أزمة جديدة تشهدها القاهرة تتعلق مرة أخرى بحرية الإبداع والنشر، إذ اتهمت "جبهة علماء الأزهر" كتاباً ألفه خليل عبدالكريم وأصدرته "دار ميريت للنشر" بالكفر، فيما اعتبرت دار النشر بيان الجبهة بأنه دعوة إلى القتل. ويبدو أن خواء الحياة السياسية ترك الساحة لمثل هذه المعارك التي تتعلق بالكتب وما تحويه من أفكار وآراء وربما معلومات. وراحت الأزمات تنتقل من رواية الكاتب السوري حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" التي أثارت ضجة كبيرة وصلت الى صدام بين طلبة الازهر والشرطة، مروراً بالروايات الثلاث التي أصدرتها "هيئة قصور الثقافة" بداية السنة الجارية واضطر وزير الثقافة السيد فاروق حسني إلى سحبها من الأسواق، مما تسبب في دخوله في صراع مع عدد غير قليل من معارضيه المثقفين، وصولاً الى دعوى التفريق بين الكاتبة نوال السعداوي وزوجها الدكتور شريف حتاتة أنها "خرجت عن الدين الاسلامي". وأصدرت "جبهة علماء الأزهر" بياناً تحت عنوان "الوقاحة لن تكون رأياً والفجور لن يكون فكراً والرد خيانة من أقبح الشيم"، أوردت فيه مقاطع وردت في كتاب "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين"، الذي وضعه عبدالكريم. واعتبرت الكتاب "كفراً صريحاً"، واستغربت نشره "في الوقت الذي تقف فيه الأمة مكلومة متخمة بالجراح، وقد تكشفت لها معالم المؤامرة التي أودت بها الى سوء المصير". واعتبرت الأمر "جريمة جديدة تتسلل الى الأمة من دار نشر ميريت". وحدد البيان عنوان الدار التي وصفها بأنها "تأكل خيرنا لتغتال ديننا في شخص وسيرة ورسالة خير الخلق نبينا صلى الله عليه وسلم". وشدد علماء الأزهر على أن "استهداف الدين اعلان حرب على الأمة لا يقبل معه تذرع بحرية فكر أو إبداع ... ومن يقول هذا أو بعضه لا مكان له بين الناس ولا بين الحيوانات، إن مكانه اللائق به هو هوام الارض وبطون السباع سواء كان ناشراً أم كاتباً". واعتبر صاحب "دار ميريت للنشر" السيد محمد هاشم أن البيان "دعوة صريحة للقتل"، و"تحريض على سفك الدماء". وحمل هاشم على "الجبهة" في شدة. وقال: "المرة الأولى التي سمعنا عنها كانت قبل اغتيال الدكتور فرج فوده بأسابيع حينما تعاملوا معه بالطريقة نفسها وكفروه ببيان لهم فكانت النتيجة اغتياله". ودافع عن الكتاب مؤكداً أن بيان "الجبهة" "اقتنص أجزاء منه واخرجها من سياقها لتثير ضجة ... وهل هناك قضية أهم من مسألة الصراع مع العدو الصهيوني لتأتي إلينا الجبهة بقضية فرعية وتدفع بشاب أرعن ليتوجه الى العنوان الوارد في البيان ليقتل من في داخله؟"، واعتبر أن ما أثارته الجبهة "لا يختلف عن ما حدث وقت أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر"، ورجح ألا يكون الموقعون على البيان قرأوا الكتاب "الذي رد على مزاعم المستشرقين وصحح كثيراً من المفاهيم عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم منطلقاً من قراءة عميقة لكتب التراث ... وكنا نتمنى، إذا كان علماء الازهر يختلفون مع ما جاء في الكتاب، أن يردوا بالحجة وأن ينشروا كتاباً يطرحون فيه آراءهم".