رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    السعودية للكهرباء تعمل على تصنيع قطع الغيار بالهندسة العكسية وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد    «QNB» الراعي البلاتيني لمؤتمر جي تي آر السعودية الرياض 2024    ولي العهد يلتقي أمين الأمم المتحدة وملك الأردن ورئيس وزراء الكويت والرئيس السوري    وزير التعليم يشارك طلاب ثانوية الفيصل بالطائف يومهم الدراسي    المملكة والعراق توقعان مذكرة تفاهم في مجال منع الفساد ومكافحته    غوتيريش: هجوم رفح غير مقبول ولا مبرر للعقاب الجماعي    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    الرئيس الصيني يؤكد أن الحل في أوكرانيا سياسي    الشيخ بن حميد في منتدى "كاسيد": الإسلام يدعو للتسامح    "سمو العقارية" و"كاتك العربية" توقعان مذكرة تفاهم بخصوص أنظمة محطات الشحن الكهربائي    " تطبيقية الرياض " تنظم المعرض السعودي للاختراع والابتكار التقني    كيف جاءت نتائج 13 مواجهة بين الاتحاد والخليج؟    "كواي" ابتكارات عالية التقنية تعيد تعريف التفاعل عبر مقاطع الفيديو القصيرة    النفط يرتفع والذهب يلمع    ديربي النصر والهلال.. فوز أصفر غائب في الدوري منذ 3 سنوات    وقاية.. تقصّي الأمراض الخطرة وإعداد خطط الطوارئ    ولي العهد يصل المنامة لرئاسة وفد المملكة في القمة العربية    السعودية: ندين محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. نرفض كافة أشكال العنف    أمانة الشرقية تؤكد على المنشآت الغذائية بضرورة منع تحضير الصوصات داخل المنشأة    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    اختتام الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الحياد الصفري للمنتجين بمشاركة الدول الست الأعضاء بالرياض    الكشافة تُدرب منسوبيها من الجوالة على "مهارات المراسم في العلاقات العامة"    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تحتفي بالفائزين بجائزة "تاج"    الرياض تستضيف النسخة الثالثة من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي    نائب أمير الشرقية يستقبل وزير الاقتصاد والتخطيط    «الأرصاد»: رياح شديدة السرعة على عددٍ من محافظات منطقة مكة المكرمة    أمير المدينة يرعى تخريج البرامج الصحية ويترأس اجتماع المحافظين    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    مدرب الأهلي يخضع فيغا لاختبارات فنية تأهباً ل"أبها"    "الخطيب": السياحة عموداً رئيسيّاً في رؤية 2030    الجيش الأمريكي: تدمير 4 مسيرات في اليمن    سمو محافظ الطائف يرعى حفل افتتاح المجمع القرآني التعليمي النسائي    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    صفُّ الواهمين    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    السفير الإيراني يزور «الرياض»    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    توثيق من نوع آخر    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تبييض شارون في السوق الدولية تمهيداً لمجازر جديدة
نشر في الحياة يوم 11 - 02 - 2001

اجتهد القائمون على حملة ارييل شارون الانتخابية من أمثال اوري شاني، سكرتير "ليكود" وزالمان شوفال، سفير اسرائيل السابق في الولايات المتحدة، ودوري غولد سفيرها في هيئة الامم المتحدة، واومري شارون ابن ارييل، في تقديم مرشحهم الى الاسرائيليين والعالم كرجل سلام. كانت هذه مهمة شاقة بالفعل، ولكنها غير مستحيلة طالما ان شارون سيصبح رئيس الحكومة الاسرائيلية، وطالما انه يوجد في دول الغرب من هو على استعداد للذهاب الى أبعد مدى في مساعدة حكام اسرائيل، أياً كانوا، والحكومات الاسرائيلية، مما كانت طبيعتها، على بلوغ غاياتها. وهكذا، وقبل ايام من الاقتراع، انطلقت حملة التذكير ببراغماتية ارييل شارون وواقعيته السياسية. أعيد الى الأذهان انه دخل السياسة عام 1977 من باب اليسار في حزب شلوموزين فعرض على يوسي ساريد، الزعيم الحالي لحزب ميرتز اليساري التعاون الانتخابي، وتحدث بلغة الايجاب عن إعطاء الفلسطينيين دولة مستقلة، حتى وعن التفاوض مع ياسر عرفات.
كذلك أعيد الى الاذهان انه هو الذي لعب الدور الرئيسي في اقناع مناحيم بيغن، في حديث هاتفي الى الولايات المتحدة بقبول معاهدة كامب ديفيد مع مصر، وانه هو الذي نفذ عملية تفكيك المستعمرات الاسرائيلية في سيناء.
