هل باتت البشرية قاب قوسين أو أدنى من الاستنساخ البشري، ليشكل حدث الختام لهذه السنة المشبعة حرباً ودماراً؟ وهل تشهده بريطانيا بعدما وعد الطبيب الايطالي سيفيرينو انتينوري بأنه سيتحقق بطريقة قانونية خلال شهرين أو ثلاثة، بفضل قرار اتخذته أخيراً إحدى محاكمها؟ المفتاح الفعلي الذي عاود تحريك النقاش المتعلق بالاستنساخ البشري جاء من القضاء البريطاني، الذي أصدر حكماً، تحت ضغط جماعات تعارض الاستنساخ، هدفه التشدد في منع هذه العملية، لكن الأمور سارت في الوجهة المعاكسة تماماً، وفتح القرار باباً كان "موصداً" أمام بدء استنساخ البشر سريعاً! وما يزيد تأكيد هذا التوقع، إعلان بانبيوتيس زافوس، أحد العلماء المشاركين في مؤتمر دولي لاستنساخ أول كائن بشري، عقد أخيراً في ولاية كنتاكي الاميركية، عن تجربة يشارك فيها عشرة أزواج غير قادرين على الانجاب. وتوقع زافوس ان تفضي هذه التجربة الى ولادة أول انسان مستنسخ نهاية هذه السنة، وبأسلوب نقل نواة الخلية الذي طبق في استنساخ النعجة دوللي عام 1997. قضاء ونتائج غرائبية! الخميس الماضي، نظرت محكمة انكليزية في دعوى اقامتها مجموعة مناهضة للاستنساخ، فحواها ان التشريع الخاص بالأجنّة والتكاثر، المعمول به منذ العام 1990 في المملكة المتحدة، يشمل حصراً الأجنّة البشرية الطبيعية، اي التي تتولد من تلقيح حيوان منوي لبويضة الانثى. ولما كان الاستنساخ لا يتم بهذه الطريقة، بل يعتمد على اخذ نواة من خلية عادية وادخالها الى بويضة انثى، صار واضحاً ان التشريع لا ينطبق على اجنّة الاستنساخ. وقصدت المجموعة المناهضة من دعواها، سد هذه الثغرة القانونية، بالتالي التشدد في منع هذه العملية. ووافق القاضي على وجهة نظر هذه الجماعة التي بدت كمن يحقق نصراً مبيناً. وسرعان ما سارت الأمور في الوجهة المعاكسة تماماً، إذ تبين أن مؤيدي الاستنساخ البشري لم يكونوا متنبهين إلى هذه الثغرة القانونية، ففرحوا بقرار أضاء لهم طريقاً لم يروها سابقاًً! واستغل الايطالي انتينوري الفرصة فأعلن انه سيهرع الى انكلترا لينجز عملية الاستنساخ قبل ان يسد القضاء والحكومة هذه الثغرة. ومعروف ان انتينوري أثار نقاشاً وسخطاً عالميين في وقت مبكر هذه السنة، عندما اعلن عزمه على استنساخ بشر كوسيلة لتجاوز العقم لدى مئتين من الأزواج، كان يعالجهم في عيادته في ايطاليا. وفي ذلك الوقت، تحركت مجموعات مناهضة لاستنساخ البشر، لتؤلب الحكومات من أجل تشديد القوانين التي تمنعه، خصوصاً داخل الولاياتالمتحدة، الى حد ان انتينوري أحجم عن ذكر الدولة التي يعتزم اجراء تجاربه على أجنة البشر، فوق أراضيها. المفارقة ان هذا الطبيب كان ممنوعاً من إجراء أي اختبار على الأجنة في بريطانيا بموجب تشريع ال1990، لكن قرار المحكمة ربما يفتح الباب أمام نشاطه هناك، باعتبار ان اختباراته لم تعد غير شرعية! وثمة من يرى في الأمر "لعبة انكليزية" ذكية ومريبة في آن. فالمعلوم ان بريطانيا تراهن بقوة على اقتصاد البيولوجيا، واتخذ برلمانها جملة من القوانين التي تجعل الباب "موارباً" امام مكونات هذا الاقتصاد، مثل تسهيل تجارب خلايا المنشأ STEM CELLS. وأدى الأمر إلى تطور واسع في التقنيات المرتبطة باقتصاد البيولوجيا، إلى درجة ان انتينوري وصف ما يتوافر في انكلترا من تقنيات بيولوجية بأنه "الأكثر تقدماً في العالم".