت ان اعرف ما الذي يبحث عنه على شبكة الانترنت قال: "انني ابحث عن بعض الالعاب"، وعندما سألته عما اذا كان تابع الاخبار عبر بعض المواقع، قال: "لم يكن لدي الوقت لذلك". سألته ومن هم الذين قاموا بذلك؟ فأجاب: "الاستخبارات الاميركية واللوبي الصهيوني، سعياً وراء تغيير سريع لبعض الامور في المنطقة". طلبت منه ان نجلس سوياً لنرى ما تبثه بعض الفضائيات العالمية، قال: "سأقوم بتشغيل الجهاز، لكنني لن ابقى معك"، وبالفعل بعد ان قام بذلك، انسحب عائداً الى غرفته لمعاودة العمل على الكومبيوتر. الجميع في ايران يبدي ارتياحاً كبيراً لما قام به الرئيس الايراني محمد خاتمي، حين عمد وبسرعة الى ادانة الاعتداء والعنف والتطرف الديني، والدعوة الى العمل على اقتلاعه من جذوره، وسبب هذا الارتياح يعود الى ان هذا الكلام قد يكون له مردود داخلي او قد يوظف في الصراع السياسي على الساحة الداخلية، لكن وكما هي السياسة، كذلك هم الايرانيون، قد يبدون شيئاً، ويعتقدون شيئاً آخر.