وذهب مدبرو حملة شارون الى مدى أبعد حينما ذكروا بأنه على رغم اعلانه وفاة اتفاق اوسلو، فإنه كان وزير خارجية الحكومة التي وافقت على الاتفاق، ولولا دخوله الحكومة لما تجرأ نتانياهو على قبول الاتفاق. لقد اسند اليه منصب وزير الخارجية خصيصاً لكي يتولى شارون تغطية اتفاق اوسلو وتسهيل قبوله في الأوساط الاسرائيلية المتطرفة. تبييض شارون وتسويقه لا يتناول تبديل الصورة المنتشرة عن ماضيه فحسب، ولكن يشمل ايضاً اعطاء انطباعات متفائلة عن مشاريعه في الحكم. ان همه الأول هو اعادة السلام الى اسرائيل والأراضي المحتلة. وهو قادر على تحقيق هذه الغاية كما أعاد الأمن والسلام الى غزة عام 1971.
تتسم حملة تبييض شارون بمزيج من الهشاشة والمغالطة والسذاجة بحيث انه من المستبعد ان تقنع إلا من يريد الاقتناع بها أصلاً، خصوصاً من الذين يشاركون شارون نظرته الى الصراع العربي - الاسرائيلي، ومشاريعه في الشرق الأوسط ونزعاته العسكرية المغامرة. ذلك ان هذه الحملة ترمي الى تبديل الانطباع الراسخ في الاذهان حول شخصية شارون بحيث تحل صورة رجل السلام محل رجل الحرب.
وصورة رجل الدولة محل صورة رجل المؤسسة العسكرية. ويأمل القائمون على هذه الحملة ان يقبل الاسرائيليون والمجتمع الدولي بشارون حاكماً كما قبلوا من قبل الجنرال ديغول والجنرال ايزنهاور وبالعديد من العسكريين الذين تحولوا الى العمل السياسي. ولكن مشكلة شارون لم تكن قط انه كان عسكرياً و"محارباً" كما يلقب نفسه في مذكراته الشخصية، بل مشكلته انه رجل مجازر واجرام موصوف
والمجازر التي ارتكبها شارون لم تكن افعالاً عارضة في سجله العسكري ولا اخطاء جرته اليها عوامل خارج ارادته، بل كانت الأساس في نهجه العسكري والسياسي، ولولاها لكان ارييل شارون مجرد عسكري عادي أو مزارع يشرف على تربية الخيول والغنم ويزرع البطيخ والكرفس في المزرعة التي يملكها في صحراء النقب. ان نزوع شارون الى العنف والقتل لم يكن اكتشافاً عربياً بل اسرائيلياً في الأساس.
التعبير الأول عن هذا النزوع حدث عام 1953 عندما نفذ مجزرة القبية التي بلغت من البشاعة حداً أحرج حكومة بن غوريون، واضطرها الى اعلان عدم علاقة القوات المسلحة الاسرائيلية اطلاقاً بتلك المجزرة، وتوجيه أصبع الاتهام الى اليهود العرب والناجين من معسكرات الاعتقال النازية. آنذاك لم يكن شارون معروفاً، ولكن بدأ يتردد داخل اسرائيل وبين الفلسطينيين كعسكري اسرائيلي يتسم بالقسوة الشديدة.
جرى اكتشاف شارون مرة اخرى عام 1971 عندما قضى على الانتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة عام 1971 مستخدماً أساليب "... بلغت درجة من الوحشية جعلتها موضع النقد لدى أكثر جنوده قسوة"، كما جاء في تقرير نشرته احدى الصحف الاسرائيلية.
وشملت تلك الاساليب، تشكيل فرق الموت لقتل عشرات من الفلسطينيين من دون محاكمة، وتشريد 16 ألف فلسطيني، وتدمير ألفي مسكن. أثارت هذه الأساليب الوحشية ضجة واسعة الى درجة ان الحكومة الاسرائيلية اضطرت وقتها الى ابعاده عن القيادة العسكرية للمنطقة الجنوبية التي كان يتولى قيادتها. بعد تكرار هذه المجازر في القبية وغزة، اخذت تترسخ في الأذهان صورة شارون كرجل العنف والدمار بحيث لم يعد اسمه يثير السخط بين الفلسطينيين فحسب، بل يثير قلق الاسرائيليين انفسهم. فعندما اعرب ارييل شارون عن رغبته في تولي منصب وزير الدفاع في حكومة مناحيم بيغن في صيف عام 1981 كان أول المعترضين على هذا الأمر هم الاكثر معرفة بشخصيته وبعقليته من أقرانه في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية وفي ليكود. الجناح الليبرالي في ليكود، عارض اسناد هذا المنصب الى شخص عرف بنزقه وتطرفه حتى بالمقاييس الصهيونية والليكودية.
