بحلول منتصف ليل الجمعة الماضي، دخلت شاحنة تحمل لوحة أرقام أردنية الى منطقة تبعد عن مدينة العقبة الساحلية الأردنية نحو 22 كيلومتراً، كانت تحولت للتو منطقة اقتصادية خاصة. وبذلك كانت تلك أول شاحنة تدخل "منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة" التي أعد لها الأردن طويلاً وعلق عليها، ولا يزال، آمالاً عريضة. ولدى الاعلان رسمياً عن تحول تلك البقعة من الأرض قرب العقبة التي تقوم على مساحة تبلغ نحو 380 كيلومتراً مربعاً، وقف الكابتن محمد الكلالدة، رئيس هيئة مفوضي المنطقة الاقتصادية الخاصة ليعلن بدء العمل بنحو 17 نظاماً خاصاً أعدت لتسيير العمل في المنطقة، عدا عن نظام الشرطة الساحلية الذي يتوقع أن يقر خلال أيام. وقال المدير العام لدائرة الجمارك الدكتور خالد الوزني ان هناك تنسيقاً تاماً بين دائرة الجمارك وجمارك المنطقة الاقتصادية الخاصة، فيما أكد مفوض الجمارك والايرادات في المنطقة الخاصة الدكتور أحمد الرفاعي أن المنطقة جاهزة لمواجهة جميع الظروف والاحتمالات والعمل لتحقيق أهدافها على المستويين الاقليمي والعالمي. وأعلن مفوض الاستثمار في المنطقة عمار فاخوري اطلاق حملة ترويج للمنطقة الاقتصادية الخاصة عبر الانترنت وغيرها من وسائل الاتصال للوصول الى جميع الأسواق والمستثمرين. وفي لقاء مع "الحياة" أكد الكلالدة ان 40 شركة سجلت فعلاً لدى مفوضية الاستثمار وأن نحو 100 شركة أخرى تقدمت بطلبات تسجيل حتى الآن، اذ أن تسجيل الشركات الراغبة هو الخطوة الأولى للحصول على المزايا التي توفرها المنطقة الخاصة من اعفاءات جمركية وضرائب على السلع المستوردة. وتوقع ارتفاع اعداد طلبات الاستثمار خلال الأشهر المقبلة في صورة تتناسب والحملة الترويجية التي تستهدف جذب الاستثمارات من أنحاء العالم. كما توقع أن يصل حجم الاستثمارات في المنطقة الى ستة بلايين دولار خلال العقدين المقبلين. وذكر ان منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ستتمتع بحوافز جمركية وضريبية لا تتمتع بها أي منطقة أخرى في الأردن، موضحاً أنه لن تكون هناك جمارك إلا على السيارات، وان نسبة ضريبة الدخل ستكون خمسة في المئة فقط اضافة الى ما نسبته سبعة في المئة ضريبة مبيعات وعلى البيع فقط، علماً بأن نسبة الضريبة العامة على المبيعات في المملكة في مرحلتها الجديدة هي 12 في المئة. وتوقع أن تتوزع الاستثمارات على القطاعات السياحية والخدمية والصناعية بنسب تصل الى 50 في المئة و30 في المئة و20 في المئة على التوالي. وتعود فكرة تحويل العقبة منطقة اقتصادية خاصة الى عهد الملك الراحل حسين، غير أن تسلم السيد عبدالرؤوف الروابدة رئاسة الوزراء في أعقاب وفاة الملك الراحل أدى الى تجميد الفكرة اذ كان معروفاً عنه عدم حماسه لها. ومع رحيل حكومته ومجيء حكومة المهندس علي أبو الراغب في حزيران يونيو الماضي فتح الباب على مصراعيه أمام تنفيذ المشروع الذي كان الملك عبدالله الثاني من أشد المتحمسين له، وكرس قسماً من وقته لمتابعة تنفيذه، وعقد اجتماعات عدة مع المسؤولين بمن فيهم رئيس الوزراء لهذه الغاية، وحض على الاسراع في ادخال المشروع حيز التنفيذ. وحدد المسؤولون أكثر من موعد لذلك، كان الأول بداية تشرين الأول اكتوبر العام الماضي ثم حدد الأول من السنة الجارية، لكن الأمور سارت في اتجاه آخر حتى كان منتصف ليل الجمعة الماضي ليصبح المشروع حقيقة. وعبرت القطاعات الاقتصادية المختلفة في المملكة عن تفاؤلها بأن يكون افتتاح المنطقة الحرة في العقبة بداية لخروج البلاد من أزمة الركود التي تعيش فيها منذ عام 1993. واعتبر السيد توفيق قعوار المدير العام ل"شركة قعوار للملاحة البحرية" ان المنطقة ستكون ذات تأثير ايجابي على البلاد، متوقعاً ان تجتذب استثمارات كبيرة داخلية وخارجية ما سيؤدي الى تنشيط الحركة الاقتصادية وخلق فرص عمل كبيرة قد تصل الى 70 ألف فرصة عمل وفق تقديرات المسؤولين، ما يساهم في حل مشكلة البطالة وهي من أبرز المشاكل التي تواجه الأردن. وأشار الى أن عدداً من المشاكل التي يعاني منها العاملون في مجال الشحن البحري ستحل، اذ ستختفي المرجعيات المتعددة وتصبح هناك مرجعية واحدة، مع ما يعنيه ذلك من تخفيف البيروقراطية. وأكد السيد نادر السيد، نائب المدير العام لشركة "مالترانس" للملاحة البحرية ل"الحياة" ان التفاؤل والأمل هما الشعوران المسيطران على العاملين في هذا القطاع "فانفتاح الأبواب أمام المستثمرين سيؤدي الى نشاط لا بد أن يؤثر بدوره في شكل ايجابي على الحركة التجارية والاقتصادية ومنها قطاع الملاحة البحرية الذي عانى الكثير خلال الأعوام العشرة الماضية، وتكبد خسائر فادحة" جراء الحصار الذي فرضه على العراق عام 1990 في أعقاب غزو الكويت، اذ كانت السفن المبحرة الى الأردن تخضع لتفتيش وتعطيل قبل وصولها الى ميناء العقبة. وقال السيد حمدي الطباع رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين ان تسويق المنطقة الاقتصادية في العقبة في صورة سليمة على المستويين الاقليمي والدولي يشكل المحور الأول في نجاحها، من خلال جذب رؤوس الأموال وتشجيعها على الاستثمار عبر انعاش المناخ الاستثماري ووضع التشريعات المناسبة التي تحكم العمل في المنطقة. وأشار الى أن الاعفاءات الضريبية لا تكفي وحدها لخلق مناخ استثماري، مشدداً على ضرورة منح مزيد من الحوافز والاغراءات وتسهيل الاجراءات وتوفير كادر بشري مؤهل ادارياً وفنياً بعيداً عن البيروقراطية والتعقيدات الادارية المنفرة للاستثمار. وأعرب السيد حيدر عيسى مراد رئيس اتحاد غرف التجارة الأردنية عن تفاؤله بالخطوة وأبدى استعداد الاتحاد للمساهمة في ترويج المشروع ووضع علاقاته واتصالاته في خدمته. وقال ان الاتحاد ينظر الى المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة باعتبارها الركن الأساسي للاقتصاد الوطني مشيراً الى أن المشروع يفتح المجال لاستقطاب استثمارات في قطاعات السياحة والصناعة والتجارة والنقل والخدمات والتأمين والتخزين والترانزيت مع كل ما يعنيه ذلك من إنعاش للحركة الاقتصادية في المملكة.