بدأ مركز ثقل السياحة في مدينة تونس ينتقل تدريجاً من وسط المدينة المزدحم بالسيارات والراجلين إلى ضفاف البحيرة الشمالية التي باتت تضم أفخم الأحياء السكنية والتجارية. وساهم انشاء مجمعات ترفيهية مثل مدينة الألعاب "تونس الأرض السعيدة" التي أقامها رجل الأعمال السعودي عبدالعزيز نويصر على غرار مدينتين للأطفال أقامهما في سورية والسعودية في اجتذاب أعداد كبيرة من الزوار إلى منطقة البحيرة، التي لا يستغرق الوصول لها من وسط المدينة سوى عشر دقائق. واقيمت في محيط البحيرة مجمعات للتسلية أبرزها "غولدن بولينغ" و"بولينغ البحيرة" وسلسلة مقاه حديثة. ولعل أكبر مشروع سينجز في المنطقة هو ملعب الغولف الذي يتوقع أن يجتذب أعداداً كبيرة من الزبائن، كونه يقع في منتصف الطريق بين قرطاج والمرسى وسيدي بوسعيد وهي الضواحي الراقية ومدينة تونس. هذا التطور العمراني السريع حفز رجال أعمال تونسيين على استثمار الميزات السياحية لمنطقة البحيرة في إقامة فنادق حديثة تؤمن مناخاً هادئاً لزوار تونس بعيداً عن الازدحام والأضواء، وتمنحهم مشاهد بانورامية من نوافذ غرفهم تجمع بين جمال البحيرة المترامية الأطراف ومنظر مدينة تونس بمآذنها وقبابها وبيوتها البيضاء الناصعة. ويجري العمل حالياً على انشاء فندقين جديدين من فئة أربع نجوم فيما استكملت الدراسات التمهيدية لإقامة فندقين آخرين من فئة خمس نجوم سيبدأ العمل في انشائهما قريباً. وقال محمد الهادي الفراتي، صاحب فندق "اكروبول" أربع نجوم، الذي سيكون جاهزاً الخريف المقبل، انه اختار انشاء فندق في البحيرة، لأنها مدينة المستقبل، فهي لا تبعد سوى ثمانية كيلومترات عن المناطق الرئيسية في العاصمة، إضافة إلى أن الوصول منها إلى المطار لا يستغرق أكثر من خمس دقائق. ويراهن أصحاب الفنادق في البحيرة على استقطاب رجال الأعمال الذين يأتون إليها بكثافة نظراً إلى العدد الكبير لمكاتب السفارات والشركات والمصارف في الحي الراقي الجديد. وكانت السنوات الأخيرة شهدت انتقال كثير من المصارف غير المقيمة والسفارات الغربية وشركات التأمين والمقاولات والسيارات إلى ضفاف البحيرة، فيما انشئت مجمعات تجارية هي الأحدث في تونس حالياً، مثل "قصر البحيرة" و"نجمة البحيرة"، إضافة إلى عدد كبير من المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم الموزعة على الشوارع. أما الذين لا يهوون التسوق فيمارسون رياضة المشي على الجادة الفسيحة التي تحاذي ضفة البحيرة والتي تنتشر فيها الأسر مع أبنائها بين الظهر والمساء. وكلما تقدم الربيع والصيف يتأخر الزوار أكثر للسهر على الكراسي التي تطوق الضفاف أو في المقاهي المنتشرة هناك والمطلة كلها على الماء. إلا أن الفراتي يعتقد أن زبائن الفنادق في البحيرة سيكونون أساساً من رجال الأعمال، ولذلك أقام في فندقه قاعة كبيرة للمؤتمرات تتسع ل550 شخصاً ومطعماً سعته 120 زبوناً وموقفاً للسيارات يسع 100 سيارة لاستقطاب رجال الأعمال الذين يترددون يومياً من الخارج على مكاتب الشركات والسفارات والمصارف والمؤسسات المحيطة بالفندق، وبينها "المعهد العربي لرؤساء المؤسسات" الذي انشأ أخيراً مبنى فخماً على بعد خطوات من الفندق. ورأى الفراتي أن رجال الأعمال الذين يزورون تونس يسافرون في نهاية الأسبوع السبت والأحد إلى الحمامات أو سوسة لأخذ نصيب من الراحة، إضافة إلى كونهم ينتقلون يومياً من الفنادق التي يقيمون فيها في المرسى وقمرت إلى مقار الشركات في البحيرة، بينما يوفر عليهم وجود فنادق في المنطقة كثيراً من الوقت والجهد. والأرجح أن الفنادق الجديدة في البحيرة ستركز على تطوير خدمات التسلية والترفيه مثل المسابح وقاعات البريدج والألعاب الرياضية والحدائق، بعيداً عن الصورة الصارمة المعروفة عن فنادق رجال الأعمال. وستضم ضفاف البحيرة بعد استكمال إقامة الفنادق الأربعة، أكبر المسابح التي لا يوجد لها مثيل في الفنادق الفخمة القائمة حالياً في مدينة تونس، إضافة إلى أن مدينة الأطفال والمنشآت الترفيهية التي تكاثرت في المنطقة تتيح لرجال الأعمال والسياح الأجانب مرافقة أفراد الأسرة في زيارات العمل التي يقومون بها إلى تونس. وتبدو منطقة البحيرة مرشحة لأن تصبح في المستقبل أحد المراكز السياحية المتطورة في تونس بسبب قربها من العاصمة ووجودها على ضفاف البحيرة وسط أرقى الأحياء الحديثة، لكنها لن تقتصر على أربعة فنادق، وإنما يخطط رجال أعمال تونسيون وعرب لإقامة مزيد من المجمعات السياحية والسكنية على الضفاف، وفي مقدمها المشروع الذي تتهيأ مجموعة "الوفاق" التونسية - السعودية لانشائه والمؤلف من مجمع تجاري وفندق من فئة خمس نجوم ومجمع سكني.