وتردد مناحيم بيغن، على رغم ما عرف عنه هو الآخر من انغماس في اعمال القتل والارهاب، اذ خاف ان يسبب شارون لحكومة ليكود احراجاً على الصعيد الدولي بسبب تطرفه الشديد، ولم يغير بيغن رأيه الا بعد ان اقتنع بفوائد ضم شخصية تحظى بعطف لا يضاهى لدى أشد أوساط تعصباً في اسرائيل. اما في المؤسسة العسكرية فكان هناك اجماع على انه سيوقع اسرائيل في "كارثة"، كما جاء في تقرير لهيرش غودمان، المراسل العسكري لصحيفة "جيروزالم بوست" الاسرائيلية 5/7/1981.
الكارثة التي تخوف منها نظراء شارون في المؤسسة العسكرية حصلت عام 1982 عندما نفذت مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان. لقد كانت هذه المجزرة انجازاً شارونياً بامتياز. فشارون هو الذي خطط لدخول بيروت.
وشارون هو الذي أمر بتطويق المخيم بالقوات الاسرائيلية لكي تمنع سكانه من الفرار منه أثناء عمليات القتل الجماعية التي مورست فيه. وشارون هو الذي تجاهل البرقيات التي ابلغت القيادة العسكرية الاسرائيلية في الساعات الأولى من المجزرة بأعمال الإبادة الجماعية التي تجري في المخيم. وشارون هو الذي حمل في تقرير كاهان المسؤولية عن المجزرة عندما خلص التقرير الى ضرورة استقالته من منصبه.
الى سجله الحافل بالمجازر وبأعمال الإبادة الجماعية في القبية وغزة وصبرا وشاتيلا، اضاف ارييل شارون مسؤولية مباشرة عما يحصل الآن في المناطق المحتلة من اعمال قتل للفلسطينيين. لقد بدأ هذا الفصل الجديد عندما زار شارون الحرم الشريف. لم تكن تلك زيارة عادية، بل كانت غزواً شارك فيه ألف شرطي اسرائيلي تساندهم آلة القمع الاسرائيلية كلها. لقد سارع باراك، بكثير من الصلف والغباء الى تغطية تبرئة شارون من تداعيات الزيارة. وبدلاً من ان يحاول اقناعه بتجنب تلك الغزوة المشؤومة، وبدلاً من ان يحمله مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية، طفق يتحدث عن "العنف الفلسطيني الذي بدأ قبل الزيارة"، كلام باراك لا يغير من علاقة شارون بالفصل الأخير من فصول التنكيل بالفلسطينيين. فالعنف الفلسطيني الذي سبق غزو الحرم الشريف كان قابلاً للاحتواء وللمعالجة لولا زيارة شارون ولولا تحديه لمشاعر الفلسطينيين والمسلمين بصورة عامة.
الشارونية ليست شططاً في الممارسات العدوانية فحسب، بل انها نظرات بالغة التشاؤم والقسوة والاحتقار تجاه العرب. شارون لم يعارض حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة فحسب، وانما عارض حتى حصولهم على الاستقلال الذاتي. بل انه اعتبر الاستقلال الذاتي اسوأ من الدولة الفلسطينية لأن الدولة ستنشأ على جزء من الضفة والقطاع، بينما الاستقلال الذاتي سيشمل كل أراضي الضفة والقطاع. اما العلاقة مع العرب فإنها تنتظم، في تقدير شارون، بمقدار ما تملك اسرائيل من تفوق ساحق على جيرانها، وبمقدار ما يشعرون بعدم جدوى تحدي جدار القوة الاسرائيلية. عندها سيقبل العرب بالسلام. السلام الاسرائيلي طبعاً.
المقاومة المبكرة للشارونية أمر ضروري وممكن. ضروري لأن نجاح حملة تبييض شارون وتلميع صورته وتسويقه كرجل سلام، ولو نجاحاً جزئياً، تعني افساح المجال له لكي يمارس الأساليب نفسها التي استخدمها في غزة من اجل قمع الانتفاضة الحالية، كما تعني احتمال شنه حرباً خاطفة ضد سورية ولبنان والعراق مع تحميل الفلسطينيين والعرب مسؤولية اضطراب الأمن والاستقرار في المنطقة. مقاومة الشارونية ممكنة، ليس لأن الدول العربية تملك من القدرات ما يمكنها من احتواء ارييل شارون فحسب، ولكن لأن المجتمع الدولي لن يقبل شارون، ولأن الاسرائيليين انفسهم سيضطرون عما قريب الى نبذه كما نبذوا ايهود باراك. وكلما أسرع العرب في فضح عملية تلميع صورة شارون وكلما سلطوا الأنظار على شخصيته وعقليته الدموية، يعجلون في انهاء تلك الظاهرة البشعة في تاريخ المنطقة.
الموقف العربي الصلب والمتماسك تجاه شارون سيحد من قدرته على تشكيل حكومة تنال تأييد اكثرية الكنيست. ويقصر أجل حكومته، ويساعد فلسطين والمنطقة والمجتمع الدولي على الخلاص من الشارونية بما تمثله من عنف وتدمير وموت.
* كاتب وباحث لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.